2024-11-27 09:45 ص

هذا ما قد يفعله الفلسطينيون لمواجهة خطة الضم الإسرائيلية

2020-07-21
علي حامد
تشكَّلت الحكومة الائتلافية الإسرائيلية الخامسة والثلاثون بعد جولتين انتخابات للكنيست، وما إن أدى بنيامين نتنياهو اليمين الدستورية رئيسًا للحكومة الإسرائيلية، حتى أعلن أجندته الحكومية التي تكونت من خمس قضايا رئيسة، حسب ما أشار تقرير صادر عن مركز مدار للدراسات الإسرائيلية.

أهم هذه القضايا الخمس؛ ضم الضفة الغربية وغور الأردن. إذ يدور الحديث حول ضمِّ مساحة 30% من إجمالي مساحة الضفة الغربية، إذ تشتمل تلك المساحة على 130 مستوطنة يقطنها 600 ألف مستوطن، وبالإضافة إلى الأغوار الأردنية الممتدة من بحيرة طبرية وحتى البحر الميت، فضمُّ هذه الأراضي كان مما وعد به الرئيس الأمريكي في ما يعرف بـ«صفقة القرن».

وحسبما أشار تقرير الحالة العربية، فإن ثلاثة عوامل رئيسة تضافرت لتشكل ظرفًا موضوعيًّا استثنائيًّا لتطبيق فكرة الضمِّ، وتتلخص العوامل في: وجود إدارة أمريكية تقدم دعمًا استثنائيًّا للإدارة الإسرائيلية – وشواهد ذلك نقل السفارة الأمريكية للقدس – وضم أراضي الجولان باعتراف الإدارة الأمريكية بسيادة إسرائيل عليها، ووجود حالة عربية رسمية تساعد على تطبيق الضمِّ، علاوة على أن المستوى الشعبي العربي منشغل بهموم أبعد ما تكون عن القضية الفلسطينية.

تمثل تلك العوامل فرصة لتطبيق الضمِّ بأقل كلفة ممكنة، بحسب تقدير الإدارة الإسرائيلية، لكن في مقابل ذلك، هناك ما يشير إلى العكس تمامًا. فالتقدير الأمني الإسرائيلي يقول بأن الضم سيؤثر في جبهة «الجنوب» التي سجلت الفترة الأكثر هدوءًا وفق التقديرات الإسرائيلية؛ إذ ستشتعل مواجهات عنيفة معها.

وعليه يتساءل هذا التقرير عن استراتيجية الفعل الفلسطيني في مواجه الضمِّ، وعما إذا كان الضمُّ سيغير شيئًا على الصعيد الفلسطيني.

بداية المأساة.. النكسة وجذور الضمِّ

تعود جذور فكرة الضم للفترة اللاحقة لحرب يونيو (حزيران) 1967 (حرب النكسة)، إذ طرحت مشروعات عديدة لتسوية القضية الفلسطينية، وكان من بينها، ما يعرف بمشروع آلون (1967). إذ طرح المشروع وزير الخارجية الإسرائيلي حينذاك، إيجال آلون، على أن يجري ضمُّ مساحات شاسعة من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، ويكون نهر الأردن هو الخط الفاصل بين الأردن وإسرائيل.

تشير دراسة نشرت في مطلع تسعينيات القرن الماضي وترجمتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية ونشرتها تحت عنوان «الضفة الغربية وغزة خيارات إسرائيل للسلام»، إلى أن الضمَّ واحد من الخيارات التي درسها ثلة من باحثي معهد يافي للدراسات الاستراتيجية بجامعة تل أبيب، بوصفه خيارًا من خيارات إسرائيل للسلام وحلًّا نهائيًّا له.

فقد عرَّف الباحثون الضمَّ بأنه قانون يصدر عن الكنيست من جانب واحد – الجانب الإسرائيلي – يقتضي بفرض «القانون الإسرائيلي» على أراضي الضفة الغربية (أراضي يهودا والسامرة)، وقطاع غزة، أو على أجزاء منها، على غرار قانوني القدس الشرقية (1967) والجولان (1981).

لكن الأوساط الإسرائيلية تتحدث اليوم عن فكرة جديدة؛ إذ تستثني بصورة واضحة قطاع غزة من معادلة الضمِّ، على اعتبار أنه جرى الانسحاب منه من طرف واحد – الطرف الإسرائيلي – وعلى اعتبار أنه الرقعة الجغرافية المناسبة لقيام أي دولة فلسطينية مستقبلية، وهذا ما أكدته الصيغ المختلفة  لـ«صفقة القرن».

إحلال وتفكيك ومحو.. مستويات خطة الضم الإسرائيلية

استيقظ سكان التجمع البدوي، بيت حجلة، ذات يوم على اعتداء إسرائيلي استهدف أراضيهم ومساكنهم؛ إذ هدمت الآليات الإسرائيلية بيوتهم وجرفتها تجهيزًا لضمِّها لاحقًا، الأمر الذي دفع السكان إلى الإصرار على البقاء. يقول إبراهيم أبو داهوك أحد سكان التجمع: «لا مكان لنا سوى هذه الأرض التي سكناها منذ سنين طويلة»، فالمصادرة الإسرائيلية تستهدف كذلك الإنسان، علاوة على الأرض.

فعلى صعيد آخر يشير محمد أبو درغام – أحد سكان سهل البقيعة في الأغوار – إلى أن سعي إسرائيل لضمِّ أراضي الغور يهدد مشروعه الزراعي الذي يعتاش منه منذ عشرات السنين، الأمر الذي يهدده بالرحيل وإغلاق هذا المشروع بعد مصادرة إسرائيل للأرض. في حالتي أبو كويك وأبو درغام نجد مواجهة تستهدف الأرض والسكان، فالضمُّ فكرة تتسم بالإحلالية والمحو.

تحدثت أستاذة علم الاجتماع هنيدة غانم في دراسة لها عن الطبيعة البنيوية للاستعمار بأنه فعل إزالة ومحو؛ إذ يسعى بصور محمومة نحو محو الموجودات، بإرادته السيطرة على كل شيء، فهو يريد الأرض كاملة ليبني عليها مشروعه الاستعماري، وهو يريد الإنسان كاملًا ليسخره لخدمة مشروعه كذلك، فالتفكير الاستراتيجي الإسرائيلي لا يقوم على سلام محتمل مع الآخر – العربي والفلسطيني- بل يعتقد أن الآخر مهدِّد لوجوده، وعليه فإنه مطالب بالسعي لإزالته.

والضمُّ خطوة تستهدف الأرض والإنسان، فعندما تسيطر إسرائيل على الأرض فإنها لا بد من أن تطرح على نفسها سؤال حول الآخر، كيف ستتعامل معه، هل سيجري إدماجه بـ«دولة إسرائيل» أم أنه سيتعرض للطرد؟

الإجابة عن هذا السؤال مرهونة بذهنية المستعمر الإسرائيلي التي تقوم على رفض الآخر وعدم القبول به بأية صيغة، وهذا يعني أن إسرائيل ستعمد إلى مواجهة من على الأرض، وحتى تواجهه فإن ذلك يعني تحلُّلًا من أي اعتبار لأي شكل من أشكال الإدارة الفلسطينية، وهذا يعني بالمنطق الإسرائيلي حلّ السلطة الوطنية الفلسطينية، وتفكيك البنية الأمنية في الضفة الغربية، وهو ما يؤكد صفة الضمِّ الإحلالية، فالتوصيات على المستوى الفلسطيني تذهب بإعادة بناء السلطة في سياق وحدة الصف الفلسطيني الداخلي، ويمكن اعتبار ذلك استجابة طبيعية لمحاولة المحو والإزالة.

توحُّد الفلسطينيين في مواجهة الضم

بالاستناد إلى النقاش السابق وعبر التقارير والآراء المختلفة، فإن الضم هو استهداف للإنسان وللأرض، وهذا يشير أولًا إلى أن الضمَّ عبارة عن خطوة إحلالية، تهدف لإزالة الوضع القائم ليحلَّ وضع جديد، ينتفي فيه حضور الأول، مما يستدعي حالة مختلفة من العودة نحو الذات التي ستتعرض للمحو، إذ يجب إعادة البناء بما يتناسب مع الوضع القادم.

وهذا ما يقود ثانيًا لاحتمالية الصدام بين المستعمر ومن يرزح تحته، فالتقدير الإسرائيلي يستبعد أن تكون هناك «لامبالاة فلسطينية»، وأنه سيكون هناك مقاومة واسعة النطاق للضمِّ، قد تستدعي العمق العربي للفلسطينيين، ما قد يؤدي إلى اندلاع مواجهة واسعة مع جميع أطراف الصراع.

المستوى العسكري الفلسطيني لم يكن ببعيد عن التقديرات التي تشير إلى المواجهة المحتملة فالناطق العسكري باسم «كتائب القسام» أعلن في خطاب له أن قرار إسرائيل بالضمِّ هو بمثابة إعلان حرب، وعليه فإن المقاومة الفلسطينية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا القرار وسيكون الردُّ موجعًا، وما هي إلّا ساعات حتى وجهت المقاومة الفلسطينية رشقات صاروخية نحو البحر، ما اعتبر أنه تهديد غير مباشر للإدارة الإسرائيلية.

على جانب آخر، يعكس التوجه للمستوى الرسمي الفلسطيني شعورًا عامًّا باحتمالية وقوع صدام ما مع إسرائيل؛ إذ تُرجم ذلك في مؤتمر صحفي جمع حركتي «فتح» و«حماس» في إطار توحيد جهود الإنسان الفلسطيني، فالإنسان الفلسطيني المنتظم بالعمل الحركي وغير الحركي يستيقظ اليوم على التوحُّد كفكرة لا غنى عنها في مواجهة المحتلِّ.

الاستراتيجية الفلسطينية المُحتملة

الصدام المحتمل كنتيجة للإحلال يفتح أفقًا فلسطينيًّا جديدًا ويقود إلى التفكير في استراتيجية فلسطينية جديدة تساعد على التحرر. فالوحدة هي الإطار الاستراتيجي التي تقوم عليها ركيزتان؛ إذ لا بد أولًا أن يعتقد الكلُّ الفلسطيني بأن إسرائيل لا يمكن بأي حالة من الأحوال أن تقيم سلامًا معه بأية صورة أو شكل، وهذا ما يعرف بـ«التشاؤم الاستراتيجي».

وثانيًا، التخطيط الذي يرسم للإنسان الفلسطيني مستقبله ولا يتوقف عند أفق ضيق أو مصالح فئوية ويحقق له ما يصبو إليه.

ويشكل حديث هذه الاستراتيجية، الإجابة البارزة على سؤال الضمِّ، عمَّا إذا كان سيغير شيئًا، فالعلاقة الإحلالية للمستعمر تجاه من يرزح تحته، تُعرض الاثنين إلى مواجهة مباشرة، وهذا يعني أفقًا جديدًا يخطُّه الإنسان الفلسطيني في سياق قضيته سعيًا للتحرر.
(قناة العالم)