وتعتبر مهمة تشكيل هذا الائتلاف أصعب بكثير من المهمات السابقة التي واجهته، وذلك لعدة عوامل واسباب، فقد شاءت الاقداء أن تتزامن ولادة هذه الحكومة مع بداية ولاية ثانية لادارة امريكية تكون فيها اكثر تحررا في تعاملها مع القضايا الخارجية، وأكثر أملا في تحقيق انجازات تحسب لها تاريخيا، فالادارة الامريكية لرئيس في ولايته الثانية لا يتجه البحث فيها عن تحقيق رصيد يسمح له بالبقاء في البيت الابيض لولاية ثالثة، وانما السعي لترك البصمات التي يرغب بها الرئيس على صفحات تاريخ الولايات المتحدة، وفي حال لم يتحقق له ذلك، يكفي أن يترك البصمات على العمل الامريكي الخارجي.
والرئيس اوباما الذي حصل في ولايته الاولى على جائزة نوبل للسلام التي اعتبرها البعض دفعة مسبقة على جهود يؤمل أن يقوم بها مستقبلا يرغب في أن يمزج بين هذه الجائزة وبين انجاز حقيقي على الساحة الخارجية.
هذا الامر يدركه نتنياهو ويتفهمه جيدا، لذلك في بحثه عن الائتلاف يأخذ في الحسبان هذه الحقيقة، لكنها، ليست الحقيقة الوحيدة، فالاشارات القادمة من عواصم التأثير في اوروبا والولايات المتحدة تتحدث عن رغبة مشتركة اوروبية امريكية في عدم تجاوز الساحة الفلسطينية لحالة اعادة التشكل والتحول التي تعيشها وتعاني منها المنطقة، ويشكل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني عاملا اساسيا لدفع هذا التحول الى الامام.
ويدرك نتنياهو أهمية تزوده بائتلاف قادر على مواجهة الضغوط ويستطيع الصمود في مواجهة أية محاولات لفرض حلول خارجية على اسرائيل، لكنه، يدرك في الوقت ذاته أهمية التوازن بين الدفاع السياسي الدبلوماسي عن مصالح اسرائيل الأمنية والاستراتيجية مع الالفتات الى المشاكل الداخلية، ففي حال تجاهل الأمر الأخير فان عقاب الشعب في اسرائيل سيكون اكبر بكثير في الانتخابات المقبلة، ولن يكتفي ببطاقة تحذير لليكود كالتي وضعها في صناديق الاقتراع، أي أن الائتلاف القادم هو ائتلاف يجب أن يوفر لنتنياهو حرية الحركة والمناورة الصحيحة بين الاحتياجات الداخلية والتحديات الخارجية، وهناك العديد من الصيغ لمثل هذا الائتلاف، ولتبسيط الامر أكثر يمكن تصنيف شكل الائتلاف المقبل الى نوعين:
* ائتلاف دفاعي
* ائتلاف مبادر
ودون الغوص في تشكيلة الائتلاف وطبيعة مكوناته الاساسية والرئيسة فان الائتلاف الدفاعي وظيفته الاساسية وقاية اسرائيل من أية ضغوطات خارجية، ولهذا السبب يحمل هذه التسمية والصفة،لكن، على الصعيد الداخلي سيكون ائتلافا قادرا على تنفيذ الكثير من الوعود للناخب الاسرائيلي الذي قد يواجهه نتنياهو ومن معه في هذا الائتلاف مبكرا، وحتى قبل الموعد المحدد للانتخابات المقبلة بعد أربع سنوات، فتعقيدات السياسة الاسرائيلية والحالة التي افرزتها الانتخابات من "فتافيت" الاحزاب تجعل مثل هذا السيناريو ـ سيناريو الذهاب الى انتخابات مبكرة ـ امرا واردا وليس بعيدا عن الواقع والحقيقة.
هذا الائتلاف الدفاعي سيحاول مواجهة أية ضغوطات تتعرض لها اسرائيل من جهات خارجية، وفي حال وقع اختيار نتنياهو على مثل هذا النوع والشكل من الائتلافات، فان "نفتالي بينت" سيكون عنصرا اساسيا وشريكا مهما في مواجهة الضغوط، وقد يستغني في مثل هذه الحالة عن النجم الصاعد في الساحة الاسرائيلية "يائير لبيد" مكتفيا بحكومة تضم الشركاء والحلفاء الطبيعيين اضافة الى كاديما أو ما تبقى من هذا الحزب والحركة برئاسة ليفني.
ومثل هذه الحكومة الدفاعية كما اشرنا لن تتجاهل الاهامامات الداخلية في اسرائيل، ستتزود على الاغلب بمبادرة اسرائيلية أو خطوط عريضة للرؤية الاسرائيلية لطبيعة الحل القادم مع الفلسطينيين.
وبالانتقال الى النوع والشكل الثاني من الائتلافات الحكومية، وهو "الائتلاف المبادر" اي ائتلاف مبادر وليس وقائيا ودفاعيا، ونعني هنا بالمبادر، ترك البصمة الحقيقية وبشكل اساسي على الوضع الاسرائيلي الداخلي وعلى التاريخ الاسرائيلي وشكل الحكم، وهي امور ذات تاثير كبير، وفي حال نجح الائتلاف المبادر في تحقيقها، فسيكون لذلك عائدا كبيرا لاعضاء هذا الائتلاف على الصعيد الداخلي.
وتنطبق صفة المبادرة ايضا على التعامل مع المسائل الخارجية بشتى أنواعها واشكالها، وعلى رأسها الموضوع الفلسطيني، ولا نعني هنا بالمبادرة، أن نتنياهو سيذهب بعيدا باتجاه اليسار، فهو يدرك بأن هذا الاتجاه بدون مخرج، ولا يوجد ما يمكن البحث فيه أو بواسطته، وانما قد يقدم نتنياهو على طرح مبادرة سياسية قابلة للتطبيق ، والفرق بينها وبين الخطوط الاساسية التي قد يستعين بها نتنياهو في حال فضل الائتلاف الدفاعي، انها ستكون مبادرة "متوازنة" حسب الرؤية الاسرائيلية، وتظهر بالشكل المتوازن أمام الجهات الخارجية، وتحقق أهدافا اسرائيلية بعيدة المدى، ومن بين هذه الاهداف انقشاع ضباب التشكيك بشرعية اسرائيل، أي أن الطرح في ظل ائتلاف مبادر سيكون أكثر جدية ، وليس فقط وسيلة من وسائل توفير مقومات الدفاع والوقاية ، كما هو الحال لو اقدم نتنياهو على تفضيل الائتلاف الدفاعي الوقائي.
وفي حال اختيار نتنياهو الائتلاف المبادر، فان اللاعب الاساسي في هذا الائتلاف سيكون "يئير لبيد" حتى يكون لدى الحكومة المقومات والامكانيات والهوامش المطلوبة للمبادرة والبحث عن الحلول الخلاقة وهو ما يقيد ويحد من تأثير بينت ووجوده.