بقلم: نادية عصام حرحش
في الخطبة العصماء الأخيرة لرئيس الحكومة الفلسطينية، أخبرنا عن صعوبة الوضع ومدى التزام الحكومة مع المواطن بعد ثماني أسابيع من اعلان حالة الطوارئ التي شلت عجلة الاقتصاد تماماً، وعليه زادت على صعوبة الوضع الاقتصادي الفلسطيني المتردّي صعوبة. وفي خضمّ التدابير الرشيدة التي اخذتها الحكومة “لتبريء ذمّتها” امام المواطنين أعلن رئيس الحكومة بأنه تم اقتطاع يوميّ عمل من كافة الموظفين الحكوميين من الوزير الى الحارس. طبعاً، وكأن من يتلقى راتب اقل من 500 دولار بنفس مستوى من يتلقى راتب أكثر من 5000 دولار. جميع الموظفين الحكوميين سواسية عندما يأتي الامر لاقتطاع الرواتب!
وبطبيعة الحال، بينما تحاول الحكومة اقصى ما تستطيعه لإنقاذ الوضع ومساعدة المواطنين، زاد الاحتلال الإسرائيلي من الطين بلّه، عندما قرر “قرصنة” الأموال المستحقة من الضرائب للسلطة الفلسطينية بمبلغ 450 مليون شيكل لصالح قرار محكمة إسرائيلية.
وبينما اصرّ رئيس الحكومة على ضرورة التبرع لصندوق “وقفة عز”، قدّم هديّة لقطاع المستثمرين بإعفائهم من خلال ايعاز رئاسي من رسوم تسجيلهم السنوي.
في لحظة ما من خطابه، تخيّلت جدّية تلميحه بأننا قد ندخل الى ما لا يمكن تحمّله من تجاوزات الاحتلال على المعاهدات والتفاهمات، خصوصا بعد إعلانات ضم أراضي بالضفة الغربية والاستيلاء على أراضي محيط الجامع الابراهيمي بالخليل والمملوكة للأوقاف الإسلامية. على الرغم من ان هذا الخبر الأخير كان قد خرج للعيان قبل شهر، ولم يكن على اجندة الحكومة بالتنديد او الاعتراض. وقد يترتب على هذا اعلان لحلّ السلطة. بالمحصلة ما الذي سيتبقى للسلطة لتديره إذا ما تم ضم مناطق (ب) و(ج) والاغوار، واقتطاع أموال المقاصة التي ستنخفض إذا ما تحولت عائدات من يقطنون بمناطق (ب) و(ج) تلقائيا لإسرائيل، وتقلص المساعدات الدولية، وانهيار اقتصادي واضح؟
كان هناك الكثير يحدث بينما نحن في بيوتنا نائمين، وبشأن ارزاقنا التي صارت على مهب الريح هائمين، وبايجازات المتحدث باسم الحكومة اليومية منهمكين. بين عروض سجع وما تيسر من آيات وما أمكن من نكات تخفف عنا وَهْل الحدث وتلهينا عما يجري باستعراضات تخللها عروض وزارية نستحسن فيها الوزراء العظام او نضعهم تحت حدِّ سكاكيننا بالانتقاد او الاستهزاء.
بينما لاتزال كلمة وزير العدل في عرضه الخطابي كذلك تطنّ في اذنيّ ناصحاً الجمهور “بألا يدقّوا على القانون”، كانت الجريدة الرسمية الفلسطينية “الوقائع” تنشر قرارا بقانون معدل لقانون التقاعد العام رقم 12 لسنة 2020 بتاريخ 20/4/2020 في العدد 166، والذي تبين انه كان قد نُشر قبله قرار بقانون معدل لقانون مكافآت ورواتب اعضاء المجلس التشريعي وأعضاء الحكومة والمحافظين رقم 4 لسنة 2020 بتاريخ 19/3/2020.
هل تتذكرون موضوع الرواتب المضاعفة للوزراء التي تم اصدار مرسوم رئاسي بإرجاعها وتبرع وزير المالية بخطوة “استباقية”، “كريمة” بإرجاع ما هو مستحق عليه بمبلغ يتجاوز ال 80 ألف دولار؟ المبالغ التي نطالب يوميا ومنذ شهور كشعب بإرجاعها ولا حياة لمن تنادي؟
يبدو انه بالفعل لا حياة إلّا للسلطة ومن يتبوأ منصباً ابديّاً فيها بأثر رجعي كذلك. لأنه تحسّباً من أي تدهور قادم تم تعديل القانون.
ينص القرار الصادر ب 27-2-2020 والمعلن بالجريدة الرسمية بتاريخ 19 -3 -2020، والمدون برقم 4 لسنة 2020 بشأن تعديل قانون مكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي وأعضاء الحكومة والمحافظين رقم 11 لسنة 2004 وتعديلاته:
مادة 1: يشار الي قانون مكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي وأعضاء الحكومة والمحافظين رقم 11 لسنة 2004 وتعديلاته، لغايات اجراء هذا التعديل بالقانون الأصلي.
مادة 2: تضاف مادة جديدة إلى القانون الأصلي بعد مادة رقم 11تحمل رقم 11مكرر، وذلك على النحو التالي: باستثناء من نظمت حقوقهم بأنظمة خاصة، يستحق من عيّن بدرجة وزير ويشغل رئاسة مؤسسة عامة ومن في حكمهم، ما يستحقه الوزير من حقوق تقاعدية وفقا لأحكام هذا القانون، على ان ترد لهم اشتراكاتهم وللخزينة العامة حصتها، وتتولى هيئة التقاعد الفلسطينية تنظيم ذلك.”
اما المادة الرابعة فتنص على تعدل المادة 13 من القانون الأصلي لتصبح على النحو الاتي: 1) يجوز لرئيس وأعضاء المجلس التشريعي ورئيس وأعضاء مجلس الوزراء والمحافظين، الجمع بين المستحقات التقاعدية المنصوص عليها في هذا القانون، واي مستحقات تقاعدية أخرى ليست من الخزينة العامة او هيئة التقاعد الفلسطينية، او أي مستحقات تقاعدية من مال عام.2) تضاف مزة الاسر على خلفية وطنية او التفرغ في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية او فصائلها، لمن شغل رئاسة او عضوية مجلس الوزراء او عمل محافظا، لدى احتساب راتبه التقاعدي وفقا لأحكام هذا القانون، نسبة (2%) عن كل سنة لمن لم يخضع لقانون تقاعدي سابق، شريطة الا يتجاوز الراتب التقاعدي النسب المحددة في المادتين (8 و10) من هذا القانون، وتتولى هيئة التقاعد الفلسطينية احتساب الحقوق التقاعدية.
مادة5: يلغى كل ما يتعارض مع احكام هذا القرار بقانون.
مادة6: على الجهات المختصة كافة، كل فيما يخصه، تنفيذ احكام هذا القرار بقانون، دون المساس بالمراكز القانونية المتحققة من السابق، ويعمل به من تاريخ صدوره، وينشر في الجريدة الرسمية.”
وبينما كنّا منشغلين بإلقاء اللوم على العمال “المتسببين” بانتشار الفيروس الوبائي، ومنهمكين بقطايف ام شادي والحجّات اللاتي يتواصلن مع المتحدث الحكومي، كانت الأموال تُحسب وتُجدول من أجل زمرة محددة لم يكْفها ما أخذته من حياة هذا الشعب وخيره وقوته، بل يعدّون العدّة لتفريغ ما تبقى من واردات مادية لجيوبهم.
امّا في اليوم الذي اشتهرت به عبارة “شيل يديك من جيبك” لرئيس الحكومة موبخاً متحدّثه الرسمي، كان هناك قراراً آخر قد تّم صكّه لضخّ المال العام الى جيوب أصحاب السّلطة أجمعين.
قرار بقانون رقم 12لسنة 2020 بشأن تعديل قانون التقاعد العام رقم 7 لسن 2005.
فجاء كما يلي بمادته رقم 7: 1) تنتهي خدمة موظفي القطاع العام، عند بلوغهم سن التقاعد الالزامي وفقا للقانون. 2) استثناء مما جاء في أي حكم قانوني اخر، وما لم يقرر رئيس الدولة خلاف ذلك، تستمر خدمة رؤساء المؤسسات والهيئات الرسمية بدرجة وزير، حتى بلوغهم سن ال65.
ماذا يعني كل هذا؟
القراران يعبّران عن عبارة واحدة: “هدر المال العام” من خلال السيطرة لمصلحة اولي السلطة على أموال صندوق التقاعد الفلسطيني.
بحسب تفسير القانونيين: انّ هذا سيؤدي تلقائياً الى زيادة رواتب من يحملون “درجة وزير” ومنحهم رواتب تقاعدية ضخمة دون أن يقوموا بدفع أيّ استحقاقات تقاعديّة وفقا لما جاء بالتعديل، بعد إعفاء فئة كبار الموظفين (بدرجة وزير ومن في حكمهم) من اقساطهم التقاعدية.
وعليه، يترتب على القرارين آثار مرعبة بإهدار أموال صندوق التقاعد. حيث جاء بالتعديل إعادة الاشتراكات المالية للموظفين ممن يحملون درجة وزير، والمقدرة بملايين الشواكل، واعفاء هيئة التقاعد من دفع رواتبهم التقاعدية.
وعلى حسب هذه التحليلات القانونية: إن هذا يعني أنّ صندوق التقاعد سيفقد ملايين الشواكل، وتوقّف تدفّق الأموال اليه بنسب كبيرة من الاقتطاعات التي كانت تدفع من هذه الفئة، والتي قرر التعديل القانوني تمديد خدمتهم لخمسة سنوات اضافية بعد الستين. بالأصل، ان هذه الأموال هي حق للموظفين والمتقاعدين ولا يجوز احتسابها لصالح فئة معينة بذاتها. مما سيترتب على هذا القرار زيادة العبء على الخزينة العامة بحيث تدفع وزارة المالية تقاعداً لهؤلاء الموظفين ممن يحملون درجة وزير من المال العام، وتستمر الوزارة بدفع رواتبهم بدون اقتطاع لغايات التقاعد. وسيترتب على هذا زيادة راتب كل منهم أكثر من ثلاثة الاف شيكل، وتمديد عملهم لخمسة سنوات قادمة، مع احتفاظ تلك الفئة بتقاعد بنسبة ثمانين بالمئة من راتب الوزير، ويشكل ذلك القرار زيادة ضخمة على راتب كل من يحمل درجة وزير، وان التعديل المذكور سيزيد من راتب كل من يحمل درجة وزير بنما يتراوح ب 3000 شيكل حسب التقديرات، لأنه لن يتم اقتطاع اية اشتراكات لغايات التقاعد الذي ستتكفل الحكومة بدفع كامل مستحقات التقاعد. وسيضاف بدل الاشتراك لراتب كل موظف يحمل درجة وزير، حيث ان هذا القانون سيسري على كل من يحمل درجة وزير وما تم ذكره مناصب حسب القانون، وقد يشمل مئات المتقاعدين ممن يحملون درجة وزير ايضا، لأن القانون الافضل للموظف او المتقاعد سيطبق عليه. مما سيهدد بإفلاس صندوق التقاعد، وسيزيد فاتورة الرواتب بشكل مهول، بخاصة ان القانون نُشر وبدأَ نفاذه.
هذا يعني انّ كبار الموظفين سيستردّون كافّة المبالغ التي دفعوها كاشتراكات لصندوق التقاعد، محسوبة لهم اي سنوات قضوها في “العمل الوطني”..
وأمام ذلك يبقى السؤال: ما هي العبرة لتمديد عمل موظّف لخمسة سنوات بعد تجاوزه السن القانونية للتقاعد؟ وما هي العبرة من اعادة كافة اشتراكات التقاعد ومنحه راتباً تقاعدياً من الخزينة العامة على حساب دافعي الضرائب؟
هل ما يجري هو خطوة احترازية لتأمين أهل السلطة اذا ما حدث طارئ غير طارئ الكورونا؟
كاتبة فلسطينية