خجولاً كئيباً كأنما على رأسه الطير يخرج الأمين العام لجامعة الدول العربية (الميِّتة إكلينيكيّاً) وبعد مرور أكثر من أسبوع على اتفاق الذل الإماراتي بتطبيعه مع الكيان الإسرائيلي ليقول إنّ علاقات سلام عربية مع الكيان الإسرائيلي شاملة وطبيعية لا يمكن أن تتحقق إلا عندما ينال الشعب الفلسطيني حريته واستقلاله، وإنّه يمكن تحقيق ذلك من خلال مبدأ "الأرض مقابل السلام" وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، متجنباً أيَّ حديث عن الخيانة الإماراتيّة للعرب والمسلمين وللجامعة العربية أيضاً التي يعلم أمينها العام جيداً أنّ ما أقدمت عليه الإمارات يتعارض وبشكلٍ كامل مع الإجماع العربي الذي من المُفترض أن تكفله الجامعة العربيّة.
موت سريري
في أعقاب اتفاق التطبيع الإماراتي مع الكيان الإسرائيلي، التزمت جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي التي تُشرف عليها مملكة آل سعود الصمت التّام، ولم تشعر أي من المنظمتين أن لديهما ما تقولانه بشأن عواقب التطبيع بين الإمارات والكيان الإسرائيلي على الدولة الفلسطينية المستقبلية، ولا تداعياتها على العالم العربي والإسلامي.
ولأنّ مملكة آل سعود تُقدم التمويل الأكبر للمنظمتين، فمن المؤكّد أن تكون هناك قيود صارمة على ما يمكن أن تقوله هاتين المنظمتين متعدّدة الأطراف ظاهرياً، أما في الحقيقة فالأمين العام لجامعة الدول العربية مصري مُسيّر ومدفوع الأجر من السعودي، وأمين عام منظمة التعاون الإسلامي سعودي، ومن هنا يُمكننا أن نعرف سبب هذا الصمت المُطبق.
أكثر من ذلك؛ يظهر الموت السريري لجامعة الدول العربية من خلال رفضها للطلب الفلسطيني بعقد اجتماع عاجل لها، ليُفضّل أبو الغيط ومن خلفه مُشغلوه من الإماراتيين والسعوديون الذي يدفعون له، أن يؤجل عقد هذا الاجتماع إلى التاسع من أيلول المقبل، وسيكون هذا الاجتماع برئاسة دولة فلسطين (وكأنها جائزة ترضية)، وهذا يعني أنّ الاجتماع لن يكون طارئاً كما طلبت الحكومة الفلسطينية لبحث الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، بل هو اجتماع عادي على مستوى الوزراء.
التطبيع.. خيار استراتيجي!
صمت مُطبق ومخجل ذلك الذي خيّم على جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، فالدفاع عن فلسطين قضية مشتركة لجميع العرب والمسلمين، وصمت تلك المُنظّمات تشجيع على التطبيع والخيانة.
ويمكن رؤية هذا التشجيع بدايةً من الوقت الذي استغرقه أبو الغيط للحديث عن "مُبادرة السلام العربية" حيث إنّه لم يتطرق أبداً إلى جريمة الإمارات التطبيعيّة التي وصفها الفلسطينيّون بأنها "طعنة في الظهر، حيث اكتفى أبو الغيط بالقول إنّ القضية الفلسطينية قضية توافق بين جميع الدول العربية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية هدف مركزي لجميع الدول العربية "دون استثناء"، فهل الإمارات استثناء من هذا الأمر، أمّ إنها دولة غير عربيّة؟!
ويتضح من تصريحات أبو الغيط أنّ التي يقول بها إن "السلام الحقيقي والدائم والعادل والشامل بكل عناصره يبقى خياراً استراتيجياً للدول العربية"، وكأنه يرمي من خلال تصريحاته تلك إلى أنّ الجميع سيقوم بالتطبيع، وأنّ جميع تصريحات السابقة من أنّ خطة السلام العربية هي خيار استراتيجي للعرب ليست أكثر من ذرٍّ للرماد في العيون، وهو الأمر الذي يُظهره تأخر أبو الغيط في تصريحاته الخجولة والمُتأخرة، والتي استثنت الإمارات حتى من مجرد الإشارة لجريمتها.
وفي تطبيع الإمارات مع الكيان الإسرائيلي تحظرني قمّة الخرطوم في العام 1967 والتي أُطلق عليها قمّة اللاءات الثلاثة (لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه) وهنا رُبّما اعتبرت الإمارات نفسها مُستثناة من هذه اللاءات الثلاث، كونها في ذلك الوقت لم تكن موجودة!.
وفي النهاية؛ ألا يحقُّ لنا أن نتساءل عن سبب بقاء الإمارات في هذه الجامعة، فكما يعلم الجميع أنّه تمّ طرد مصر من جامعة الدول العربية في العام (1979) بعد توقيعها اتفاق كامب ديفيد، ولم يتم إعادتها لتلك الجامعة الهَرِمةَ إلّا بعد عشرة أعوام (1989)، فهل يحق لنا أن نُمني أنفسنا بأنّ الاجتماع المقبل والمقرر بعد أسبوعين تقريباً وهو اجتماع عادي وليس استثنائياً أو اضطرارياً كما طلب الفلسطينيون، سيتم فيه طرد الإمارات من الجامعة العربيّة حتى تعود عن رأيها، أمّ إنها ستبقى كون التطبيع بات خياراً استراتيجياً لأغلب الأنظمة العربية، بعكس ما تدّعي؟ يبقى هذا السؤال برسم الأيام المُقبلة مع أنّ جوابه معروف للجميع.
(الوقت الاخباري)