2024-11-14 05:52 م

الأنشطة الصهيونية السرية في تركيا عبر التاريخ

2020-06-28
اكدت تقارير ووثائق عن فلاديمير جابوتنسكي، مؤسس الحركة الصهيونية المتطرفة الإصلاحية وأحد أهم الشخصيات في تأسيس إسرائيل، أنه أسس في ثلاثينيات القرن الماضي حركة الشباب الصهيوني في تركيا، وأسس جابوتانسكي منظمة "بيتار" الصهيونية الإرهابية بهدف إعداد وتعبئة الشباب اليهودي المتناثر حول العالم لخدمة "دولة إسرائيل" التي ستنشأ في المستقبل.

انتشرت منظمة بيتار في أجزاء كثيرة من العالم، ولكن تأسيس بيتار في تركيا وبدء نشاطها يعود إلى عام 1933، عندما لعب الشباب اليهودي في اسطنبول وإزمير دوراً رئيساً في تأسيسها، كان الهدف الأول من إنشاء حركة "بيتار" في تركيا هو كسب دعم اليهود السفارديون الذين يعيشون في تركيا، والذين هاجروا واستقروا هناك في عهد السلاطين العثمانيين، لمصلحة الصهيونية.

لقد قام أعضاء حركة بيتار في تركيا بأنشطتهم في السر، وكان هدفهم الرئيس والأسمى هو "النهوض" و "الصعود"، ما يعني هجرة اليهود المتناثرين حول العالم إلى إسرائيل.
كان الغرض الرئيس لحركة بيتار، التي عملت في تركيا حتى عام 1973، هو إقامة دولة يهودية صهيونية في فلسطين، والاعتراف بالعبرية باعتبارها اللغة الوحيدة الأبدية للشعب اليهودي، والتدرب على كيفية استخدام الأسلحة النارية بإحتراف، وتحقيقاً لهذه الغاية، تم نصح الأعضاء مراراً وتكراراً بضرورة إنشاء قواعد عسكرية للحفاظ على استعدادهم، وتم تذكير الأعضاء باستمرار بأهمية إنشاء دولة يهودية.
وفي تركيا، أعلنت حركة بيتار أنّ هدف الحركة هو إرساء الشريعة أو الدولة اليهودية، وأنشأت الحركة في هذا السبيل مجلة "هدار"، أما الهدف الآخر المهم لحركة بيتار في تركيا كان تشجيع الأعضاء على الكتابة في هدار، لهذا السبب كان يُطلب دائمًا من أعضائه الكتابة.
في الأشهر الأخيرة، تم نشر كتاب عن حركة بيتار في تركيا، حيث أثار ردود فعل واسعة النطاق. وتم نشر الكتاب من قبل دار نشر "ليبرا"، الذي تم تأسيسه في عام 2008 من قبل الكاتب والمؤرخ اليهودي التركي رفعت بالي، مع التركيز بشكل خاص على تاريخ اليهود الأتراك.
أدى الجدل الواسع النطاق الذي أعقب نشر كتاب "بيتار تركيا: قصة حركة الشباب الصهيوني 1971-1933" إلى ضغط من الصحافة الإسرائيلية لإجبار الناشر على جمع النسخ المنشورة من الكتاب، لأن هذا الكتاب يحتوي على معلومات إجمالية وعامة عن أنشطة وأعمال حركة بيتار. ونُشر الكتاب في جزئين، حيث يتطرق الجزء الثاني، الى العديد من أنشطة الحركة في تركيا الموثقة بصور ووثائق رسمية، مما يجعل القارئ يشعر بجهود الصهاينة أثناء قراءته الكتاب ويدرك أفعالهم في تركيا بغية تحقيق أهدافهم.
إذا أردنا التحدث عن فلاديمير جابوتنسكي (1880-1940)، مؤسس حركة بيتار، فهو أحد أهم الشخصيات اليهودية الصهيونية وأكثرها تأثيرا، مثل ثيودور هرتزل (1904-1860) وحاييم وايزمان (1874-1952) مؤسسو الحركة الصهيونية وقد أشيد به باعتباره "الأب الروحي والمعنري" و "المرشد الفكري والأيديولوجي" للصهاينة مثل أرييل شارون وحزب الليكود، ويعد بشكل عام من اليمين الصهيوني.
تقوم أسس ومبادئ فلاديمير جابوتنسكي، اليهودي الروسي الأصل، الفكرية على الأيديولوجيات الاجتماعية للداروينية والفاشية والعسكرة. أحد الأسباب الرئيسية وراء إنشاء جابوتنسكي لحركة بيتار هو زرع بذور الفلسفة والفكر الصهيوني لدى الشباب اليهودي وتبديلهم إلى جنود مطيعين تابعين لدولة ستقوم في المستقبل تحت اسم "إسرائيل" في فلسطين.
في عشرينيات القرن الماضي، انفصل جابوتنسكي عن الحركة الصهيونية العالمية التي أسسها ثيودور هرتزل حتى أسس الحزب الصهيوني الإصلاحي عام 1925، معلنا هدفه على النحو التالي: "هدف الصهيونية هو أرض إسرائيلية باعتبارها دولة موحدة على ضفتي نهر الأردن" وهي الأرض التي يزعمون أنها الأرض الموعودة المذكورة في التوراة.
لطالما كان جابوتنسكي ينتقد أجزاء من التوراة التي كانت تتطرق الى الأخلاق والأبعاد الإنسانية للحياة البشرية، مثل عبارة "أحب لغيرك ما تحبه لنفسك"، حيث كان يضمر لها كرها شديدا لأنه كان يعتقد إن "القوة والسلطة" هي التي تشكل الحياة السياسية الحالية للبشر، لهذا السبب كان من المؤيدين بشدة لفكرة استخدام العنف والصراع المسلح.
تأثر جابوتنسكي بعمق بأفكار "مدرسة الفاشية" والزعيم الفاشي في إيطاليا في ذلك الوقت، موسوليني، الذي التقى به جابوتنسكي في إيطاليا بعدما جاء اليها للحصول على شهادة في القانون بعد تخرجه من المدرسة الثانوية وقضى عشر سنوات من حياته هناك، فجمعته علاقة وثيقة وحميمة مع موسوليني، وكان أحد أسباب هذه العلاقة وهذا التأثر، هو أن الفاشية كانت في ذروة قوتها وفي عصرها الذهبي الأمثل في حياتها، وهذا أدى بجابوتنسكي بالإعتقاد أن الفاشية بإمكانها أن تحقق أحلامه، حيث يذكر جابوتنسكي مدينة روما بأنها مسقط رأسه الروحية والمعنوية.
سمحت هذه العلاقة لموسوليني بالسماح لجابوتنسكي بإقامة قواعد عسكرية لتعليم اليهود في إيطاليا، وحتى تحمل جزء من تكلفة أنشطة جابوتنسكي في بلدان أخرى، بما في ذلك تركيا. وبالطبع، لم يكن لموسوليني علاقات مع جابوتنسكي فحسب، بل أيضًا مع معظم قادة الحركة الصهيونية، مثل ثيودور هرتزل، حاييم وايزمان، زيف جابوتنسكي، ناحوم غولدمان، وناحوم سوكولوف، وساعدهم في جرائمهم ضد الشعب الفلسطيني، بل وحتى كانت له اتفاقيات تُلزمه على تحقيق أهداف الحركة الصهيونية في فلسطين.
عندما استولى جيش موسوليني على ليبيا، شجع اليهود أولاً للانضمام إلى الحركة الصهيونية ومساعدة قادتها على إقامة دولة إسرائيل، بل واقترحوا إقامة إسرائيل في ليبيا بدلاً من فلسطين. وشهدت عقود العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، تصاعد النشاط الصهيوني في ليبيا بشكل كبير، ونجحت الحركة الصهيونية في اختراق نسيج المجتمع اليهودي الليبي واستخدامه لخدمة أهدافها الخاصة.
في عام 1936، زار موسوليني إحدى القواعد العسكرية لحركة بيتار في إيطاليا، وقدم دعمًا ومساعدة شاملين للحركة حتى تتمكن من مواصلة أنشطتها في بلدان أخرى، مثل تركيا وإيطاليا، بشكل أسهل وأقوى. وبفضل هذه المساعدات أسس جابوتنسكي العديد من المجلات في تركيا. وكتب لأول مرة في مجلة "Le Jeune Turc"، التي كانت نشطة في تركيا منذ عام 1908 واستمر نشرها حتى انضم إليها جابوتنسكي بفضل الدعم المالي لليهود الصهاينة.

أداء جابوتنسكي الناجح قاده إلى الإشراف على جميع المجلات والصحف التي ترعاها الصهيونية في اسطنبول بعد بضع سنوات، وأبرزها مجلة "Courrier D'Orient" الأسبوعية ومجلة L'Aurore الإسبوعية ومجلة El Jedeo-Ha Hehudi الأسبوعية، التي كانت تُنشر بلغة اللادينو ومجلة Ha-Mevasser الإسبوعية العبرية. كان المؤلف ورئيس تحرير Courrier D d'Orient أحد أبرز الكتاب في أواخر العهد العثماني وهو جلال نوري بيك.

وطوال فترة إقامة جابوتنسكي في تركيا، بذل قصارى جهده لتفكيك الإمبراطورية العثمانية، مما يمهد الطريق لإقامة دولة إسرائيل في فلسطين. ويكتب جابوتنسكي عن عدم كفاءة الأتراك العثمانيين في إدارة البلاد في كتابه المعنون "إنه تكليف: إقامة إسرائيل" أنه "أينما حكموا العثمانيين لن يكون هناك شمسٌ ولا أرضٌ خضراء" ويضيف: "من أجل إقامة إسرائيل، يجب هزيمة الأتراك، لا يهم ما إذا جائتهم الضربة من الشرق أو الغرب، لأن جميع الطرق تؤدي إلى صهيون".
عمليا، قاتل جابوتنسكي ضد الجيش العثماني في معارك جناق قلعة وصحراء سيناء وغزة في صفوف البريطانيين. وباختصار، عندما ننظر عن كثب إلى الأنشطة والإجراءات التي اتخذها الصهاينة لإقامة دولة إسرائيل، نرى أنهم خططوا لتحقيق هذا الهدف منذ مائة عام، لكي يضعوا العالم العربي والاسلامي في وضع نشهده اليوم.
ليس لدينا شك في أن أحد أهم أهداف جابوتنسكي في الماضي كان جعل العرب والأتراك في جبهتين متضادتين، ونرى كيف تحقق هذا المطلب فيما بعد. عندما ننظر إلى تاريخ النشاط الصهيوني في تركيا، سوف لا نندهش من الأنباء التي تفيد بوجود تعاون بين تركيا والكيان الصهيوني. كان الصهاينة نشطين في الإمبراطورية العثمانية منذ أكثر من مائة عام، وكان وما زال بقاياهم يتمتعون بنفوذ جيد في الحكومات التركية.

(الوقت الاخباري)