نشرت مؤسسة GavekalDragonomics تقريرا للكاتب Tom Miller تناول فيه علاقات الصين مع إفريقيا بالتركيز على دول شرق آسيا، سلبياتها وإيجابياتها، على ما يمكن أن تركز عليه الصين مستقبلا فى سياساتها مع الدول الإفريقية... نعرض منه ما يلى:
فبراير الماضى، قام وزير خارجية الولايات المتحدة مايك بومبيو بجولة فى إفريقيا انتهت بزيارة إثيوبيا. سفير الصين فى جنوب إفريقيا أشار إلى أن الأمر تطلب من بومبيو سنتين ليتخذ قرارا بزيارة الدول الأفريقية، وهو ما اعتقده قرارا متأخرا لا يعطى للقارة أهميتها.
سياسة الولايات المتحدة والصين فى إفريقيا متناقضتين تماما. فعلى مر العشرين سنة الماضية، زادت مجهودات الصين الدبلوماسية والمالية بشكل كبير فى إفريقيا ــ القارة التى يبلغ عدد سكانها 1.2 مليار نسمة وتمتلك أكثر من ربع المقاعد فى الأمم المتحدة.
ففى شرق إفريقيا، على سبيل المثال، تبنت إثيوبيا عناصر من «النموذج الصينى»، وتطبق جوانب السياسة الصناعية الصينية. فى كينيا، رفضت الحكومة مفهوم «الاستعمار الصينى الجديد»، وتكافح لزيادة العائد الاقتصادى من خلال الاستثمارات التى ترعاها الصين. فى جميع أنحاء القارة، قامت الشركات الصينية ببناء الطرق والسكك الحديدية وشبكات الكهرباء ــ لكنها دعمت الفساد، وعززت الأنظمة السلطوية.
تتزايد أعداد الدول الإفريقية الموقعة على مبادرة الحزام والطريق. ومع ذلك، فإن التجربة فى شرق إفريقيا، حيث تشعر كل من الصين وشركائها من الدول بالقلق من تزايد الديون وضعف العوائد المالية، تشير إلى أن عصر القروض والمشاريع الضخمة الصينية قد أوشك على الانتهاء. من السابق لأوانه القول بأن نفوذ الصين بلغ ذروته، لكن يمكن القون بأن العلاقة بين الصين وإفريقيا تنضج.
يتوصل التقرير إلى عدد من النقاط؛ أولها أن الاتهام بأن بكين تستغل قوتها المالية لتلقى بالدول الإفريقية فى «فخ الديون» مبالغ فيه. فدول شرق إفريقيا ليست متلقية سلبية للقروض الصينية، وبكين لم تصادر أى أصول. ثانيا، تنظر الولايات المتحدة إلى إفريقيا من خلال منظور حرب باردة جديدة مع الصين، على الرغم من أن المنافسة الحقيقية الوحيدة هناك فى جيبوتى. ثالثا، تمثل إثيوبيا الدولة الإفريقية الوحيدة التى استطاعت تبنى «النموذج الصينى». وبينما تضاءل نفوذ بكين السياسى فى ظل النظام الليبرالى الجديد فى إثيوبيا، فإن العلاقات الاقتصادية لا تزال وثيقة. رابعا، على الرغم من أن مشروع السكك الحديدية فى كينيا جاء مخيبا للآمال، إلا أنه من غير المحتمل أن تطلب الصين مطلبا جادا لسداد الديون... النماذج الاقتصادية الجديدة ستقلل من حجم الديون والخسائر على حساب قيام مشروعات إنشائية أقل. أخيرا، الدبلوماسية الاقتصادية فى الصين اشترت أصواتا فى الأمم المتحدة، وتنشر «دبلوماسية الأقنعة» خلال جائحة «كوفيد 19». لكن استخدام قوتها الناعمة قد يتعثر بمطالب حلفائها الأفارقة بتخفيف الديون.
***
فى شرق إفريقيا الارتباط الوثيق مع الصين على مدى العشرين عامًا الماضية فاقت نتائجه الإيجابية ما نتج عنه من سلبيات... فجلبت فوائد ملموسة، من الطرق والسكك الحديدية إلى الهواتف الذكية الرخيصة وإدخال القنوات الفضائية على التلفزيونات. عملية سداد الديون مؤلمة، ولكن من مصلحة بكين ضمان أن تكون قابلة للإدارة. فى حين أن دعمها للأنظمة الفاسدة أو القمعية أمر مؤسف، إلا أنه ليس من وظيفة الصين ضمان الحكم الرشيد فى أفريقيا. بدلا من ذلك، الأمر متروك للحكومات نفسها لضمان أن تكون المشاريع الصينية نظيفة وبأسعار معقولة وقابلة للتطبيق.
على مدى العقد المقبل، من المرجح أن تقل مشروعات الطرق الضخمة مع وجود سياسات تمويلية أكثر تشددا وصرامة. ولكن الخطة القادمة فى مغامرات الصين فى إفريقيا ستركز على مجالين يلعبان دورا محوريا فى التنمية فى إفريقيا. أولا، توليد الطاقة، حيث يحصل نصف سكان إفريقيا فقط على الكهرباء: مما يمثل أكبر عائق للنمو الاقتصادى. يجب أن تكون الطاقة محط تركيز مشاريع مبادرة الحزام والطريق المستقبلية. ثانيا التكنولوجيا، وتطرح شركة هواوى بالفعل مشاريع بنية تحتية تقوم على الجيل الخامس من التكنولوجيا، وتبنى المدن الذكية ومراكز البيانات.
هناك تحذير واحد.. التداعيات المحتملة من جائحة فيروس كورونا. من خلال إرسال المساعدة الطبية والمساعدات الإنسانية، تحاول بكين تقديم نفسها على أنها رائدة الجهود العالمية لمكافحة انتشار المرض. وقد تم اعتبار نجاحها فى احتواء تفشى المرض فى مقاطعة هوبى نموذجًا للدول الأخرى. ولكن مع تضرر الاقتصادات الإفريقية بسبب الإغلاق العالمى، فإن الغضب من مسئولية الصين عن انتشار الفيروس يتحول إلى دعوات لتخفيف عبء الديون. قال أحد السياسيين الكينيين صراحة أن الصين بصفتها مصدر المرض يقع عليها «التزام أخلاقى» بإعادة هيكلة القروض الثنائية.
إذا أعلن شى جين بينغ إعفاءات سخية من الديون، فستتغير شكل العلاقات الدولية لصالحه. ولكن إذا ووقف متفرجا لجائحة كورونا وهى تنتشر فى إفريقيا، فسيخاطر بفقدان ما حاولت الصين بناءه فى آخر عقدين محاولة إثبات حسن نيتها.
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
المصدر: الشروق