يعاني التيار السلفي الجهادي في الأردن “ركودا حادا” بحسب مراقبين، بعد أن تأثر بثورات الربيع العربي، مع وجود رمزين عالميين للسلفية الجهادية على أراضي المملكة، وهما عمر محمود (أبو قتادة الفلسطيني) وعصام البرقاوي (أبو محمد المقدسي).
ويؤكد القيادي في التيار محمد الشلبي المعروف بأبي سياف، حالة الركود، معللا إياها بالخصومات الداخلية، على إثر انقسام التيار بين مؤيد لتنظيم الدولة المعروف بـ”داعش” ومعارض له.
وقال أبو سياف إن النزاع الذي وقع بين تنظيم الدولة وجبهة النصرة في سوريا، انعكس على التيار في الأردن في صورة انقسامات عديدة، أدت إلى “تنازع أبناء التيار وفشلهم وذهاب ريحهم”، مضيفا أن “هذه المرحلة ربما تكون مرحلة استبدال تخرج جيلا جديدا”.
وأضاف أن من أسباب ضعف التيار “هجرة المئات من أفراده إلى سوريا للمشاركة في القتال ضد نظام بشار الأسد، بالإضافة إلى الضغوط الأمنية التي تمارسها السلطات الأردنية، التي أهمها منع رموز التيار من التصريح لوسائل الإعلام”.
ولفت أبو سياف إلى أن الخصومة الحاصلة في التيار الجهادي وصلت إلى رموزه، “وكثير منها خلافات سياسية بسيطة تم تضخيمها”، مضيفا أن ذلك “أثر كثيرا على نفسية الأتباع، فإذا كان الرموز يتخاصمون؛ فما بالك بمن هم دونهم؟”، وفق قوله.
من جهته؛ تحفظ الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، حسن أبو هنية، على القول بأن ثمة حالة من التراجع يعاني منها التيار الجهادي في الأردن، مؤكدا أنها “حالة خمول وتحول من العمل الاستعراضي إلى العمل التنظيمي والسري”.
وقال أبو هنية إن الضغوط الأمنية التي تتعرض لها السلفية الجهادية جعلته أكثر تحفظا وحرصا، وبالذات مع إقرار المشاريع المعدلة لقانوني منع الإرهاب والجرائم الإلكترونية، التي ضيقت مساحات الحرية في البلاد، مؤكدا أن ذلك دفع التيار الجهادي إلى أن يصبح “ظاهرة أكثر أمنية وسرية”.
وأكد ظهور تيار جديد داخل السلفية الجهادية في الأردن، “جميع أفراده من الأجيال الجديدة، وهو أكثر خطورة، لأنه لا يذهب إلى ممارسة الاستعراضات الصوتية والخطابية، ويعمل بطريقة غير تقليدية”، مشيرا إلى أن العمليات التي وقعت في السنوات الأخيرة داخل المملكة في كل من الكرك والسلط وجرش، مؤشر هام وخطير على تحول نسق التيار الجهادي في الأردن.
وحول دور الانقسامات والخصومات الداخلية في تراجع التيار؛ قال أبو هنية إن الجيل الجديد تجاوز هذه الخلافات، وذهب باتجاه أكثر راديكالية وتطرفا، مستشهدا بتأكيد أبي محمد المقدسي أن أكثر من 85 بالمئة من أفراد التيار أصبحوا من المنخرطين أو المؤيدين لتنظيم الدولة.
وقال المختص في علم الاجتماع الديني، فيليب مدانات، إن التيار السلفي الجهادي في الأردن ركب موجة التغيير المأمول إبان ثورات الربيع العربي “التي عززت توقعات بإحداث صحوة تخرج العرب من قمقمهم”.
وأضاف أن هذا التيار وقع فريسة مساحة غير بريئة من الحرية والحركة أعطيت له من الدولة؛ كان هدفها انكشافه ومنعه من التمدد سريا، في الوقت الذي أطبقت فيه على الإخوان المسلمين رغم “شرعيتهم”، موضحا أن “نجم التيار خبا أسوة بغيره من الحركات التي افتقرت إلى الحنكة السياسية والتنظيمية، وامتلاك الأدوات اللازمة للدخول في تحالفات، والتقاط اللحظة المناسبة للكر والفر”.
ورأى مدانات أن أحد أسباب تراجع السلفية الجهادية في الأردن هو “بروز الإسلام الاجتماعي كهجين توفيقي بين الإسلام والمدنية التحررية، كأن تجد مسلما ممارسا بعض الشعائر، لكنه لا أدَري أو حتى ملحد”.
ظروف الإحياء والتنشيط
ويعلل كثير من الدارسين للحالة الجهادية تصاعدها وانتشارها بتوافر عدد من الأسباب والظروف الموضوعية، التي تتمثل -بحسبهم- بالاستبداد وفقدان الحرية وتنامي الفقر والبطالة، وغيرها من الأسباب التي يرتبط بها التيار الجهادي قوة وضعفا.
ورأى أبو سياف الشلبي؛ أن “التيار الجهادي إذا لم يتم إصلاحه من الداخل فلا يمكن إصلاحه من الخارج”، مضيفا أن “الخصومات بين أفراد التيار شديدة جدا، وإذا لم تنته هذه الخصومات فستبقى مياه التيار راكدة”.
واستدرك بالقول إنه إذا حصلت بلبلة ونزاعات وفوضى في المنطقة، فإن هذا سيساعد على إحياء التيار الجهادي، معللا ذلك بأن الضغط الداخلي سيخف، ما قد يفرز تيارين على الأقل كبديل عن هذا التشرذم الكبير الذي تعاني منه السلفية الجهادية.
ويرى الخبير حسن أبو هنية أن الظروف الموضوعية لتنامي التيار في المنطقة يزداد حضورها، فالظرف الإقليمي المرتبط بالقضية الفلسطينية يزداد سوءا، والظرف الدولي المتمثل بالتدخلات الخارجية يتنامى ويهيئ لموجات عنف قد تنفجر في أي لحظة قادمة، بالإضافة إلى الظرف الداخلي الذي يعكسه فشل الدولة الوطنية في توفير الأمان والحرية والعيش الشريف لشعوبها، مؤكدا أن “الحالة العنفية الجهادية هي تعبير عن هذا الفشل اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا”.
ولفت أبو هنية إلى أن الجيل الجديد من الشباب الملتزم دينيا يعيش حالة من فقدان الخيارات، “فحركات الإسلام السياسي لم تعد مقنعة وقادرة على استقطاب الأجيال الصاعدة، وكذلك بقية الأحزاب الإسلامية التقليدية، كحزب التحرير والسلفية والصوفية والتبليغ، الأمر الذي ينذر باتجاه هذا الجيل نحو تيارات العنف”.
ويؤيد الباحث فيليب مدانات، القول بأن العامل الأهم في إعادة تنشيط السلفية الجهادية في الأردن مرتبط بوجود حالة من الفوضى تخلط التوازنات القائمة، وتترك فراغا يملؤه من يرى فيه كثير من الشباب أنه يملك الفكر ويشكل القدوة، على حد تعبيره.
(عربي 21)