هذه المدينة تتعرض منذ احتلالها للتهويد وتغيير المعالم ويجري فصلها عن محيطها الفلسطيني عبر حصارها من جهاتها الاربع وتتعرض مقدساتها الى انتهاكات متواصلة ومخططات وبرامج تهدد هذه المقدسات، ويعيش مواطنوها ظروفا صعبة، وهم عرضة لأشرس اساليب القمع لحملهم على مغادرتها ويشدد الاحتلال قبضته في ميادين مختلفة اقتصاديا وتعليميا، الاعتقالات والاعدامات لم تتوقف، وهدم البيوت وفرض الضرائب الباهظة عمليات متعاظمة، والقدس التي تئن تحت وحشية الاحتلال تقف وحيدة مع أهلها في مواجهة هذا التغول، في حين تلوذ العواصم العربية بصمت مريب، يفضح تصريحات وادعاءات الحرص الكاذبة، حتى أن أنظمة الردة أسقطت القدس من أجنداتها وراحت تنسق مع الاحتلال تحت تبريرات وأغطية شتى على حساب القدس وابنائها، والتعاون بين هذه الانظمة واسرائيل بات مكشوفا ومفضوحا في السنوات الاخيرة، وتتحرك داخل المدينة على أنغام تعليمات الاحتلال، مدعية الدعم والحماية، وفي الحقيقة لا يتعدى هذا التحرك فتح المسالك والمسارات لتمرير المشاريع الاسرائيلية في المدينة، مما يتيح لها فتح منافذ وأبواب التطبيع مع تل أبيب، ومشاركتها تمرير تسويات عرجاء مشبوهة تفقد القدس عروبتها.
لم تحرك الدول العربية ساكنا لانقاذ القدس، واكتفت ببيانات وتصريحات ومواقف لفظية زائفة وكاذبة للتغطية على الادوار الاجرامية الخيانية التي تخدم الاحتلال وأهدافه، وبما يضمن لها تحقيق مصالح ذاتية لتعزيز أنظمتها، وتغييبا لشعوب هذه الدول التي لم تحرك ساكنا لردع أنظمتها التي تلهث للارتماء في الحضن الاسرائيلي.
وتعيش مدينة القدس تهميشا مدمرا، يتمثل في افتقار السلطة لبرامج استراتيجية مدروسة لتعزيز صمود أهل المدينة المدافعين الوحيدين عن مدينتهم، تهميش مستند الى تقارير خاطئة، وغير صادقة تلقى أمام من هم في دائرة صنع القرار، ونتيجة لذلك تتخذ القرارات والمواقف غير المجدية والمثيرة للتذمر في الشارع القدسي، وهذا التهميش لم يتوقف، وهذا تسبب في ضعف تأثير السلطة في القدس، وخروج الكثير من المؤسسات على قراراتها، والكثيرون من سكان المدينة ينتقدون العجز والغياب والاهمال الذي يلف السلطة في تعاطيها مع المدينة وسكانها الفلسطينيين، وهو اهمال ينسحب على ميادين مختلفة، الدعم المادي وقرارات التوظيف وطرق معالجة المشاكل التي تشهدها المدينة أحيانا، وبوضوح يتضاءل تأثير السلطة في القدس، وأحد أسباب ذلك طريقة التعاطي، والقرارات التي لا تحظة قبولا في الشارع المقدسي، والتعاون في تصديها للمتجاوزين وكتبة التقارير الكاذبة التي تهدف لنضليل القيادة وتغييبها وتعميتها عن الحقائق. والأخطر من ذلك أن القيادة الفلسطينية تقف مكتوفة الايدي أمام عبث الانظمة سواء في الاقليم أو الساحة الدولية في مدينة القدس، عبث يهدف ضرب النسيج الاجتماعي، واغلاقها امام القيادة نفسها وابعادها خارج دائرة التأثير في أمور وشؤون المدينة.
عبث خطير، ربما تعلم أو لا تعلم القيادة به، لكنه آخذ في التعمق والتجذر لمصلحة الاحتلال، ولم تخرج القيادة يوما لفضحه ومواجهته، مما زاد من رقعة امتداد هذا العبث، الى درجة التحرك العلني ضد القيادة نفسها.
في القدس عبث سعودي واماراتي وقطري وتركي، ولهذه الجهات مكاتب وأوكار تنفذ سياسات ليست في صالح الفلسطينيين وقضيتهم، وبعيدة كل البعد عن مصلحة القدس، وان تغنى العابثون بانهم داعمون وحريصون وحماة، عبث ترعاه اسرائيل وتفتح له الابواب ما دام يصب في النهاية في مصلحتها، ويسند برامجها ومخططاتها، لاستكمال تهويد المدينة.
وها هي السعودية تتسلل الى المدينة بترتيب اسرائيلي بغطاء الحماية الكاذبة، والاشراف على المقدسات والغرض من ذلك هو ولوجها باب التطبيع وفي تحركها المشبوه تنسق مع مشيخة الامارات والبحرين، وتجري المحادثات مع الجانب الاسرائيلي بشأن ذلك. وبصراحة القيادة الفلسطينية غائبة تماما عما يجري في المدينة الصابرة الصامدة، مدينة تحملت الى ساحة صراع بين محاور المرتدين، للمشيخة الاماراتية زلمها وللسعودية آخرين والاتراك في قلب اللعبة والقيادة "لا حس ولا خبر".. وحتى الان لم تخرج لتعلن رفضها لهذا العبث الذي لا يخدم المدينة ولا مواطنيها، ويستهدف اقصاء القيادة، وتنصيب البديل، وتتساءل، هل لدى القيادة الفلسطينية صورة واضحة عما يجري داخل المدينة، أم أنها تعتمد التقارير غير السليمة والمعنونة بعبارة "كل شي تمام" و "الامور تحت السيطرة"؟!
ولا يقتصر العبث في القدس على أنظمة الردة، وانما تجاوزه الى تحركات مريبة لدول اوروبية وامريكا وكل منها تريد استزلاما ومواطىء قدم وشلة تصفق لها، ومقاولين ينشطون لتمرير أجنداتها وفي المحصلة النهائية هذا العبث يصب في صالح اسرائيل.
عبث خطير في وقت لا نرى فيه تنسيقا يستند الى استراتيجية مدروسة بين عمان ورام الله، بحيث هناك تفرد وانفراد، وعدم ثقة بين الجانبين مع أن خطر المشاريع التآمرية يستهدفهما وتمريرها سيكون على حساب الشعبين الاردني والفلسطيني.
أما مصر فهي غائبة تماما ولم تعد صاحبة الدور القومي الريادي المعهود، وباتت تسير في ركب الصغار في الرياض وأبوظبي.
فهل تنفض القيادة عنها غبار الصمت واللامبالاة والتهاون، لتقف في وجه العابثين بعد أن فقدت تأثيرها وهيبتها وتجاوزتها كل الاطراف والجهات، لماذا تركت القيادة الفلسطينية العابثين يتآمرون على القدس وابنائها، ولماذا لا تبادر الى وضع الاستراتيجيات الكفيلة، لوضع حد لهذا العبث، حماية للقدس ولها فهي أيضا مستهدفة واقصاؤها على جدول أعمال العابثين.