منذ صعود محمد بن سلمان وليًا للعهد، سعت السعودية إلى تعزيز نفوذها وتأثيرها على صناعة القرار في عدد من الدول العربية، لا سيما بعد سيطرتها على صناعة الرياضة والترفيه في المنطقة، ولعل تجربة مستشار ابن سلمان المقرب، تركي آل الشيخ، في مصر خير مثال على هذا التوجه الجديد.
وبعد التجربة المصرية التي دامت قرابة عامين، كان الفشل حليفها، انتقل الأمير الشاب إلى أوروبا، فكانت البداية بشراء نادي "ألميريا" أحد أندية دوري الدرجة الثانية في إسبانيا، وذلك عن طريق آل الشيخ، لكن فقدان شعبية هذا النادي لم تحقق الهدف المنشود من شرائه، رغم الملايين التي أُنفقت على تطويره.
وبحسب صحيفة "ديلي تليغراف" البريطانية فإن السعودية باتت على بعد خطوات من الاستحواذ على معظم أسهم نادي نيوكاسل يونايتد، المنافس بالدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم، وذلك بعد إبلاغ رابطة الأندية الإنجليزية بقرب إبرام الاتفاق الذي استمر عدة أسابيع قبل أن يصل إلى هذه المرحلة.
تأتي هذه الخطوة رغم التحذيرات التي أطلقتها كيانات حقوقية بشأن مساعي الرياض تجميل صورتها الخارجية وغسل سمعتها الحقوقية المشوهة، من خلال الاستثمار في القطاع الرياضي دوليًا، في محاولة لإلهاء الرأي العام العالمي عن جرائمها الحقوقية الموثقة التي كانت مثار انتقادات وجهت لها خلال السنوات الماضية.
نيوكاسل.. نافذة ابن سلمان الجديدة
الصحيفة البريطانية - في تقرير حصري لها - أشارت إلى أن الاتفاق يقضي بدفع صندوق الثروة السيادي في السعودية نحو 340 مليون جنيه إسترليني (380 مليون يورو) إلى مالك نادي نيوكاسل مايك أشلي مقابل الاستحواذ على 80% من أسهم النادي، كما ذكرت أن الـ20% المتبقية من الأسهم ستقسم ملكيتها بين شركة تابعة لسيدة الأعمال أماندا ستافيلي (التي لعبت دور الوسيط في الصفقة)، وشركة روبين براذرز المملوكة لثاني أغنى العائلات في بريطانيا.
الحديث عن هذه الصفقة أثير قبل عدة أسابيع تقريبًا، خاصة بعدما فشلت محاولات ولي العهد السعودي في شراء نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي، حيث وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، ما جعله يتحول لشراء نيوكاسل الذي يعاني رئيسه من أزمة مع جماهير النادي.
أشارت صحيفة الغادريان قبل عدة أيام وفق مصادرها المطلعة إلى اكتمال الصفقة بنسبة 90%، لافتة إلى تكثيف عملية التفاوض بين الجانب السعودي والنادي الإنجليزي، فيما تزايدت التكهنات التي ترجح وصول عملية البيع إلى مرحلتها الأخيرة بعد أن أُبلغ محاسبو أشلي في الأسابيع الأخيرة أن نيوكاسل سيتم بيعه إلى جهة أخرى، وفقًا لصحف بريطانية.
وفي الـ2 من أغسطس الماضي اشترى رئيس هيئة الترفيه السعودي، آل الشيخ، نادي ألميريا الإسباني رسميًا، بقيمة 20 مليون يورو، ليصبح أكبر مساهم ومالك ورئيس للنادي، رغم الانتقادات التي تعرض لها بسبب جماهيرية النادي المتواضعة وخلو سجله من البطولات التي تؤهله للمنافسة.
غسل العار بالرياضة
التحركات السعودية بشأن الاستثمار في المجال الرياضي العالمي قوبلت باستنكار من المنظمات الحقوقية الدولية، ففي يناير الماضي وصفت منظمة العفو الدولية (أمنستي إنترناشيونال) سعي ابن سلمان لشراء نادي نيوكاسل بأنه "محاولة لغسل العار عبر الرياضة".
المنظمة في تصريحات أدلت بها لصحيفة "صن" البريطانية قالت إن سيدة الأعمال أماندا ستافيلي التي ارتبط اسمها سابقًا بشراء "الماغبيز" كما يطلق على فريق نيوكاسل، عقدت صفقة بين صندوق الثروة السيادي في السعودية والمالك الحاليّ للنادي مايك آشلي، وعلى أساسها باتت عملية البيع مسألة وقت.
بدوره قال رئيس حملات المملكة المتحدة في المنظمة الدولية، فيليكس جاكنز إنه بفعل الحجم الكبير الذي يشاهده الجميع للاستثمار السعودي في الرياضة حديثًا، فإن الاستحواذ على نيوكاسل لن يشكل مفاجأة كبيرة، مضيفًا أن المملكة معروفة بمحاولاتها لـ"غسل العار عن طريق الرياضة" باستخدام بريق ومكانة الرياضة العليا كأداة للعلاقات العامة لتشتيت الانتباه عن سجل حقوق الإنسان السيئ لديها.
وتابع أنه في عهد ابن سلمان كانت هناك حملة شاملة لحقوق الإنسان مع سجن العديد من الناشطين المسالمين، بمن فيهم لجين الهذلول والمدافعات الشجاعات الأخريات عن حقوق المرأة، لافتًا إلى ما سماه محاولة "تبييض صارخ لجريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي المروعة"، بجانب المخاوف المستمرة بشأن القرصنة السعودية، والتحالف العسكري بقيادة المملكة في اليمن، الذي سقط بسببه عشرات الآلاف من اليمنيين، فضلًا عن تحويل البلاد إلى واحدة من أكبر كوارث العالم الإنسانية.
المسؤول الحقوقي أوضح أنه في المنظمة لا ينبغي لهم أن يحددوا من الذي يجب أن يمتلك نيوكاسل يونايتد، "لكن يجب على موظفي النادي وفنييه ولاعبيه على حد سواء أن يدركوا هذا على حقيقته، غسيل عار عن طريق الرياضة، بكل بساطة"، موضحًا أنه بالإمكان مواجهة تأثير "غسيل العار" هذا إذا كان ذوو الشأن على استعداد لذلك.
وأضاف أنه يجب على الموظفين والمشجعين في النادي معرفة الوضع المأساوي لحقوق الإنسان في السعودية وأن يكونوا مستعدين للتحدث عنه، وألا تتسبب الصفقة في غض الطرف عن السجل الحقوقي المشين لولي العهد الذي بات من الواضح أنه لا يتوانى عن ارتكاب أي جريمة في مقابل وصوله إلى كرسي العرش.
وهكذا يواصل النظام السعودي مساعيه الحثيثة لتقديم صورة إيجابية للعالم بعد التشوه الذي لحق بالصورة التقليدية جراء سياسات ولي العهد والانتهاكات الممارسة، سواء داخل البلاد عبر استهداف المعارضين أم في الخارج من خلال التدخل في شؤون الدول وشن الهجمات السياسية والعسكرية على بعضها، الأمر الذي وضع المملكة في مرمى الإدانات الدولية.
نون بوست