2024-11-26 01:51 ص

التطبيع الخليجي مع إسرائيل .. عوائد غير مضمونة

2020-05-16
وفاء العم
تخطو بعض الدول الخليجية سريعاً نحو التطبيع مع "إسرائيل"، فالزيارات الأمنية والسياسية المتبادلة باتت أمراً معهوداً، كما أن الفعاليات الرياضية والمؤتمرات التي تشارك فيها "إسرائيل" على أرض الخليج لم تعد أمراً مستغرباً، ولن يكون آخرها مشاركتها المرتقبة لحضور معرض إكسبو 2020 الدولي في تشرين الأول/أكتوبر القادم في الإمارات.

المتداول بخصوص هذه المشاركة أنه تم الاتفاق على رفع العلم الإسرائيلي والسماح بجميع المعروضات الإسرائيلية في مرافق أبو ظبي، بما فيها الفنادق والمعارض. وفي الخطى، تطويع للسياسة والاقتصاد والرياضة والفن والثقافة، تمهيداً لتحولات المرحلة القادمة.

ذروة هذا التحول سنشهده عندما يتم التوقيع فعلاً على اتفاقية "عدم الاقتتال" التي أعلن عنها وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، يسرائيل كاتس، وهي اتفاقية ستنقل العلاقات السياسية والدبلوماسية من موقع إلى آخر. 

وعندما يصف كاتس هذه الاتفاقية بالمبادرة التاريخية التي من شأنها أن تنهي الصراع وتمهّد الطريق لتعاون مدني حتى التوقيع على اتفاقية سلام مع دول الخليج، فهذا ليس عبثاً، بل هو صلب المسار السياسي لهذا التحول.

ومن الضروري في هذا التوقيت، العودة إلى هذه المبادرة التي أطلقت أواخر العام 2019، لفهم حدود هذا التطبيع وشكله ومدى نجاعته.
في الحقيقة، تخاطب "إسرائيل" الخليجيين من موقع مخاوفهم أو ما يحاججون أنه يمثل خطراً أمنياً عليهم، والمقصود إيران. إذ تتمحور المصلحة المشتركة لدول الخليج و"إسرائيل" - بحسب الخطاب الإسرائيلي - حول التصدي لنفوذ طهران في المنطقة وتطبيع العلاقات في مجالي مكافحة الإرهاب وتحسين الاقتصاد.

12 بنداً تتضمنها الاتفاقية أو المبادرة، أغلبها يتمحور حول حماية أمن "إسرائيل"، ومن أبرز بنودها اتخاذ الخطوات اللازمة والناجعة لضمان عدم تخطيط أو توجيه أو تمويل أعمال عدوانية أو أعمال عنف وتهديد وتحريض ضد الطرف الآخر من أراضي الدول الموقّعة.

واقعاً، لا تحتاج "إسرائيل" إلى توقيع اتفاق مع الخليجيين بشأن حماية أمنها، فالخليج يقف في موقع الخصومة من خصوم "إسرائيل" من محور المقاومة، ولن يسمح بطبيعة الحال بأي أعمال عدائية من أراضيه ضد "إسرائيل". ثانياً، من سيقوم بأعمال عدائية ضد الخليج من الأراضي المحتلة؟

وإذا كانت قطر تشكّل مظلة سياسية لحماس، فإن "إسرائيل" تعلم أن الدوحة تقوم بدور ضابط الإيقاع الذي تحتاجه في الأزمات.

ما تريده "إسرائيل" هو قدم في الخليج، وما يريده بعض الخليجيين هو قدم لـ"إسرائيل" على أرضهم تحت عنوان مواجهة إيران. لكن المشهد يبدو أكثر تعقيداً من ظاهره، ما يشكك أصلاً في نجاعة قرار التطبيع برمته، وذلك لعدة أسباب، أهمها أن الموقف الخليجي لم يعد موقفاً موحداً، ولا يمكن قراءته في سياق واحد. 

قد يرتبط الثلاثي الخليجي (البحرين والإمارات والسعودية) بمصلحة مشتركة مع "إسرائيل"، وقد يتخذ خطوات نحو التطبيع، إلا أن الكويت خارج هذا المشهد حتى الآن. أما قطر، فهي خارج السرب الخليجي أصلاً، وسياسة عمان المستقلة والجيدة مع إيران لا تعني بالضرورة مصلحة إسرائيلية، فأي تحالف يمكن تأسيسه في ظل هذه التباينات؟

وفي داخل هذا الثلاثي الخليجي نفسه، تتباين السياسات. الإمارات مثلاً على عكس السعودية، أعادت صياغة علاقتها مع إيران، بل ذهبت إلى إبرام العديد من الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية مع طهران العام الماضي، يضاف إلى ذلك عودة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، ما قد يضع أبوظبي أمام تحدي الاختيار بين الطرفين.

تمتلك قطر علاقات جيدة مع الإيراني، وتتحالف مع التركي تحالفاً يقوم على استراتيجية دعم الإخوان المسلمين في المنطقة، ومنهم حماس. وفي هذا الإطار، يبدو الجمع بين متناقضات بهذا الحجم محط استفهام!

وأخيراً، هناك السعودية التي قد ترغب في التطبيع مع "إسرائيل"، ولكن موقعها كحامٍ للمقدسات الإسلامية يضعها في حرج، ما يدفعها إلى وضع شرط التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين للتوقيع على أي اتفاقية سلام في المستقبل. ومع رفض الفلسطينيين القاطع لـ"صفقة القرن"، يبدو أن علاقة الرياض بتل أبيب ستبقى في إطارها غير الرسمي، لأن إقدام الرياض على التوقيع على اتفاق سلام مع "إسرائيل" قبل أي تسوية حقيقية للملف الفلسطيني، سيؤدي بطبيعة الحال إلى إضعاف المبادرة العربية التي أطلقتها الرياض نفسها أو إسقاطها.

 والنتيجة، في ظلّ كل هذه التعقيدات، في حال اتخذت بعض الدول الخليجية قرار التطبيع مع "إسرائيل"، سيعطي ذلك الأخيرة موقعاً استراتيجياً مجانياً في المنطقة على حساب الفلسطينيين.

هو تحالف لن يقلب المعادلات لصالح الخليج، ولن يحقّق نتائج استراتيجية مضمونة، لكونه هشاً، ولا يملك مقومات القوة، ولن يخرج عن كونه تطبيعاً مجانياً ومداً للعلاقات الاقتصادية والسياسية، بل قد يكون قراراً محفوفاً بمخاطر عدة في منطقة متفجرة أصلاً، فمخطئ من يعتقد أن الإيرانيين سيقفون مكتوفي الأيدي في حال وجود الإسرائيلي على الضفة الأخرى من الخليج.

الميادين