2024-11-22 11:05 م

تراجع أمريكي وصعود آخرين.. أفريقيا مساحة نفوذ أجنبي

2019-12-27
تتسابق الدول الكبرى، والدول الإقليمية الساعية لأن يكون لها دور بارز في إدارة السياسة العالمية، نحو تحقيق وجود عسكري مستمر في القارة الأفريقية؛ لما لها من أهمية استراتيجية على خط التجارة العالمية؛ بسبب موقعها الجغرافي، ولما تحتويه من ثروات وخيرات، مع عدد سكان قليل مقارنة مع الصين وحدها.

وتوجد في القارة الأفريقية قواعد عسكرية لعدة دول؛ أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وبريطانيا، والصين، والهند، وإيطاليا، واليابان، وتركيا، والإمارات، والسعودية، إلا أن واشنطن وباريس تمتلكان النشاط العسكري الأبرز، مع صعود قوى جديدة.

البنتاغون يقلص وجوده

وفي ظل الوضع العسكري المعقد في ليبيا، الذي ينذر بصراع دولي مباشر أو عبر وكلاء بسبب تواجد الإمارات وروسيا ومصر، بالإضافة إلى قدوم القوات التركية المتوقع قريباً؛ بسبب الصراع بين حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً ومليشيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي أفشل مباحثات الحل السياسي عبر هجومه على العاصمة طرابلس، في 4 أبريل 2019.

وكذلك نشاط عدة جماعات مسلحة في الصومال وجيبوتي ومالي والسودان ودول أخرى، تتحدث الولايات المتحدة عن تقليص وجودها في القارة السمراء، وهو ما يفتح الكثير من التساؤلات في ظل عودة روسيا إلى القارة، وصعود قوى جديدة فيها.

فقد كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، يوم الثلاثاء (24 ديسمبر 2019)، أن الولايات المتحدة تتطلع لسحب جنود أمريكيين من غرب أفريقيا؛ في إطار خطة لإعادة تموضع نحو 200 ألف جندي في الخارج.

وتشمل الخطة التخلي عن قاعدة للطائرات المسيرة بُنيت مؤخراً بقيمة 110 ملايين دولار في النيجر، وإنهاء تقديم المساعدات للقوات الفرنسية التي تقاتل "المسلحين المتطرفين" في مالي والنيجر وبوركينا فاسو.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين (لم تسمهم) قولهم: إن "سحب واشنطن جنوداً من أفريقيا سيؤدي إلى خطط مشابهة لتقليص الوجود العسكري الأمريكي في أمريكا اللاتينية والعراق وأفغانستان".

وأكد المسؤولون أن وزير الدفاع، مارك إسبر، يدرس تقليص عدد كبير من القوات الأمريكية في الشرق الأوسط؛ بتخفيض عددها في العراق من 5 آلاف جندي إلى 2500، وسحب نحو 4 آلاف من أصل 12 ألف جندي في أفغانستان.

ويرغب وزير الدفاع في إعادة النظر في الانتشار الأمريكي على مستوى العالم عبر التخلي عن مهمات مكافحة الإرهاب؛ للتركيز بشكل أكبر على أولويتين هما: الصين وروسيا.

وتشمل المرحلة الأولى من تقليص العمليات الخارجية أفريقيا، حيث تنشر واشنطن ما بين ستة وسبعة آلاف جندي في غرب القارة كما في شرقها، وخصوصاً في الصومال.

وسيشكل الانسحاب الأمريكي من غربي أفريقيا ضربة قاسية للقوات الفرنسية التي تقاتل الجماعات المتطرفة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وفق ما ذكرت نيويورك تايمز.

التواجد الأمريكي في أفريقيا

تأسست القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا في أكتوبر 2007، وهي وحدة مكونة من قوات مقاتلة موحدة تحت إدارة وزارة الدفاع الأمريكية، وهي مسؤولة عن العمليات العسكرية الأمريكية وعن العلاقات العسكرية مع 53 دولة أفريقية، عدا مصر، التي تقع في نطاق القيادة المركزية الأمريكية.

وسعت الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية إلى تركيز عملياتها العسكرية في أفريقيا؛ وذلك بحجة مواجهة الخطر الأمني المتزايد الذي تشكله ما تصفه بالشبكات الإرهابية.

وتمتلك أمريكا نحو 7 آلاف جندي متمركزين في القارة، حيث تتوزع البلدان الأفريقية حالياً بين ثلاث قيادات أمريكية؛ وهي: "القيادة المركزية للولايات المتحدة (سنتكوم)، وتشمل مصر والسودان وإرتريا وإثيوبيا وجيبوتي والصومال وكينيا وسيشل، والقيادة العسكرية الأمريكية في المحيط الهادي الهندي (باكوم)، ويقع ضمن اختصاصاتها مدغشقر والمحيط الهندي، والقيادة العسكرية الأمريكية في أوروبا (إيوكوم)، وهي مسؤولة عن باقي الدول الأفريقية وعددها 41 دولة".

وأسست واشنطن قيادة "أفريكوم"، التي ستجعل القوة العسكرية الأمريكية أكثر فاعلية في ممارسة نشاطاتها عبر القارة الأفريقية، بحسب "البنتاغون".

وتعمل هذه القيادة العسكرية بشكل مؤقت من قاعدة شتوتغارت في ألمانيا، وسبق أن رفضت ليبيا والجزائر المقترحات الأمريكية لاستضافة القيادة الأفريقية، لكن المغرب وبتسوانا لديهما استعداد لجعل أراضيهما مقار لهذه القيادة.

وفي وقت تحمل فيه هذه القيادة مهام معلنة؛ منها "زيادة التعاون الأمني والشراكة مع دول القارة الأفريقية"، فإن أفريكوم ستعطي أيضاً الولايات المتحدة مزيداً من الفاعلية والمرونة في التعامل مع الأزمات المحتملة في أفريقيا، في ظل تزايد الاعتماد الأمريكي على مصادر الطاقة الأفريقية، ونمو العلاقات بين الصين ودول أفريقية عديدة، حيث أصبحت ثالث أكبر شريك تجاري بعد واشنطن وباريس في القارة.


إضعاف الاتحاد الأفريقي

وتسبب النزاع وصراع المصالح بين الدول؛ بحجة دعم الشرعية، وملاحقة المطلوبين، وتدريب القوات المحلية، بقدوم عسكر وجنود دول بعيدة وقريبة لتحقيق أعلى درجات النفوذ في مناطق يعاني شعوبها من الفقر وانخفاض كبير في النمو، بالإضافة لاقتصادات فاشلة.

وحين تأسس الاتحاد الأفريقي، في مايو 2001، كان الوجود العسكري الأجنبي في القارة قليلاً، إلا أنه بعيد أحداث 11 سبتمبر من ذات العام، والحرب على الإرهاب التي قادتها الولايات المتحدة، اختلف الوضع كلياً في دول الاتحاد البالغ عددها 54 دولة، ولكن لم تكن القواعد ذات بعد فاعل عسكرياً على الأرض.

غير أن الأمر اختلف في عام 2012؛ حيث توسع الوجود العسكري ليشمل قوات برية نشطة وقواعد لوجستية وعسكرية، وفي عام 2013 كان التدخل الفرنسي المباشر في مالي.

ومع صعود الصين ووضع موطئ قدم لها في القارة السمراء، عززت الولايات المتحدة وفرنسا من وجودها في أفريقيا عبر بناء قواعد جديدة، وكذلك حذت الإمارات والسعودية حذوها تحت ستار مكافحة الإرهاب.

وفي الغالب فإن لتلك الدول صاحبة القواعد مصالح أخرى؛ مثل قواعد فرنسا في النيجر، التي تبدو كأنها محاولة لحماية المصالح الفرنسية حول موارد اليورانيوم الشاسعة في النيجر.

ويعتبر مركز "العالم وراء الحرب" (world beyond war) المهتم بنشر دراسات حول الحروب والعلاقات العسكرية بين الدول، أن "وجود هذه القواعد في الدول الأفريقية التابعة للقوى العالمية أضعف الاتحاد الأفريقي".

ويعتقد المركز أن هذه القواعد تهدد بتقويض سيادة الاتحاد الأفريقي الهشة بالفعل في المستقبل، خاصة أن التأثير المباشر للقوى الأجنبية يهدد بإلهام المزيد من الصراعات بين الدول، في حين قد يتسبب بتفكيك الدولة الواحدة أيضاً عبر إثارة الفوضى ومنع وجود الحل السياسي.


معضلة ليبيا

وتبرز الأزمة الليبية كأبرز الحالات الراهنة في القارة الأفريقية، خصوصاً مع الصراع الدائر فيها بين حكومة الوفاق "الشرعية" التي تدعمها تركيا، ومليشيات حفتر المدعومة بشكل أساس من أبوظبي والقاهرة، وعودة الروس إلى المشهد الليبي.

وذكرت وكالة رويترز، نقلاً عن مسؤول في حكومة الوفاق، يوم الخميس (26 ديسمبر 2019)، قوله إن الحكومة طلبت رسمياً من تركيا تقديم الدعم العسكري الجوي والبحري والبري؛ لمواجهة هجوم للقوات الشرقية على العاصمة طرابلس.

وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قال في وقت سابق من اليوم ذاته، إن بلاده سترسل قوات إلى ليبيا بناء على طلب طرابلس، الشهر المقبل.

ونُشر في الجريدة الرسمية التركية قرار التصديق على مذكرة التفاهم التي أُبرمت بين حكومتي تركيا و"الوفاق الوطني" الليبية، في 27 نوفمبر الماضي، وهو ما يعني دخولها حيز التنفيذ.

وفي 20 ديسمبر 2019، دعا رئيس المجلس الرئاسي للحكومة الليبية، فايز السراج، 5 دول هي الولايات المتحدة وتركيا وبريطانيا وإيطاليا والجزائر، إلى تفعيل الاتفاقيات الأمنية مع ليبيا والبناء عليها، بحسب بيان للمكتب الإعلامي للسراج نُشر على صفحته الرسمية بموقع "فيسبوك".

وكانت صحيفة "الغادريان" البريطانية كشفت، يوم الثلاثاء (24 ديسمبر 2019)، أن مئات من المرتزقة السودانيين انضموا في الفترة الأخيرة إلى قوات خليفة حفتر التي تهاجم قوات حكومة الوفاق في العاصمة طرابلس.

وذكرت الصحيفة نقلاً عن قادة لمجموعات مسلحة سودانية ناشطة في ليبيا، قولهم إنهم استقبلوا أعداداً جديدة من المقاتلين لدعم قوات حفتر، وإن عدد المرتزقة السودانيين الذين يقاتلون في ليبيا وصل إلى ثلاثة آلاف.

ولفت أحد قادة المرتزقة السودانيين إلى أنهم أسهموا بشكل كبير في سيطرة قوات حفتر على حقول النفط.

ويعني ذلك أن الوجود العسكري في أفريقيا، وبالأخص في ليبيا، يتزايد يوماً بعد يوم، ما يؤكد تحويلها إلى ساحة نفوذ دولية تتصارع على أرضها مصالح الدول.

ويعتقد مراقبون أنه "رغم مشكلة بقاء القوات الأمريكية في القارة الأفريقية فإنه يحقق توازناً إذا ما حصل هناك صراع قوى، كالجاري عبر الوكلاء في ليبيا أو غيرها من الدول التي تعاني من أزمات كبيرة اقتصادياً ومعيشياً وأمنياً، إلا أن خروج جميع القوات الأجنبية هو الأفضل بجميع الأحوال".
(موقع الخليج اون لاين)