2024-11-22 11:28 م

أكبر حركة سياسية في أمريكا.. قصة التيار الديني الذي يقود البيت الأبيض

2020-07-14
«لقد جلسنا قرب أنهار بابل، وأخذنا نبكي حين تذكرنا صهيون» *المزمار 137

لم يُقل هذا النص التوراتي على لسان أحد الحاخامات أو رجال الدين في بلد ما، بل على لسان رئيس أكبر ديمقراطية علمانية في العالم – الولايات المتحدة – هاري ترومان، ما يشي بأن «أمريكا بلد علماني، يفصل الدين عن السياسة»؛ مجرد أسطورة مُتخيلة.

تعرف «أيباك» على أنها أكبر لوبي صهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن هذا لا يعد صحيحًا تمامًا، فلا شك أن هناك العديد من جماعات الضغط والحركات والمنظمات، التي تؤيد إسرائيل في أمريكا، وتلعب دورًا في قنص كل المنافع الممكنة من أجل مصلحة الإسرائيليين في العالم. في هذا التقرير نتحدث عن حركة تملك ملايين التابعين من الشعب الأمريكي، من أول كبار رجال السياسة في أمريكا وصولًا إلى رئيس الولايات المتحدة نفسه، وهي واحدة من أقدم الحركات الدينية التي تأسس عليها فكر ومصالح الولايات المتحدة؛ الإنجيليين.

«مملكة المسيحية المتصهينة» في أمريكا

يشكل البروتستانت – طائفة مسيحية نشأت على يد اللاهوتي الألماني مارتن لوثر في القرن السادس عشر – الغالبية العظمى من الشعب الأمريكي؛ إذ تبلغ نسبتهم حوالي 50% من المجتمع الأمريكي.

ويتكون البروتستانت من تيارين كبيرين في أمريكا: 

البروتستانتية الإنجيلية: والتي تدعم إسرائيل إلى أبعد الحدود، وتؤمن بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، ويعادون الإجهاض، وينشرون المدارس الكنسية، ويعدون السياسة أحد أهم أدواتهم.

بروتستانتية «الخط-الرئيسي»: والذين يكنون روح الكراهية لإسرائيل، ويهتمون بالحقوق المدنية، ويسعون لفصل الدين عن السياسة.

يمثل الإنجيليون 25.4% من المجتمع الأمريكي، بينما يمثل الخط- الرئيسي 14.7% من المجتمع الأمريكي، أي إن أكثر من ربع المجتمع الأمريكي إنجيلي، وذلك بحسب إحصائيات مركز «بيو» عام 2019.

الإنجيليون، والأصوليون، واليمين الديني، والحركة المسيحية الصهيونية كلها فئات وطوائف تُعبِّر عن القوة الصهيونية الأكبر في الولايات المتحدة، والتي تضم العديد من الشخصيات البارزة في المجتمع الأمريكي سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا وإعلاميًّا، والمؤمنين بوجوب مساعدة إسرائيل ودعمها والدفاع عنها؛ إذ يمثل ذلك جزءًا من عقيدتهم الدينية. 

فالمهاجرون الأوائل لأمريكا، وبرغم عقيدتهم البروتستانتية، كانوا متأثرين كثيرًا باليهودية واللغة العبرية؛ حتى إن العديد من الجامعات طلبت ذلك في مناهجها، وكانت اللغة العبرية لغة إلزامية في جامعة هارفارد – المصنفة الثالثة عالميًّا عام 2019 – حتى عام 1787، وحتى يومنا هذا تحمل جامعة ييل – المصنفة رقم 15 عالميًّا عام 2019 – شارة عبرية، بل إن أول كتاب صدر في أمريكا كان «سفر المزامير» وهو أحد نصوص العهد القديم، ما يجعل القول بأن الولايات المتحدة تقوم على أُسس دينية واضحة، أمرًا ممكنًا.

كواليس السيطرة على البيت الأبيض

مع نهاية أربعينيات القرن الماضي ظهرت أمريكا قوةً عالمية على المسرح الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، وقائدًا للعالم الغربي بدلًا من بريطانيا. ففي خلال تكريم الرئيس هاري ترومان، من المدرسة اللاهوتية اليهودية عام 1953 قُدِّم على أنه «الرجل الذي ساعد على إنشاء دولة إسرائيل»، إلا أن ترومان، رد على مقدِّمه قائلًا: «ماذا تقصد بساعد؟ أنا كورش» مشيرًا إلى الملك الفارسي كورش، الذي أطاح البابليين عام 593 قبل الميلاد، وساعد اليهود المحتجزين في بابل للعودة إلى القدس وإعادة بناء هيكلهم.

وفي عام 1976؛ اعتبرت الحركة المسيحية الصهيونية أنها وصلت لهدفها الأخير والنهائي بوصول المسيحي الإنجيلي جيمي كارتر لسدة الحكم، والذي عد نفسه «مولودًا من جديد»، ذلك التعبير الذي يقال عن  الإيمان بعقيدة الإنجيليين، وذلك في الوقت نفسه الذي وصل فيه مناحم بيجن للسلطة في إسرائيل، وهو الصديق المقرب للمسيحية الصهيونية في الولايات المتحدة. 


صرح كارتر بأن نظرته إلى الشرق الأوسط مبنية على قراءته في الإنجيل، وشبه إسرائيل بـ«العودة الأخيرة لأرض بابل من قبل اليهود والمنتظر منذ مئات السنين» وهو تعبير توراتي مستوحى من نصوص العهد القديم. ولكن وبسبب مشكلة تخص اللاجئين الفلسطينيين، خسر كارتر تأييد الإنجيليين قبل إعادة انتخابه، وأصبح على الحركة المسيحية الصهيونية اختيار مرشح آخر يعبر عن آرائهم السياسية، فوقع اختيارهم على رونالد ريجان، الذي كسب الانتخابات باكتساح لم تشهده الانتخابات الأمريكية كثيرًا.

ومع صعود ريجان للسلطة، تلخصت سياسة الولايات المتحدة نحو إسرائيل في أمرين: 

أنها القوة الوحيدة في المنطقة التي يمكن الاعتماد عليها. 

اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية منظمة إرهابية. 

الأمر الذي جعل الدعم الأمريكي لإسرائيل غير مشروط وبلا أي اعتبارات، ففي 7 يونيو (حزيران) 1981، وعندما قصفت المقاتلات الإسرائيلية المفاعل النووي العراقي، تصدى ريجان بقوة لكلمة «عدوان» في تصويت الأمم المتحدة؛ لكي لا تتخذ العراق حقها في الرد للدفاع عن النفس. وعلى هذا النهج، عملت الولايات المتحدة في فترة ريجان على إضفاء الشرعية دومًا على قرارات إسرائيل، ما جعل ريجان يكرر مرارًا وتكرارًا على سبيل المثال أن «المستوطنات ليست غير قانونية». 

كذلك استخدمت الولايات المتحدة في 19 أبريل (نيسان) 1982، حق الفيتو لوقف قرار مجلس الأمن الذي سعى لإدانة إطلاق النار على المصلين الفلسطينيين في قبة الصخرة. ورغم التحديات التي واجهت الولايات المتحدة بغزو إسرائيل للبنان وارتكاب مجازر صبرا وشاتيلا، ورغم أن العديد من مستشاري البيت الأبيض أرادوا خروج إسرائيل من لبنان في أسرع وقت؛ لم يكن لكل ذلك تأثير كبير في ريجان، إذ أوضحت الولايات المتحدة أنه لا يمكن أن يكون هناك انسحاب لإسرائيل قبل وقف جميع الأعمال العدائية عبر الحدود. 

وفي الفترة من يوليو (تموز) حتى سبتمبر (أيلول) 1985 باعت إسرائيل العديد من الأسلحة لإيران خلال صفقة «الأسلحة مقابل الرهائن»، ورغم الإحراج الشديد التي سببته فضيحة «إيران كونترا» لإدارة ريجان، فإنها لم تضعف العلاقات الأمريكية الإسرائيلية؛ ما عبر عن موقف ريجان الثابت تجاه إسرائيل مهما حدث، وهو ما قطعه على نفسه منذ بداية تسلمه السلطة وقيادة الولايات المتحدة. 

صلوات الإنجيليين تتعالى من البيت الأبيض لأجل ترامب

منذ فوز دونالد ريجان الجمهوري في 1980 على جيمي كارتر الديمقراطي؛ استفاد المرشحون الجمهوريون للرئاسة من الدعم الحماسي للناخبين المسيحيين الإنجيليين. وعليه؛ يقود الإنجيليون في هذه الأيام حملة كبيرة من أجل فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة، فعبر موقع الحملة «إنجيليون من أجل ترامب 2020» يجمع الموقع الأصوات والتبرعات بل يشارك أيضًا في بيع منتجات تروج لانتخاب ترامب رئيسًا لفترة ثانية. 

وفي أحد الأخبار الواردة على موقع الحملة، صورة لترامب وحوله 25 من قادة وقساوسة الإنجيليين في البيت الأبيض، اجتمعوا حوله لكي يصلوا من أجل فوزه في الانتخابات القادمة. يقول رالف رييد مؤسس ورئيس ائتلاف الإيمان والحرية – والذي كان من بين الحضور – أن المسيحيين مدعوون للصلاة من أجل قادتهم، بغض النظر عن ميولهم السياسية، وأنهم كقادة كانوا مع ترامب، ممثلين لعشرات الملايين الذين يدعمون الرئيس كل يوم. 

يضيف رييد أن «الديمقراطيين الذين ينتقدون الإنجليين بحاجة لمعرفة كيفية عدم التحدث إلى الناخبين الإنجيليين والتشهير بهم والسخرية منهم». 


وفي ميامي؛ تقدم ترامب لإحدى الكنائس التابعة لمنظمة «الملك عيسى الدولية» – إحدى منظمات الإنجيليين – أمام حضور قُدِّر  عددهم بـ7 آلاف إنجيلي، ليتحدث عن قضايا لاقت احتفاءً كبيرًا من الحاضرين. فتحدث ترامب عن حملات منع الإجهاض، وأن الديمقراطيين في «حملة صليبية» ضد التسامح الديني. وقال أيضًا في خطابه الذي استمر 75 دقيقة: «إن إدارته لن تتوقف أبدًا عن القتال من أجل الأمريكيين المتدينين»، وأضاف: «سنستعيد الإيمان بوصفه الأساس الحقيقي للحياة الأمريكية». 

مايكل ديفيد لين – أحد مخضرمي الجيش الأمريكي والبالغ من العمر 62 عامًا، والذي يحضر بانتظام في كنيسة الملك يسوع – يقول: «إن حياة ترامب البعيدة عن التقوى والمرتبطة بالزنا وببعض نجوم الإباحية، يمكن التغاضي عنها، وإن كانت بعض الأشياء التي يقولها ويفعلها تزعج بعض الناس، فهذا لا يجعله أقل من أن يكون رجل الرب». في المقابل، يقول ترامب في موعظته بالكنيسة: «لكي تزدهر أمريكا في القرن الحادي والعشرين، يجب أن نجدد الإيمان والعائلة كمركز للحياة الأمريكية».

في هذا السياق، صرحت إحدى المجمعات المسيحية بأن ترامب بحاجة للحفاظ على ولاء كتلة التصويت الإنجيلية التي دفعته للفوز قبل أربع سنوات عام 2016، والتي حصل فيها على دعم 80% من الناخبين الإنجيليين البيض على الصعيد الوطني. وقال ترامب: «في عام 2016 خرج المسيحيون الإنجيليون بأعداد لم يسبق لها مثيل»، وأكمل: «سنفجر هذه الأرقام في 2020، أعتقد حقًّا أن الرب بجانبنا».

وقد وجدت استطلاعات المجمع الانتخابي الوطني أن 26% من الناخبين جرى تحديدهم كمسيحيين إنجيليين من البيض عام 2016. وقد أبلغ 64% من الإنجيليين عن حضور الكنيسة أسبوعيًّا على الأقل، مقارنة بـ35% من المسيحيين الآخرين، مما يشير إلى احتمال حدوث تجاوب أعلى للرسائل ذات الصلة بالسياسة في الأوساط الإنجيلية. 

يذكر معهد بروكينز أن كل هذه المسحات تقوم على فرضية أن غالبية الإنجيليين سيصوتون للجمهوريين، وهذا الافتراض مدعوم بشكل جيد في بيانات المسح، إذ شكل الإنجيليون البيض 46% من تحالف ترامب مقارنة بـ9% من تحالف كلينتون. وتسفر الاستطلاعات عن أرقام مختلفة إلى حد ما، ولكن الاتجاه العام ثابت يوضح أن الإنجيليين البيض عنصر رئيسي في تحالف الرئيس ترامب، وتميل المجموعة إلى أن تكون أكبر سنًّا، ولها وضع اجتماعي واقتصادي أقل قليلًا، وتتركز في الجنوب.

ويمكن القول بأن الحركة المسيحية الصهيونية تستمد قوتها بشكل كبير من ملايين الإنجيليين المنتشرين حول الولايات المتحدة، وكذلك من المعتقدات الراسخة التي شكَّلت أساسات أمريكا العقائدية والتوجهات السياسية الخارجية خاصة المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط وإسرائيل.

لكن وكما ذكرنا في بداية تقريرنا، يمثل قادة هذه الحركة القوة الأهم داخلها؛ ففي أيديهم مقدرات الحركة، وهم من يرسمون السياسات ويمتلكون العلاقات ويقودون التجمعات وينشئون المنظمات، خاصة أنهم يتقدمون للشعب الأمريكي كرجال دين ووعاظ. وخلال السطور القادمة نسرد قصة أحد رجال هذه الحركة لندرك حجم قادتها، وإلى ماذا يطمحون، وكيف يحققون سياساتهم على مدار عدة عقود في أمريكا؛ القوة العظمى في العالم.

ولهذا السبب لن ينجح انقلاب الجمهوريين على ترامب!

«جيري، لقد اعتقدنا أنك مجنون، لكننا نفهم الآن»

قال هذه الجملة بعض أبرز قادة الإنجيليين لجيري فولويل الابن – أحد قادة الإنجيليين ورئيس جامعة ليبرتي إحدى أكبر الجامعات المسيحية في أمريكا – وهذا لدعمه غير المحدود في 2016 لدونالد ترامب الذي يمتلك نوادي للتعري وكازينوهات، لكن جيري يرى أنه عندما قال المسيح «إننا جميعًا نفعل الخطيئة»، فهو يعني أن كل البشر حقًّا كذلك. وهذا يعني أنه لا يمكن اختيار الرئيس بناء على سلوكه الشخصي. ويكمل جيري: «قد لا يكون ترامب محافظًا من الناحية الإيديولوجية، ولكنه الأفضل لهذا البلد»، وأنه لا يمكنه تخيل أن يفعل ترامب أي شيء غير جيد للولايات المتحدة. 


ففي حوار لجيري فولويل مع «واشنطن بوست»، يقول جيري إن الولايات المتحدة كانت غارقة في الديون بسبب سوء إدارة السياسيين المحترفين للبلاد لدرجة أن أصبحت الولايات المتحدة في حاجة لشخص غير سياسي، شخص ناجح في الأعمال التجارية والمالية، ولهذا السبب دعم جيري ترامب. ويدعي جيري أن ترامب أعاد لأمريكا عظمتها مرة أخرى بين دول العالم، واستطاع مساعدة الفقراء. 

تبدأ القصة عندما أسس جيري فولويل الأب، أحد أبرز قادة الإنجيليين، حركة الأغلبية الأخلاقية في الثمانينيات، والتي طالبت دومًا بقيم مسيحية عائلية وشخصية يجب تبنيها لتلقي دعمهم، وهي التي دفعت برونالد ريجان إلى البيت الأبيض، ما جعل المحافظين الدينيين دائرة مهمة وحيوية لأي جمهوري ينوي أن يصبح رئيسًا. ولأن فولويل الابن هو حامل شعلة إرث أبيه؛ تقرب ترامب منه، ما جذب المحافظين المتدينين الإنجيليين نحو ترامب خاصة مع وعوده بجعل «أمريكا عظيمة مرة أخرى».

يقول  أستاذ العلوم السياسية في جامعة فورمان، والذي درس السياسة الإنجيلية لزمن طويل، جيم جوث: «بالنسبة لأولئك الذين هم أكثر أنواع الأصولية تطرفًا، فإن عائلة فولويل، وتأييد فولويل عامل مهم». 


ومع قرب انتهاء فترة ترامب الرئاسية الأولى ما يزال السيد فولويل مؤيدًا ثابتًا لترامب، بل ذهب إلى حد القول بأن الرئيس يستحق مدة طويلة في الرئاسة «تعويضًا» للوقت الضائع في تحقيق مولر. وفي مقابلة مع «الجارديان»، وصف فولويل الديمقراطيين بأنهم فاشيون، وقال: «إن لم نكن في القرن الحادي والعشرين لانخرطت الولايات المتحدة في حرب أهلية كما حدث في القرن الثامن عشر». 

جدير بالذكر، أنه يُنسب لجيري فولويل الفضل في تنظيم القادة الإنجيليين لتقديم تصويت مسيحي ضخم لترامب في عام 2016، فهو ليس لديه «شك ولا تردد في دعم الرئيس ترامب؛ إذ إنه مثل رونالد ريجان» على حد تعبيره، وهو ما يمثل قوة ضاربة لترامب، لن تتضرر كثيرًا بانقلاب أصدقائه القدامى الجمهوريين الذين انقلبوا عليه، وعلى رأسهم بولتون؛ إذ ما تزال ملايين الأصوات في جعبته، وذلك بتضامن رجال مثل فولويل معه. 

بات روبرتسون و«شبكة البث المسيحية».. من هنا كانت البداية!

وُلِد ماريون جوردون روبرتسون المعروف بـ«بات روبرتسون» عام 1930 في عائلة سياسية؛ إذ عمل والده أبشالوم روبرتسون في كل من مجلس النواب الأمريكي ومجلس الشيوخ. بعد تخرجه من جامعة لي في عام 1950، خدم لمدة عامين في الجيش الأمريكي، ثم حصل على شهادة في القانون عام 1955 من جامعة ييل ثم درس في كلية اللاهوت في نيويورك، وتخرج في عام 1959.

في ذلك التوقيت أسس روبرتسون في 1960 أول محطة تلفزيونية مسيحية في البلاد، والتي أصبحت فيما بعد شبكة CBN «سي بي إن» التلفزيونية – شبكة البث المسيحية – والتي تعرف نفسها على أن مهمتها هي «الوصول للعالم برسالة أمل من الكتاب المقدس»، وبدأت خدمة التلفزة باسم «يهوه – اللفظ العبري لاسم الرب» في بداية الأمر. 

واجهت القناة أزمة مالية في 1963، ما جعل روبرتسون يجري أول عملية تمويل جماعي «تبرع» عبر مكالمات الهاتف لجمع 7 آلاف دولار شهريًّا لسد نفقات الشبكة، موزعين على 700 مساهم يمنح كل منهم 10 دولارات شهريًّا، ودعا روبرتسون الجماهير للصلاة من أجل 700 من المؤيدين الذين سيساعدون في استمرار «سي بي إن»، وهكذا وُلد أكبر برامج الولايات المتحدة الوعظية المتلفزة برنامج: «نادي الـ700».

كان هذا النادي نقطة تحول مهمة بالنسبة للقناة ولبرامج الوعظ التلفزيونية، والتي أضافت إلى الحركة المسيحية الصهيونية قوة إضافية كبرى، وقدم البرنامج بات روبرتسون وأصبح البرنامج أحد أطول البرامج في تاريخ أمريكا. كان البرنامج يتلقى اتصالات وتساؤلات المشاهدين ويقدم وجبة إخبارية ومقابلات تناقش العديد من الأمور طبقًا لأجندة الشبكة والحركة المسيحية الصهيونية. ويعد نادي «الـ700» أول برنامج ديني باللغة الإنجليزية يُنقل عبر الكابل في إسرائيل. 


توفرت «سي بي إن» بـ122 لغة، وساعدت في إنشاء 190 كنيسة، وأطلقت مبادرة مهمتها تحويل 500 مليون شخص إلى المسيحية الإنجيلية بتوصيل رسالة الإنجيل لجمهور عالمي واسع النطاق. ومع غزو إسرائيل للبنان عام 1982 وانتهاء الحرب عام 1985، ورغم حرص مستشاري الرئيس ريجان في ذلك التوقيت على انسحاب إسرائيل الفوري من لبنان؛ أنشأت إسرائيل المنطقة الأمنية داخل الحدود اللبنانية، والتي شجعت «سي بي إن» لبث قناة «إم إي تي في» التابعة لها، والتي تبنت سياسة شبكة البث المسيحية، وعملت على نشر الأعمال الأدبية الدينية، وتغطية أحداث المنطقة برؤية مسيحية صهيونية، وهو ما غطى 15 دولة في الشرق الأوسط. 

بحلول عام 1981 أصبحت شبكة البث المسيحي في 10 مليون منزل، وفي عامي 1991 و1992 وصل عدد المشاهدات لعروض الشبكة التلفزيونية إلى 100 مليون مشاهدة، وفتحت الحكومة السوفيتية أبوابها أمام الشبكة ليصبح لديها مركز في موسكو. 

وفي خطوة كبرى بعد نجاحات «سي بي إن» أسس روبرتسون جامعة ريجنت في فيرجينيا عام 1978، والتي يدرس فيها حوالي 11 ألف طالب في 135 مجالًا من منظور مسيحي صهيوني «قائم على مبادئ الكتاب المقدس» كما تُعرف الجامعة نفسها على صفحتها التعريفية على موقع الجامعة. 

ويُقدَّر عدد أعضاء هيئة التدريس بحوالي 165 عضوًا يعملون بدوام كامل، و465 عضوًا يعملون بدوام جزئي من بينهم إيهود باراك – رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق – ورئيس شركة «فوربس» ستيف فوربس، والمدعي العام الأمريكي السابق جون أشكروفت، والرئيس السابق للعمليات البحرية فيرن كلارك. 

وفي العام نفسه، أسس روبرتسون منظمة الإغاثة والتنمية «عملية البركة – Operation Blessing» والتي جمعت تبرعاتها من خلال برنامج «نادي الـ700» والذي تحول لمنصة لتمويل المشروعات. في عام 1982 وصل الالتزام المالي للمنظمة إلى مليون دولار سنوي، وفي عام 1992 امتلكت المنظمة أسطول شاحنات مقطورة، وفي وقت لاحق اشترت طائرة «L-1011»، وتعرف المنظمة نفسها بأنها «مكرسة لإظهار حب الرب» وتوفير بوابة للشركاء ليكونوا «أيادي يسوع وأقدامه».

يقود المنظمة جوردون روبرتسون، نجل بات روبرتسون منذ عام 2018 وهو أيضًا الرئيس التنفيذي لشبكة «سي بي إن» منذ عام 2007. تخرج جوردون في جامعة ييل عام 1980 وحصل على الدكتوراة في القانون من واشنطن. وبعد ممارسة القانون انتقل جوردون للفلبين عام 1994 وأسس «سي بي إن آسيا»، وفي العام التالي أسس المركز الآسيوي للبعثات، والذي أصبح أكبر وكالة تبشيرية في الفلبين، كما أسس مراكز مماثلة في إندونيسيا والهند وغيرها من البلدان. 

عاد جوردون في عام 1999 للولايات المتحدة ليشرف على برامج شبكة البث المسيحية التلفزيونية، والرقمية، والتفاعلية، والوثائقية، بوصفه منتجًا تنفيذيًّا ومشاركًا في برنامج نادي «الـ700». 

أصبح بات روبرتسون في الثمانينيات منخرطًا بشكل متزايد في السياسة، مما دعاه للترشح للرئاسة عام 1988، وركزت حملته على القضايا المحافظة، لاسيما معارضة الإجهاض ودعم الصلاة في المدارس. ومع ذلك وبعد بداية قوية لحملته، تراجع دعمه، فانسحب روبرتسون من السباق في فبراير (شباط) 1988. وفي العام التالي أسس التحالف المسيحي، وهو منظمة سياسية محافظة ذات نفوذ، وشغل منصب رئيسه حتى عام 2002. وفي عام 2007 استقال من منصبه رئيسًا تنفيذيًّا لشبكة البث المسيحية، وتولى ابنه جوردون روبرتسون قيادة الشبكة. ومع ذلك، واصل بات روبرتسون تقديم نادي الـ700.


هل حقًّا أمريكا بلد علماني؟

يؤمن الإنجيليون بأربع نبوءات يسعون لتحقيقها، بوصفها وعدًا توراتيًّا من الله لهم:

دخول اليهود فلسطين وعودتها وطنًا لهم. 

جعل القدس عاصمة لدولة إسرائيل. 

بناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى. 

قيام معركة آخر الزمان (هرمجدون) بقيادة المسيح ضد أعدائه. 

ومع تحقق النبوءة الأولى عام 1948، كرس الإنجيليون جهدهم من أجل تحقيق الثانية. وبالفعل  تلقى ترامب دعمًا كبيرًا منهم لتحقيقها، وذلك عبر تهيئة الإنجيليين للرأي العام وتسخير الإمكانيات من أجل نقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية إلى القدس بدلًا من تل أبيب، كخطوة نحو جعل القدس عاصمة إسرائيل. فقد تقرر في ذلك الوقت زيارة نائب الرئيس مايك بنس – والذي يصف نفسه كمسيحي إنجيلي – إلى القدس، إلا أن هذه الرحلة أُلغيت بسبب الاحتجاجات التي اندلعت هناك آنذاك.

ويمكن القول بأن مجيء ترامب لسدة الحكم هو إرادة الله في وجهة نظر الإنجيليين، ومن يعادي ترامب فهو يعادي الله كما يؤمنون. وفي استطلاعات لمركز جالوب؛ تشير البيانات إلى أن الأمريكيين يفهمون الله بصفته فاعلًا سياسيًّا؛ إذ تمزج الثقافة السياسية الأمريكية بين اللغة الدينية والسياسة. 

ومن كل ما سبق، وبنظرة داخل الولايات المتحدة نتأكد أن للرؤية المسيحية الصهيونية ، تأثيرًا قياديًّا في الخطاب السياسي وأنماط التصويت في أمريكا.

أما سياسة الولايات المتحدة الخارجية، خاصة علاقتها بالشرق الأوسط؛ فهي مبنية على رؤية إنجيلية خالصة لتفسير الأحداث واتخاذ القرارات، وأن شعار «طرد الله من الساحة العامة الأمريكية» سيظل مجرد شعار، لطالما وُجد على الساحة العامة الأمريكية، قوة كقوة الحركة المسيحية الصهيونية.
(ساسة بوست)