2024-11-26 10:38 م

هذا ما ستأخذه الدول العربية مقابل تمرير «صفقة القرن»

2020-02-01
مع الإعلان عن المقترح الأمريكي لصفقة السلام في الشرق الأوسط، «صفقة القرن»، وعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العرب، والفلسطينيين، بمساعدات مالية تصل قيمتها إلى 50 مليار دولار، وتندّر رئيس الوزراء الإسرائيليّ سائلًا من يمكنه رفض هذه المليارات؟ في هذا التقرير نستعرض حقيقة المبالغ المذكورة في الخطة، وكيف ستوزّع على الدول العربية: مصر، والأردن، ولبنان. 

إسرائيل في كل بيت

ذكر المسؤولون الأمريكيون مبلغ 50 مليار دولار أمريكي عشرات المرات تأكيدًا على وجود دعم اقتصادي للفلسطينيين، لكن الملف يذكر أن 27 مليارًا فقط ستكون للفلسطينيين، والبقية للأردن ومصر ولبنان. عدا عن أن المبلغ المذكور لن يكون منحةً أمريكية أو دولية مجانيّة، بل ستضطر الدول المذكورة لاقتراض نصفها على الأقل، أي 25 مليار دولار، ولا يعرف كيف ستكون صيغة هذه القروض وشروطها، ومن الـ50 مليار فقط 13 مليارًا منح للدول الثلاث بالإضافة لدولة فلسطين المُفترضة.

يسعى المقترح الأمريكي على الصعيد الاقتصاديّ لتنفيذ تكامل اقتصادي شامل، يجمع دول المشرق العربي والخليج العربي بدولة إسرائيل، ويدمج أسواقهما ويشبكها بشكل شبه كامل، على مستوى قطاعات مختلفة: الاتصالات والنقل، والتصنيع، والطاقة، والسياحة. 

في قطاع الاتصالات والنقل، ستُربط إسرائيل بالأردن عبر سكة حديدية، سيتم ربطها لاحقًا -وفقًا للمقترح- بخط حديديّ يخترق دول الخليج العربيّ، وربما تربط السكة الأردنية بخط في لبنان. أما على صعيد قطاع الطاقة، فستبيع إسرائيل الماء للأردن، والغاز لها ولمصر، وستعمل مصر على بيعه لدول أخرى، منها دولة فلسطين المُتخيّلة. تسعى الخطة لأن تكون إسرائيل في كل بيت عربي؛ مزروعاتها على طاولة طعامك، وماؤها في كأسك، وغازها يُضيء عواصم العرب في القاهرة وعمّان. 

مصر.. ذراع الطاقة الإسرائيلي

المرحلة الأولى: 167 مليون دولار

خصّصت 125 مليون دولار لدعم المشاريع الصغيرة ومتوسطة الحجم في مصر، ولكن الطاقة هي القطاع الأهم في المشاريع المقترح تنفيذها في المرحلة الأولى، إذ سيُقدّم لمصر 45 مليون دولار على شكل منح، لتقوم بإعادة تأهيل خط الغاز بين مصر وغزة، ثم يطوّر على مرحلتين لرفع سَعته، على أن يتفق الفلسطينيون مع مصر على سعر الغاز. هذا الغاز المبيع ليس مصريًا، وإنما إسرائيلي يباع لمصر التي تقوم بدورها بإعادة بيعه لزبائن جدد. وتأتي هذه الخطوة في سياق صفقة غاز إسرائيليّة- مصرية كبيرة، مماثلة للصفقة الأردنية، تمتدّ 15 عامًا وقيمتها 10 مليارات دولار. 

المرحلة الثانية: 3 مليارات و500 مليون دولار

أهم مشروع في المرحلة الثانية هو مشروع تحويل مصر إلى مركز غاز إقليميّ هام في شرق البحر الأبيض المتوسط والعالم العربيّ، يمكّنها من الاستفادة من تصدير الغاز – الذي تشتريه من إسرائيل- لدول أخرى، وللاستهلاك المحليّ في مصر. قيمة المشروع تصل إلى مليار ونصف دولار. وخُصّص نصف مليار لتطوير وتحفيز منطقة تجارية قرب قناة السويس.

أما سيناء فلها مليار ونصف في المرحلة الثانية، موزّعة لتطوير مشاريع توليد الطاقة فيها، وتطوير البنى التحتية لمشاريع الماء، وبناء بنية تحتية للنقل والمواصلات لربط المشاريع المختلفة في سيناء ببعضها البعض.

المرحلة الثالثة: 5 مليارات ونصف مليار دولار

مرة أخرى، لسيناء نصف مليار دولار لتطوير السياحة في ساحلها على البحر الأحمر. أما حصّة الأسد وقيمتها 5 مليارات، فتذهب لبناء بنية تحتية جديدة للتنقّل في مصر، لتتصل أجزاؤها أكثر؛ نصفها ديون والنصف الآخر رؤوس أموال خاصة. مجموع مشاريع مصر يصل إلى 9 مليارات و167 مليون دولار، أقلّ من تُسعها منح، و4 مليارات ونصف منها ديون والبقية استثمارات خاصة.

الأردن: اعتماد شبه كامل على إسرائيل

المرحلة الأولى: 740 مليون دولار

أنواع المشاريع المقترحة لتُنفذ في الأردن عدّة. من بينها ما تسمى بمشاريع «التمكين الاقتصادي»، وعددها أربعة مشاريع: دعم لمشروع الأردن لتوليد الطاقة الشمسية بقيمة 150 مليون دولار، ودعم بقيمة 125 مليون دولار للمشاريع الصغيرة ومتوسطة الحجم، ومشروع بـ100 مليون دولار لتأسيس شبكة اتصالات من الألياف البصرية في مدن عدة مثل إربد والمفرق، وجرش، وعجلون، ومدن أردنية أخرى، لتربط هذه الشبكات مؤسسات الدولة الأردنية ببعضها البعض، وتربط المدارس والمستشفيات والشركات، ومشروع آخر بقيمة 70 مليون دولار لبناء مركز بيانات وطنيّ للأردن، بما في ذلك تجهيز البنية التحتية لربط بيانات ومعلومات أفرع الدولة المختلفة وجمعها في مركز بيانات إلكترونيّ واحد. تتطلّب كل هذه المشاريع مدة زمنية من عامين إلى أربعة أعوام، وهي جزء من المرحلة الأولى من مراحل تنفيذ صفقة القرن.

يضاف إلى المرحلة الأولى، مشروع يخصّ «التجارة الإقليمية»، قيمته 150 مليون دولار لدعم نظام المواصلات الجديد في الأردن، الباص السريع، ليربط أكبر مدينتين في الأردن ببعضهما البعض، العاصمة عمان ومدينة الزرقاء. وقد بدأ العمل بالفعل على هذا المشروع بإشراف حكوميّ أردني.
مشروع آخر قيمته 145 مليون دولار، «للخدمات العابرة للحدود» المشتركة بين الأردن وإسرائيل، خصّص هذا المبلغ لمشروع قناة البحر الميت، وهو مشروع يهدف لربط البحر الميت بالبحر الأحمر عبر قناة مائية، تقع بالكامل ضمن الحدود الأراضي الأردنية، وتنفذه الحكومة الأردنية بتمويل أردنيّ وإسرائيليّ ودولي.

يسعى المشروع سابق الذكر لبناء محطات تحلية مياه على البحر الأحمر لتمدّ جنوب الأردن، وإسرائيل، بمياه صالحة للشرب، أما القناة فيمكن أن تستخدم لنقل الماء الإسرائيلي لبيعه ليُستخدم في شمال الأردن. بالإضافة لتغذية البحر الميت بماء من البحر الأحمر حتى لا يضمحل نهائيًا، إذ ينخفض منسوب الماء فيه ما بين 1 إلى 1.5 متر سنويًا. 

المرحلة الثانية: مليار و850 مليون دولار

مدة تنفيذ المشاريع في المرحلة الثانية تمتدّ لخمس أو ست سنوات، وقد خصّص 400 مليون دولار لمتابعة تطوير قناة البحر الميت في المرحلة الثانية، وبذلك خُصّص للقناة وحدها 545 مليونًا، كلها منحٌ خارجية لا ديون فيها، ولمزيد من التكامل الاقتصادي داخل الأردن ومع المنطقة، سيُبنى مطار جديد في الشونة الجنوبية، المحاذية لأراضي الضفة الغربية والمدينة التي أقامت الأردن فيها نصب الجندي المجهول، تكريمًا لذكرى مقاتلي معركة الكرامة ضدّ إسرائيل عام 1968.

ربما يكون هذا المطار لخدمة مواطني الدولة الفلسطينية المستقبلية التي لم يحسم المقترح بناء مطار خاص بها. مع المطار الجديد، سيتم العمل على تحسين مطار الملك الحسين في العقبة جنوب الأردن، ومطار ماركا في عمّان، بكلفة 650 مليون دولار لكافة هذه المشاريع. ومتابعةً للتوسع الاقتصادي في الأردن، سيُبنى ميناء جاف ليخدم المنطقة الصناعية في محافظة عمان جنوب الأردن، بكلفة 50 مليون دولار.

مشروع هام آخر في قطاع الأمن السيبراني، من المحتمل أن تشارك إسرائيل في تنفيذه نظرًا لقدراتها الفائقة في القطاع، قيمته نصف مليار دولار، لبناء بنية تحتية للأمن السيبراني للدولة الأردنية لحماية القطاعين العام والخاص، ولتقديم المساعدة للأردن في هذا المجال. يأتي هذا المشروع في سياق سعي أردني لإقرار قانون أمن سيبراني، وتأسيس مجلس وطني أردني أعلى للأمن السيبراني، وقد ذكر أحد النواب الأردنيين حصول الأردن على تمويل لدعم هذا المشروع في إطار صفقة القرن.

المرحلة الثالثة: 4 مليارات و775 مليون دولار

المرحلة الثالثة هي المرحلة الأخيرة من مراحل تنفيذ المشاريع الاقتصادية للخطة، وفيها تتم المشاريع 10 أعوام من التنفيذ. المشروع الأكبر بينها مشروع بناء خط سكة حديدية أردنيّ، يربط مدينة عمان بالعقبة، ويربط المناطق الممتلئة سكانيًا في الأردن ببعضها البعض، وقد يُمدُّ لاحقًا ليربط بخط حديديّ يعبر الخليج العربي. قيمة هذا المشروع تصل إلى مليار و825 مليون دولار، وهو مرتبط بالجنوب الأردني بشكل خاص، ما قد يفسّر بالنسبة للبعض التصريحات الأخيرة للملك الأردني، عبد الله الثاني، التي يذكر فيها أنه سيقضي أسبوعًا من كل شهر، مطلعَ عام 2020، في جنوب الأردن للتركيز على حلّ مشاكله.

المشروع الثاني بقيمة مليار ونصف يهدف لتطوير وتحسين البنية التحتية لأربعة طرق رئيسية خارجية في الأردن، اثنان منها سيخدمان التجارة الإقليمية مع الضفة الغربية وغزة مستقبلًا، والمشروع الثالث بقيمة مليار و400 مليون دولار لتطوير السياحة في مدينة العقبة، وتطوير «كورنيش العقبة» وبناء فنادق ومنتجعات سياحية. والمشروع الأخير بناء خط نقل للطاقة بين الأردن والضفة الغربية بقيمة 50 مليون دولار.

مجموع قيمة المشاريع المخصصة للأردن في الصفقة يصل إلى 7 مليارات و365 مليون دولار، منها فقط مليار و700 مليون دولار منح خالصة، و2 مليار و900 مليون منها ديون على الأردن، والبقية من رؤوس أموال خاصة.

المصالح الإسرائيلية محفوظة

تنصُّ الاتفاقية على أن تمنح الأردن الدولة الفلسطينية المفترضة حقّ استخدام أجزاء من ميناء العقبة لتنتفع من اتصالها بالبحر الأحمر جنوبًا. وعلى الرغم من ذلك، من حقّ الأردن أن تمتنع، وإن وافقت فمن حقها فرض جميع الشروط الأمنية والسيادية التي تودّ فرضها، ولم يوضّح المقترح الأمريكي طبيعة هذا التبادل وإن كان مدفوعًا أم لا. ويُقر المقترح الأمريكي بالاتفاقيات القائمة بين الأردن وإسرائيل ويحافظ على الوضع القائم كما هو فيما يخص مصادر الطاقة الطبيعية في البحر الميت وتقسيمه بين البلدين.

بناءً على المشاريع المقترحة في الخطة الأمريكية، وبناءً على اتفاقية الغاز الأخيرة بين الأردن وإسرائيل، والتي بدأ تطبيقها وضخّ الغاز الإسرائيلي للأردن في مطلع يناير (كانون الثاني) من العام الحاليّ، سيصبح الأردن معتمدًا في مصادر طاقته بشكل شبه كلي على إسرائيل، التي ستزوده بكميات كبيرة من احتياجه المائي لاحقًا، والملتزمة مع الأردن بعقد شراء للغاز الإسرائيلي مدته 15 عامًا وقيمته 10 مليارات دولار. 

لبنان: 6 مليارات و325 مليون دولار

مثل باقي الدول، خُصص للبنان 125 مليون دولار لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مع 200 مليون دولار لتحفيز التكامل الاقتصادي الإقليميّ، ولذات الغاية خصّص 3 مليارات لتطوير الطرق السريعة والشوارع الخارجية الرئيسية في لبنان. ولبناء سكة حديديّة مليارا دولار، ومليار لتطوير مطار بيروت ومطارات أخرى، ولتطوير ميناء طرابلس وبيروت، وتحديث النقاط الحدودية اللبنانية.

مجموع هذه المبالغ 6 مليارات و325 مليون دولار، لن تمنح لبنان منها إلا 450 مليونًا، ومعظم البقية ستكون ديونًا على لبنان تحمّلها.
(ساسة بوست)