2024-11-27 09:37 م

ترامب وأردوغان ..نموذجان للابتزاز السياسي الأصلي!

2019-09-11
بقلم: د. وفيق ابراهيم
يتشابه الرئيسان الأميركي دونالد ترامب والتركي رجب طيب اردوغان في فنون الابتزاز السياسي حتى في أضعف المواضيع وأكثرها شفافية.

فلا يوفر ترامب بلداناً اوروبية واخرى في جنوب شرق آسيا للاستفادة من اي صعوبات تمر بها، محارباً فنزويلا في العلن ويُفاوضها في السر متلاعباً بضعف الدول العربية في الشرق الأوسط، فتارة يعلن عن قدرته على حمايتها وينكفئُ في مرات اخرى معلناً عجزه عن قدرته عن الدفاع عنها.

ولم يوفر الكرد حتى أدخلهم في آلياته مروّعاً بهم الترك ومعرقلاً امكانية تفاهمهم مع الدولة السورية، كما يدفع التحالف السعودي الاماراتي لمحاربة اليمن مفاوضاً انصار الله سراً.

اما مثيله اردوغان ففنان بخلق الذرائع وتكوين الازمات، حتى اخترع خلافات حول آبار ليس لبلاده أي حدود مع الدول الموجودة فيها مثل مصر وقبرص واليونان متربّصاً بأرمينيا عند كل مفترق ومتذرعاً بالارهاب في كل من العراق وسورية واليمن وليبيا والصومال ومصر والسودان للتدخل في شؤونها واحتلال أراضٍ فيها.

ولأن حدود الابتزاز مفتوحة، لا نهاية لها فهذا ترامب يلتقي بنظيره اردوغان في ميادين سورية ليتنافسا على كل شيء تقريباً، في شرقي الفرات وشمال سورية وغربها وليبيا وأخيراً اليمن، بشكل لم تنفعهما قدراتهما الابتزازية على تجنب بعضهما بعضاً، فوقعا في محظور تصاعدي يبدو من الصعب العثور على حلول سريعة له.

وهكذا فإن سورية هي ملعب الابتزاز المتبادل بين الأميركيين والأتراك لتحسين مواقعها فيها، اي انهما يتنافسان على بلد ثالث ويستعملان في البداية شعارات حول مكافحة الارهاب ليتبين آنفاً انهما متورطان كبيران في رعاية الارهاب وتمويله في معظم الشرق الاوسط حتى أن تركيا تجنّد الأيغور المسلمين في الصين ومسلمي اوروبا الشرقية وآسيا الوسطى ومسلمي القرم فيما يتولى الأميركيون رعاية القاعدة وداعش والأقليات العرقية والدينية في معظم دول العالم.

ما هي أشكال الابتزاز في سورية؟

تنتشر قوات الاحتلال الأميركي في شرقي سورية وأجزاء من أنحائها الشمالية وقاعدة التنف عند نقطة التقاء الحدود الأردنية العراقية السورية.

يلعب الأميركيون في هذا الميدان مع الطموحات الكردية لإطالة امد ازمة يتراجعون فيها وللتحضير لأدوار لهم في مناطق الانتشار الكردي الأخرى في ايران والعراق وتركيا ويستغلون طموحات اوروبا في الدخول الى الشرق الاوسط فيعللونهم بالاختراق من الزاوية الشرق سورية ويبتزون السعوديين والإماراتيين باستعمال امكاناتهم المالية لتمويل الكرد والعشائر في شرق الفرات.

ضمن هذه المعطيات يمارس ترامب ابتزازاً إضافياً على تركيا وروسيا مهوّلاً على انقرة بالخطر الكردي الذي قد يصل الى الأكراد فيها، ومعرقلاً محاولات روسيا احتواء التركي في علاقات قوية جديدة.

كما يلعب على المنوال نفسه في العراق، فيهدّد الشيعة بالسنة والإثنين معاً بالكرد عاملاً على الاضعاف الدائم للدولة بما يحول دون تطورها واكتسابها مناعة وطنية. وهذا المنحى لم يعد يكلفها إنفاقات عسكرية او سياسية واقتصادية، بل مجرد الابتزاز واللعب على مصالح القوى الداخلية الممنوعة من التوصل لمشاريع وطنية فعلية.

أما الخليج فهو الملجأ الاساسي للابتزاز الأميركي، حيث يعتمد الأميركيون على اسلوب اثارة ذعر ممالكه واماراته الضعيفة من ثلاث قوى مجاورة لها. ايران الخطر الاساسي التي يعمل الأميركيون على تحويلها عدواً اساسياً للعرب والمسلمين السنة واستعمالها «فزاعة» دائمة يستطيع ترامب من خلالها ابتزاز الخليج مادياً بمئات مليارات الدولارات، وسياسياً بسحبها نحو صداقة «إسرائيل» وتطبيع علاقات تحالفية دائمة معها.

اما آخر ابداعات الابتزاز الأميركي ما ورد في تصريح القائد العسكري الأميركي في البنتاغون كرافورد الذي اكد ان القوات الأميركية في الشرق الاوسط تستطيع الدفاع عن نفسها، لكنها عاجزة عن الدفاع عن حلفائها في السعودية والامارات، بما يناقض ما كان رئيسه ترامب قاله للسعوديين قبل عامين حول ان بلاده تدافع عن الخليج منذ 1945، وبناء عليه فإن عليه الدفع، وهذا ما فعلوه بتسديدهم له نحو 650 مليار دولار.

هنا يبدو ان الأميركيين يريدون ابتزاز الخليج مجدداً لتمويل خطة أمن الملاحة مادياً وتغطيتها سياسياً.

بالمقابل يبتز اردوغان جميع القوى المتورطة في الأزمة السورية بدءاً من روسيا التي لا تريد خسارته سياسياً فتمهله وقتاً اضافياً لتطبيق التزاماته في معاهدات سوتشي وآستانا. وهو يواصل الدلع والدلال مراهناً على صبر الروس وسياساتهم المرنة محاولاً ابتزاز الأميركيين من احتمال رحيل تركيا نحو روسيا، والاستفادة من الاهتمام الأميركي ببقاء الاتراك والارهاب في ادلب وعفرين، كي لا يتفرغ الجيش العربي البسوري الى مناطق شرقي الفرات حيث الاحتلال الأميركي.

لذلك يصرخ اردوغان مهدداً اوروبا بإطلاق النازحين السوريين نحو دولها مطالباً بالمزيد من الاموال لإبقائهم في تركيا. وهذا ما يحصل دائماً، ملوحاً بنقل مليون سوري نازح الى ما يسميه المنطقة الآمنة فريتعب الأكراد ويتلقى رداً قاسياً من الأميركيين الذين أكدوا انهم يدربون نحو ستين الف مقاتل من الكرد والعشائر شرقي الفرات لمحاربة الارهاب، وكانوا يرددون دائماً انهم قضوا عليه بالتعاون مع الكرد، لذلك اضافوا بأن هناك خلايا ارهابية خطيرة لا تزال موجودة وتجب مجابهتها.

وفي إطار الابتزاز ومفاعيله، تلقى اردوغان هدية من الأميركيين يستطيع بموجبها الادعاء امام الترك، بأنه حقق شيئاً في جبهاته المفتوحة عند كل حدود بلاده، وتتعلق ببدء تسيير دوريات أمنية تركية أميركية في منطقة لا تتجاوز الـ 600 كيلومتر مربع والطريف ان الوحدات التركية المشاركة فيها، تعود من تل ابيض بعد ساعات عدة الى الداخل التركي بما يؤكد انها اجراءات وهمية تهدف الى تطمين التركي ومنحه انتصاراً زائفاً.

ما هو اذاً مصير هذا الابتزاز؟ بلغة الدولة السورية فإن قيمته لا تزيد عن قرش مثقوب لعدم استناده الى موازنات قوى، فالابتزاز يخدم لمدة محدودة وسرعان ما ينهار تحت وطأة العمل الفعلي.

ويبدو أن تحرير المرحلة الثانية من ادلب لم يعد بعيداً ما يضع الأميركي والتركي امام حقائق ميدانية لا تتعامل مع ابتزازات عاجزة بل مع نيران مدافع وحركة الأبطال السوريين بتغطية روسية تؤكد ان عصر الهيمنة الأميركية يتجه لأن يصبح من ماضٍ غابر ودفين.