ما بعد اتفاق أبو ظبي وتل أبيب ليس كما قبله بالنسبة إلى الفلسطينيين، فالقيادة اجتمعت في رام الله بحضور قياديين من حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
ووسط إجماع على رفض الاتفاق وإدانته، تزداد مساحة التقارب والوحدة، في مشهد قد ينبئ بانطلاق مسار طي صفحة الانقسام في الساحة الفلسطينية، لتنخرط الفصائل في جبهة موحدة لمواجهة أخطر مراحل القضية.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وفي مستهل اجتماع القيادة الفلسطينية، قال إن "هذا الاجتماع يؤكد أن الشعب الفلسطيني وحدة واحدة"، مشدداً على عدم السماح لأحد بالتكلم باسم القضية الفلسطينية والتوقيع عنها.
ليس من المبالغة القول إن اجتماع القيادة الفلسطينية في رام الله مهم جداً، ولا بد أن يبنى عليه. الأهمية تنبع من أن الاجتماع يضم، وللمرة الأولى، معظم الفصائل الفلسطينية، ولا سيما حركتي حماس والجهاد.
للشكل هنا رمزية بالغة. أما في المضمون، فثمة معطيات كثيرة تفرض الخروج بموقف موحد لقطع الطريق على كل المحاولات البائسة لتشريع وجود الاحتلال على أرض فلسطين.
اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي الذي قوبل بتنديد فلسطيني من الشارع والفصائل والقيادة، عدّ "خنجراً في ظهر الأمة العربية والشعب الفلسطيني، وخيانة من دولة الإمارات للقدس وللمسجد الأقصى وللقضية الفلسطينية".
الاتفاق جزء من كل المخطط الذي بدأ بنقل السفارة الأميركية إلى القدس الشريف، وإعلان واشنطن القدس عاصمة للاحتلال، مروراً بصفقة القرن والإعلان الرسمي عنها بحضور خليجي فاقع، وصولاً إلى اتفاقية الانبطاح والاستسلام اليوم.
منذ أوسلو، تراكمت استحقاقات تواجه القيادة الفلسطينية، هي في مجملها من إفرازات رهان خاسر على تفاوض رافقه تسريع قضم الاستيطان للأراضي، وصولاً إلى ضم أجزاء من الضفة الغربية لا تزال خطته قائمة، رغم اضطرار الاحتلال إلى تأجيلها بعد صمود الفلسطينيين.
مسؤول الدائرة السياسية في حركة الجهاد الإسلامي، محمد الهندي، دعا "إلى فتح مسار جديد، بعدما وصل مسار حل الدولتين الوهمي إلى نهايته".
وأكد الهندي للميادين أن "الإمارات لا تعنيها القضية الفلسطينية"، لافتاً أن "هناك انبطاحاً عربياً رسمياً أمام العدو الإسرائيلي".
الهندي اعتبر أن "الدول العربية تبحث عن مصالحها بعيداً من أي اعتبار مرتبط بالقضية الفلسطينية"، مشدداً على أن "هناك تحالفاً عسكرياً وأمنياً وسياسياً بين المستبدين من الحكام العرب وإسرائيل".
وقال إن "اتفاق أوسلو انتهى عملياً"، لافتاً إلى أن "إسرائيل لا يمكن أن تعطي الفلسطينيين الحد الأدنى من حقوقهم".
ودان الهندي الدول العربية التي "تتسابق للتحالف مع إسرائيل لبناء حلف إقليمي ضد العرب"، داعياً إلى "إعادة بناء منظمة التحرير لإعادة اللحمة الفلسطينية".
وأكد أن "جميع الخيارات الفلسطينية ترفض التنازل أمام إسرائيل، وإن كان هناك بعض الاختلافات في السياسات".
من جهته، قال نائب أمين سر المجلس الثوري لحركة "فتح" فايز أبو عيطة: "لا يجوز لأي جهة التحدث باسم الشعب الفلسطيني".
وأكد أبو العيطة للميادين أن "كل المكونات الفلسطينية تحضر اجتماع القيادة في رام الله لتوجيه رسائل إلى كل الأطراف"، مشيراً إلى أن "الشعب الفلسطيني بكل فصائله موحد في مواجهة خطر التطبيع القادم".
وأعلن أن "الشعب الفلسطيني موحد في المواجهة، وقواعد الاشتباك ستتغير"، لافتاً إلى أن "الدول التي تطبع تخرج عن الاجماع العربي بشكل تام، وتعارض موقف الشعوب العربية".
أبو العيطة أوضح أن "المشهد الفلسطيني الوحدوي اليوم لم نرَه منذ الانقسام"، لافتاً إلى أن "الانقسام الفلسطيني أضعف القضية الفلسطينية، وتم استغلاله من قبل العديد من الأطراف".
وشدّد على أنه "يجب مغادرة مربع الانقسام الفلسطيني، ودخول كل الفصائل في منظمة التحرير"، مؤكداً أن "هناك اتفاقاً مبدئياً على المقاومة الشعبية في مواجهة الاحتلال".
بدوره، قال مسؤول الدائرة السياسية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ماهر الطاهر، إن "مَن يعتقد أن التصفية هي للقضية الفلسطينية فقط، هو واهم".
وأكد للميادين أننا "أمام خطر حقيقي يستهدف الأمن القومي للأمة، لأن بعض الحكام قرروا الارتماء في الحضن الإسرائيلي"، داعياً منظمة التحرير الفلسطينية إلى "سحب الاعتراف كلياً بإسرائيل، لسحب مبررات بعض الحكام الخونة".
ولفت الطاهر إلى أنه "يجب التحرك بشكل حقيقي على الأرض وفي الميدان نحو انتفاضة فلسطينية شاملة"، معتبراً أن "أي حديث عن سلام ومفاوضات لا معنى له أمام مشروع صهيوني يريد استئصالنا".
وأشار الطاهر إلى أن "الفرز في المنطقة يأتي لصالح القضية الفلسطينية، لأن هؤلاء الأقزام سيخسرون شرف الدفاع عن القدس"، وقال: "نملك الكثير من أوراق القوة، لكن لا نستعملها بسبب أوهام تتعلق بالرهان على التسوية".
نتنياهو يصر على إحراج أبو ظبي والتقليل من شأنها
السعي الإسرائيلي إلى تطبيق اتفاق التطبيع مع الإمارات بسرعة، قابله طرح أسئلة عديدة بشأن الثمن الحقيقي لهذا الاتفاق ودوافعه، وسط حديث المراقبين عن أن هدف الإمارات الأساسي كان عقد صفقة أسلحة، لا إبعاد شبح خطة الضم الإسرائيلية عن الفلسطينيين، واستمرت "إسرائيل" في تكذيب ما قاله الإماراتيون من أن الثمن كان وقف خطة الضم.
"نحن من أوقف خطة الضم"، قالها الفلسطينيون أصلاً، ليتبين أن الاتفاق لم يحقق للإمارات حتى أهدافها الخاصة. التطبيع الذي حاولت الإمارات تبريره بمكاسب، سرعان ما اصطدم بتفنيد ورفض إسرائيلي.
مراقبون أشاروا إلى أنّ الاتفاق الذي وصف بأنه "صفقة سلام"، مقابل عدم ضم "إسرائيل" مناطق في الضفة الغربية وغور الأردن إليها، تبين أنه توصيف غير كامل، ففي صلب الاتفاق يكمن تطلع إماراتي للحصول على موافقة "إسرائيل" على تزويد واشنطن أبو ظبي بصفقة سلاح بعشرات مليارات الدولارات.
رئيس الاستخبارات الإسرائيلية يوسي كوهين ومكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، صدما أبو ظبي برفضهما أن يفتح الاتفاق باباً لتوقيع صفقة سلاح مع الولايات المتحدة بعشرات مليارات الدولارات.
مسؤول الدائرة السياسية في حركة الجهاد الإسلامي، محمد الهندي، أكد أن "تل أبيب لا تتعامل مع الدول الساعية إلى التطبيع بندّية، بل تقودها".
وأضاف: "تل أبيب لا تحتاج إلى حلفاء في المنطقة، إنما لمن يعمل لديها"، مشيراً إلى أن "هناك نظاماً إقليمياً تقوده إسرائيل، وهو موجه ضد إيران".
بدوره، مسؤول الدائرة السياسية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ماهر الطاهر، أكد أن "نتنياهو يقول للجميع في إسرائيل إنه فرض ما يريد من خلال الاتفاق مع أبو ظبي".
ولفت إلى أن "هناك صراعاً في المنطقة بين محور يقف إلى جانب القضية الفلسطينية وآخر يتآمر عليها"، متسائلاً: "أين علينا أن نقف في ظل الصراع القائم في المنطقة بين محور يدعم قضيتنا وآخر يتآمر عليها؟".
بناءً عليه، فإن فعلة الإمارات لم تحقق سوى هدفين: التصويب على إيران وضرب القضية الفلسطينية، وهنا تحديداً، أي مصير القضية ومصير الشعب الفلسطيني، لا بد من أن يكون شعلة ولادة الجبهة الفلسطينية الموحدة للمواجهة.
(الميادين)