يقوم وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" حاليًا بجولة في الشرق الأوسط للترويج لاتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي وحث الدول العربية الأخرى على العمل من أجل توقيع اتفاقيات مماثلة مع الإسرائيليين.
يحاول "بومبيو" الاستفادة من المواقف الجديدة لبعض الدول العربية المتمثلة في التخلي عن شرط حل القضية الفلسطينية قبل تطبيع العلاقات مع (إسرائيل).
لعقود من الزمان، كانت القضية الفلسطينية سببا رئيسيا في توتر العلاقات بين (إسرائيل) والعالم العربي، على الأقل علنًا. ومع ذلك، فإن محنة الفلسطينيين في بلد آخر في الشرق الأوسط (لبنان) حظيت باهتمام أقل بكثير رغم ما يعانيه الفلسطينيون في لبنان من تمييز في الإسكان والتوظيف والمصارف وغيرها.
لم ينتقل الفلسطينيون إلى لبنان لأنهم اعتقدوا أنهم سوف يتمتعون بمستويات معيشية أعلى هناك ولكنهم أجبروا على القيام بذلك بسبب ظروف خارجة عن إرادتهم. وبالرغم من مساهماتهم في المجتمع والاقتصاد اللبنانيين، فقد عانى الفلسطينيون في لبنان من تمييز رسمي صارخ. ولن يتحقق السلام الحقيقي في الشرق الأوسط طالما يغفل صانعو السلام هذه القضية.
أدت الهزيمة العربية في حرب الأيام الستة عام 1967 إلى عسكرة الفلسطينيين. واستقرت منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان بالرغم من اعتراضات الجيش بقيادة المسيحيين، مما أدى إلى قتال متكرر.
في عام 1969، وقعت الحكومة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية القاهرة التي رعتها مصر والتي رفعت السيطرة اللبنانية على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. وقد ساعد هذا الترتيب مجموعات المقاومة الفلسطينية على مهاجمة المستوطنات في الجليل الأعلى على طول الحدود الإسرائيلية السورية اللبنانية.
في عام 1982، طردت (إسرائيل) منظمة التحرير الفلسطينية ومعظم المقاتلين من لبنان. وفي عام 1987، ألغى مجلس النواب اللبناني اتفاق القاهرة.
في عام 1991، أمر "ياسر عرفات" منظمة التحرير الفلسطينية بالانسحاب شرق صيدا في جنوب لبنان والتراجع إلى مخيمات اللاجئين. وكان بإمكان الجيش اللبناني أن يستولي على المخيمات ويستعيد السيادة عليها. بدلاً من ذلك، اختارت الدولة عزلهم.
في عام 2016، شيد الجيش جدارًا حول عين الحلوة، أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان، والذي يأوي أكثر من 120 ألف شخص على مساحة 0.31 ميل مربع. في النهاية، رفضت الحكومة تلبية الاحتياجات الأساسية لـ475 ألف فلسطيني مسجلين في لبنان.
بعد نزوح الفلسطينيين عام 1948، ازدهر لبنان اقتصاديًا. انتقل الميناء الرئيسي المستخدم للتجارة العربية من حيفا إلى بيروت وجلب الفلسطينيون إلى البلاد ما قيمته 7 مليارات دولار إسترليني (بأسعار الصرف الحالية) واستثمروها في مشاريع تجارية. وطور رواد الأعمال الفلسطينيون القطاع الزراعي في لبنان، وأسسوا شركات بناء رائدة اكتسبت اعترافًا دوليًا، وأسسوا أكبر مصارفها التي جعلت من بيروت المركز المصرفي في المنطقة.
لكن منذ عام 1948، انتهج لبنان بشكل سياسة تمييزية ضد الفلسطينيين. تعتبر الحكومة الفلسطينيين في لبنان أجانب وليسوا لاجئين، مما يعفيها من مسؤولية حمايتهم بموجب القانون الدولي للاجئين. وهكذا، في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، طلبت مديرية الأمن الداخلي من الفلسطينيين الحصول على تصاريح للسفر داخل لبنان.
تحظر قوانين العمل اللبنانية على الفلسطينيين العمل في 39 مهنة كما أن العثور على وظيفة في مهن صغيرة مشروط بالحصول على تصريح عمل التي ترفض وزارة العمل والشؤون الاجتماعية منحها للفلسطينيين؛ في حين يُعفى المواطنون السوريون من الحاجة إلى تصاريح عمل، ويتم منح مواطني الدول الأخرى بشكل روتيني الحق في العمل.
تتجاهل بعض الشركات القانون وتوظف الفلسطينيين لأنهم يدفعون لهم أقل من الحد الأدنى للأجور فضلا عن تجاوز مبالغ الضمان الاجتماعي. وبالتالي، يعمل العديد من الفلسطينيين في الزراعة والبناء وغسيل السيارات، وهي وظائف لا تتطلب في كثير من الأحيان تصاريح عمل والتي غالبًا ما يستهجنها اللبنانيون.
في العام الماضي، اقترح وزير العمل تشديد القيود على توظيف الفلسطينيين في القطاعات القليلة المفتوحة لهم التي لا تتطلب تصريحًا. ولم يتراجع إلا بعد مناشدات من السلطة الفلسطينية والمجتمع المدني اللبناني. ومع ذلك، غذت خطوة الوزير المشاعر المعادية للاجئين في البلاد التي تواجه أزمة اقتصادية خانقة.
في أبريل/نيسان الماضي، نظمت الحكومة رحلات جوية لإعادة اللبنانيين العالقين في الخارج بسبب فيروس "كورونا". ورفض ضابط أمن لبناني السماح لفلسطيني في دبي اشترى تذكرة طيران بالصعود إلى الطائرة، رغم أنه ولد ونشأ في لبنان. وقال الضابط إن على الأجانب الانتظار حتى استئناف الرحلات المنتظمة. كما أن الحكومة تعلن بانتظام عن حملات للتطعيم الشامل وفحص سرطان الثدي لكنها تستثني الفلسطينيين منها.
في عام 2001، حظر قانون عقاري جديد على الفلسطينيين امتلاك أو وراثة الممتلكات غير المنقولة، خشية أن يؤدي امتلاك الفلسطينيين للأرض إلى تسهيل إعادة توطينهم في لبنان بشكل دائم. وتضمنت قائمة الممتلكات غير المنقولة أراضي الدفن، لذلك أُجبر الفلسطينيون على دفن موتاهم في مقابر منفصلة في مناطق مقفرة وبعيدة.
هناك أيضا تمييز ضد الفلسطينيين في القطاع المصرفي. فقد انهار بنك "انترا"، الذي أسسه مصرفي فلسطيني، في عام 1966 بعد أن رفض سياسيون لبنانيون تقديم الدعم المالي له بالرغم أنه كان المؤسسة المالية الرائدة في البلاد وكان يسيطر على هيئة ميناء بيروت وكازينو لبنان.
وفي مثال آخر على التمييز، أذن البنك المركزي لشركات تحويل الأموال بتزويد السكان بمبالغ صغيرة من الدولار الأمريكي بسعر صرف مخفض خلال أزمة العملة الصعبة التي تمر بها البلاد، لكن هذه السياسة لم تنطبق على الفلسطينيين.
ويعاني الفلسطينيون في لبنان من ظروف معيشية مزرية، مع معدل بطالة يبلغ 56% بينما يعيش أكثر من 80% تحت خط الفقر، وتزداد الأزمة صعوبة مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية في لبنان ورفض الحكومة منحهم وضعًا خاصًا كلاجئين.
وتتحمل الولايات المتحدة مسؤولية أخلاقية عن مصير اللاجئين في لبنان. لقد كانت العقل المدبر لخطة التقسيم في عام 1947 لإقامة دولتين في فلسطين، ووافقت (ولو ضمنًا) على مبدأ التبادل السكاني الذي يعني النزوح.
وبما أن "بومبيو" متواجد في المنطقة لإقناع دولة أو دولتين عربيتين بتطبيع العلاقات مع (إسرائيل). فمن الصعب أن نتخيل تحقيق السلام العربي الإسرائيلي من خلال حشد تعاون "دول الأطراف" مثل البحرين والسودان، مع تجاهل الفلسطينيين في لبنان الذين تكمن محنتهم في قلب الصراع.
(الخليج اون لاين)