2024-11-26 05:33 م

قاطع الطريق وداعمه ومساعده مجرمو حرب

2019-11-26
بقلم: ابراهيم الامين
متلازمة السوشال ميديا صارت مرضاً يسيطر على غالبية الجمهور. لكنها أصابت مقتلاً حتى من فئات تعتبر نفسها في موقع متقدم عن الناس ثقافياً ومعرفياً. المشكلة، هنا، ليست في أن تقول كلاماً صحيحاً، وليست في أن تقول الحقيقة، ولا في أن تكذب أو تخفي وقائع قاسية. المشكلة هنا متوقفة فقط عند عنوان واحد اسمه: الانطباع!
يعني، لا يهمّ أي نوع من التدقيق في طبيعة المواجهات التي تحصل بين وقت وآخر في الشارع بين جمهور المتنازعين سياسياً. ولا ينفع التدقيق في إقناع هذا أو ذاك بتعديل موقفه. المهم، هنا، هو الانطباع الذي سيزرع في عقول الناس وقلوبهم. لذلك، يسيطر الانطباع على العقل. وحتى من يريد وضع خطة عمل لفريق أو جهة، أو من يريد القيام بعمل له حساباته الواقعية، لا يقف الا عند الانطباع. الجملة السحرية التي تسيطر على ألسنة الجميع هي: ماذا سيقول الناس عنا؟ والناس، هنا، ليسوا سوى لاعبين افتراضيين على منصّات التواصل الاجتماعي الذين باتوا قادرين على إطلاق الأحكام على الجميع ومنع محاكمتهم في الوقت نفسه.
ولأن الانطباع هو المسيطر، تجد نفسك في موقع غير الراغب في الشرح والتدقيق. بل في موقع اللامبالي إزاء ردود فعل مهما كبرت أو تحولت الى وقائع، لأن النقاش يصبح من دون فعالية إذا كان من يقف على الضفة الاخرى غير مهتم إلا بالانطباع. وهذا مصدر نجاح كبير لمن يقود ما يسمى في عالمنا اليوم «الحرب الناعمة». هذه الحرب التي لا تستهدف خلق وعي معرفي عند الاصدقاء أو الخصوم، بل هدفها الوحيد هو تطويق هؤلاء بفكرة الانطباع: أنت جميل، هو قبيح، أنت واضح، هو متذبذب، أنت طائفي هو علماني، أنت آدمي هو حرامي... وهكذا الى نهاية السلسلة من لعبة زرع الجزئيات التي تنتهي عادة على شكل صورة لشيء وحيد هو: الانطباع!
والانطباع سرعان ما يصبح أسير قوانين اللعبة الافتراضية، أي أسير أدوات العمل على مواقع التواصل. والمهم، هنا، كيفية تحويل الانطباع الى «ترند»، أي رفع قيمته من لحظة انفعال عاطفي الى لحظة نمط تعامل. أي إن الـ«ترند» هو المرحلة التالية في تحويل الانطباع الى حقيقة. وهذا وحده كفيل بجعل الكذاب في حالة زهو غير مسبوقة إذا حصد المرتبة الاولى. كما من شأنه أن يدفع صادقاً الى الانتحار، لأنه فشل في الدفاع عن نفسه أو وجهة نظره. ومن يرد التجاهل والتجاوز ما عليه سوى اختبار نفسه ضمن مسابقة النقاط، التي تحصر في هذا العالم بلعبة «لايكات»، تتحول الى علامات نجاح أو رسوب، وهي ما تجعل من الانطباع قوة رئيسية في التفكير بالقول، كما تجعل من الـ«ترند» قوة رئيسية في الفعل... وهكذا!
في لبنان اليوم، وعلى هامش الأزمة القائمة، ثمة حشد مقبول، من أشخاص وجمعيات وجهات وقوى ومؤسسات، يديرون يومياتهم السياسية على أساس الانطباع القائل بأن جمهور المقاومة في لبنان صار عدواً لكل من يطالب بالإصلاح. وهؤلاء يتصرفون على أساس ان غالبية لبنانية تقف الى جانبهم، وأن أقلية تقف في جانب جمهور المقاومة الذي يتعرض لعملية عزل متواصلة. والبعض من هذه الفئة يتصرف على أساس أنه قادر على تحديد وجهة التفاعل على الارض، ولا يهم بقية الناس، لان الانطباع هو الأقوى. لكن هذه الفئة لا نعرف كيف تتصرف عندما تصدم بحقيقة الوقائع، التي تنسف الانطباع، وتفرض صورة معاكسة تماماً، حتى ولو حصل ما حصل من إشكالات وخسائر!
بناءً على لعبة الانطباع، التي يمكن تحويلها الى حقيقة، لا الى «ترند»، وجب اليوم قول الآتي:
كل مشارك في الحراك لا يخرج الى العلن، ويدين صراحة قاطعي الطرق، هو شريك فعلي في جريمة اغتيال المواطنين حسين شلهوب وسناء الجندي على طريق الجية.
كل ناشط في الحراك لا يخرج الى العلن، ويذيع بياناً يدين بالاسم مرتكبي هذه الجريمة، هو شريك في سفك دماء الأبرياء.
كل إعلامي، مؤيّد للحراك، لا يكتب أو يذيع موقفاً واضحاً، جهاراً نهاراً، يشتم فيه قاطعي الطرق هو شريك مساهم في الجريمة.
كل سياسي مؤيّد للحراك بكل صنوفه، طوعاً أو غصباً، وعن حق أو عن دجل، لا يسارع الى إيجاد وسيلة إعلامية لإذاعة بيان يدين بالأسماء المسؤولين عن قطع الطرقات هو شريك في هذه الجريمة.
كل جمعية مدنية، أو منظمة غير حكومية، تشارك في الحراك، لا تصدر بياناً واضحاً، فيه إشارة واضحة الى المسؤولين عن قطع الطرقات، وتحميلهم مسؤولية الجريمة، شريكة في الجريمة وتتحمل مسؤولية الدماء التي سفكت.
كل قوة سياسية أو حزب أو حركة تشارك في الحراك، وتملك الجرأة على المطالبة بإسقاط النظام، ولا تخرج وتعلن على لسان قيادييها أنها تدين قطع الطرقات وتهاجم المرتكبين بالأسماء، هي قوة وحركة وحزب شريك في الجريمة.
ولمن لا يعرف، أو يتذرع بعدم المعرفة، فإن زعران سعد الحريري وسمير جعجع وسامي الجميّل ووليد جنبلاط هم من يتولى قطع الطرقات، ومن يتولى مهاجمة المارة وشتمهم، ومعهم كل المجموعات التي تعمل طوعاً أو غصباً مع مخابرات الجيش اللبناني، ومع فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي،
أما من يعتقد بأن هناك طبقات اجتماعية عند ضحايا فوضى الحراك، ويعتقد أن إعلاماً حقيراً ومشوّهاً منذ نشوئه، يمكنه التمييز بين هذا أو ذاك، ويمكنه تجهيل الفاعل وتحييد الناس، وتركهم ضحايا الانطباع إياه، وأسرى الـ«ترند» إياه، فمن المفيد تذكير هؤلاء بأننا سوف نلاحقهم، اسماً اسماً، وناشطاً ناشطاً، وجمعية جمعية، ومنظمة منظمة، وجهة جهة، وحزباً حزباً، وحركة حركة، وإعلامياً إعلامياً، وإعلامية وإعلامية، ولن نترك منهم أحداً من دون مساءلته يومياً عن مصدر أمواله ومرجعيته، وسنلزمه، الآن وكل يوم، بأن يقدم لنا جردة يومية بكل ما قام ويقوم به، وسنروي للناس ما حرصنا على كتمه من أجل الصالحين في الحراك..
أما من يهربون من مسؤوليتهم في تنظيف الحراك من هذا الوسخ، فهم اليوم أمام استحقاق أساسي، لأن من يريد التلطّي خلف شعارات عامة ومطالب مفتوحة، عليه أن يعرف أن نتائج الأفعال تقع على عاتق من بيده الأمر من بين هؤلاء، ومن لا يزال يتوهم أن بإمكانه نقل البلاد الى جبهة الغرب، فقط لأنه قرر ذلك، إنما هو أسير انطباع لن يكون حقيقة، ولو تحول الى «ترند» عالمي!
يجب أن يعرف هؤلاء أن دموع الصبية الناجية من محرقة الجية أمس، وحرقتها على من فقدته أمام عينيها، هي أهم من كل شعار يرفع في أي ساحة من ساحات لبنان.
الاخبار اللبنانية