2024-11-25 06:42 م

بعد الانسحاب الأميركي من سيناء.. ما هو مستقبل الانتشار العسكري؟

2020-05-20
إيهاب شوقي.
كانت الساحة العربية على موعد مع خبرين لافتين هذا الأسبوع لجريدة “وول ستريت”، وهذان الخبران شكلا ربما مفاجأة للكثيرين. الخبر الأول هو ما يتعلق بتقليص الحماية الامريكية للسعودية عن طريق سحب بطاريتين لصواريخ باتريوت وتقارير عن تقليص لعدد الجنود وللوجود البحري في الخليج. والثاني، هو سعي وزير الحرب مارك إسبر لسحب القوات الأمريكية من قوام القوة متعددة الجنسيات، والمراقبين الأمريكيين في سيناء.
الخبر الاول يمكن المرور عليه سريعا لانه متعدد الاحتمالات ولان ابعاده الاخرى يمكن مناقشتها في محاولة استكشاف ابعاد الخبر الثاني.
حيث تهديدات ترامب متكررة للعرش السعودي، ووصلت لدرجة الاهانة العلنية اكثر من مرة، واخرها ما سربته “رويترز” عن مكالمة بين ترامب وولي العهد محمد بن سلمان، قال ترامب قال خلالها إن واشنطن ستضطر إلى سحب قواتها من المملكة إذا لم تخفض دول أوبك إنتاجها النفطي. وأبلغ ترامب ولي العهد بذلك قبل 10 أيام من الإعلان عن خفض إنتاج النفط.
وبالتالي فإن الخطوة يمكن قراءتها في سياق الأهمية المتناقصة للسعودية بالنسبة للادارة الامريكية على خلفية انهيار أسعار النفط وكذلك الادارة السعودية الغاشمة للملفات المختلفة، وكذلك تهديدات ترامب الهادفة للتخويف بغرض المزيد من الابتزاز لحل مشكلاته الاقتصادية الداخلية.
كما أن تصريحات ترامب نفسها ترمي الى ذلك حيث قال ردا على سؤال حول تقارير بشأن “سحب” منظومة الدفاع الصاروخي الأميركي “باتريوت” من السعودية: “لا أريد التحدث عن ذلك”، لكنه مضى قائلا: “هناك تحركات لقواتنا في الشرق الأوسط والعالم”. زاعمًا أن الولايات المتحدة تقوم بالدفاع عن العديد من الدول والكثير منها لا يقدر ذلك، لكنه أكد أن هذا الأمر لا ينطبق على السعودية، مشيرا إلى أنها وافقت على تحمل بعض النفقات.
الخبر الثاني والمتعلق بسيناء بدا مفاجئا أيضَا، حيث، تأسست القوة العسكرية الدولية بغرض حماية السلام المزعوم بين مصر ولكيان الاسرائيلي منذ عام 1981، ويشكل أفراد الولايات المتحدة في القوة رقما كبيرا، حيث يبلغ عددهم 454 فردًا هم أكبر مساهمة من أي دولة في إجمالي قوة القوات المتعددة الجنسيات البالغ عددها 1156 فردًا.
ويقول الخبراء الامريكيون مثل “ستيفن بلوم” ان هؤلاء الجنود الأمريكيون يخدمون جنبًا إلى جنب مع نظرائهم من كندا والمملكة المتحدة وفرنسا وأستراليا ونيوزيلندا واليابان وإيطاليا وكولومبيا وجمهورية التشيك وفيجي والنرويج وأوروغواي، وان الانسحاب الأمريكي من القوة المتعددة الجنسيات يمكن أن يدفع هذه الدول الأخرى إلى الانسحاب.
والمعلومات تقول ان القوات المتعددة الجنسيات تسحب معظم ميزانيتها بنسبة متساوية نسبيًا من الولايات المتحدة و”اسرائيل” ومصر، وفي العام الماضي، قدمت الولايات المتحدة 31 مليون دولار إلى القوة المتعددة الجنسيات.
وتكمن المفاجأة في أهمية الملف بالنسبة للعدو الصهيوني، الذي يحرص على وجود هذه القوات باعتبارها تحد من انتشار وهامش حركة الجيش المصري والذي يمكنه ملء هذا الفراغ اذا ما انسحبت القوات.
ومصدر القلق الصهيوني يلخصه ستيفن بلوم والذي له خبرة طويلة بالملف، بالقول: “بدون تدخل القوة المتعددة الجنسيات، سيكون هناك قلق كبير من أن مصر يمكن أن تجري تدريبًا أو تستجيب لتهديد إرهابي في المنطقة المجردة من السلاح وتبقي قواتها هناك بعد ذلك. وهذا سيجبر “إسرائيل” على تحويل الموارد والاهتمام بعيدًا عن تهديداتها الكبيرة على طول حدودها الشمالية وغزة نحو حدودها السلمية الطويلة مع مصر. كان الغرض الدقيق من القوة المتعددة الجنسيات هو تجنب هذا الحشد العسكري على طول الحدود الإسرائيلية المصرية التي يمكن أن تؤدي إلى صراع مقصود أو غير مقصود”.
ولكن هل هذا الامر مفاجئ بالفعل؟
التقارير حول هذه الخطوة بدأت في الظهور منذ منتصف مارس الماضي، حيث أبلغ أسبر المشرعين بنواياه الاقدام على هذه الخطوة، وبالتالي فإن تحليل الخبر يجب أن يبنى على أبعاد أوسع من البعد المتعلق بالمفاجأة.
وهنا يمكن قراءة الخطوة في سياق ترتيبات أمريكية أوسع بالانسحاب من المنطقة، بدأت منذ الاعلان عن الانسحاب من سوريا وافغانستان ، كما ان الامر يتخذ بعدًا أوسع عند ملاحظة التنصل الامريكي من الالتزامات المالية تجاه منظمات دولية مثل الاونروا ومؤخرا منظمة الصحة العالمية.
وهنا يمكن رصد أسباب الانسحاب وهل هو انسحاب استراتيجي أم تكتيكي. وما يمكن أن يرجّح كفة الانسحاب التكتيكي هو:
1- تراجع القدرة الامريكية على الانتشار الدولي والاشتباك في جميع الملفات وتحمل الكلفة المالية والسياسية بعد التراجع الاقتصادي وتغير موازين القوة والردع في الاقليم وعلى المستوى الدولي.
2- رغم ان امريكا ملتزمة بأمن العدو الاسرائيلي، الا أنها لا تستطيع التورط في مواجهات تؤثر على الهيبة الامريكية وتضعف موقفها الدولي في مواجهة روسيا والصين، والموضوعان على قائمة الخطر على الامن القومي الامريكي.
3- تقوم امريكا بتعويض النقص في الحماية العسكرية بالمبالغة في الحماية السياسية ولو بشكل ارعن ومخالف للقانون الدولي على غرار التعاطي مع ملف القدس والضفة والجولان، وكذلك اللجوء بسياسة الحصار والعقوبات عوضا عن المواجهة، ناهيك عن القيام باعمال جبانة وصارخة مثل الاغتيالات.
ولكن السؤال الان هو عن التداعيات، ففي حال تنفيذ الانسحاب فمن سيقوم بتمويل القوات، وما هو موقف المعونة العسكرية والمالية واعباء ذلك على مصر والعدو الاسرائيلي؟
واذا ما تبعت الخطوة انسحابات للقوات من جنسيات اخرى، فما هو مستقبل الانتشار العسكري في سيناء وهل سيتم تعديل بنود اتفاقية (السلام) ام سيحدث توتر حدودي؟
لا شك ان الفوضى جزء من خطة الانسحاب الامريكية لتغطية الانسحاب والتمهيد لترتيبات جديدة ريما يعد لها في الكواليس.