بقلم: تمام ابو الخير
على مدار العقود الماضية، ومنذ تأسيس الجامعة العربية في أربعينيات القرن الماضي، لم تغب القضية الفلسطينية عن مجريات القمم العربية المنعقدة في مختلف البلدان، كما أن شعوب المنطقة تعودت سماع جداول الأعمال والبيانات الصادرة من الاجتماعات، التي غالبًا ما تكون فلسطين هي المبتدأ بها والتأكيد على عربيتها ورفض الاحتلال والعزم على الإجراءات ضد تهويد القدس وطمس المعالم العربية في محيط المسجد الأقصى.
إلا أنه ورغم كل القمم التي حصلت لم تستطع أن تغير قيد أنملةٍ في وضع فلسطين، فالاحتلال الإسرائيلي ما زال على ما هو عليه وماضٍ في خطته بدعم غربي كبير وعجز عربي فاضح بسبل المواجهة، فاستبدلت المواجهة بالتطبيع الواسع والمنقطع النظير في هذه الأيام على المستويات كافة، وانصاعت بعض الدول لما تسميه بالأمر الواقع والاعتراف بأحقية الكيان الإسرائيلي بوجوده في المنطقة.
تأتي اليوم الذكرى الـ52 للقمة العربية الشهيرة في العاصمة السودانية، الخرطوم، في 29 من أغسطس/آب 1967، واشتهرت بقمة "اللاءات الثلاث"، وأكدت أنه "لا تفاوض ولا تصالح ولا اعتراف بإسرائيل"، وعُقدت اجتماعات الخرطوم حينها بعد الهزيمة المدوية للدول العربية بحربها مع "إسرائيل" التي احتلت بدورها الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء.
تبرز قمة "اللاءات الثلاث" دائمًا كونها القمة العربية الأقوى تاريخيًا، إذ إنها كانت سبيلاً للتصالح بين السعودية ومصر آنذاك، واتفق الزعماء فيها على توحيد جهودهم لإزالة العدوان وتأمين انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في نطاق المبادئ الأساسية التي تلتزم بها الدول العربية، وهي: عدم الصلح مع "إسرائيل" أو الاعتراف بها، وعدم التفاوض معها، والتمسك بحق الشعب الفلسطيني في وطنه.
وكان من ضمن مقررات القمة "ضرورة تضافر جميع الجهود لإزالة آثار العدوان، على أساس أن الأراضي المحتلة هي أراض عربية يقع أمر استردادها على الدول العربية جمعاء"، وفي هذا التقرير نسلط الضوء على أبرز القمم والاجتماعات العربية التي عُقدت من أجل فلسطين وما قدمته من أجل قضيتها.
قمة أنشاص
عدا عن أنها القمة العربية الأولى التي عقدت بشكل طارئ بمشاركة سبع دول عربية، عقدت قمة أنشاص، قرب القاهرة في مايو 1946، ودعت إلى جعل قضية فلسطين في قلب القضايا القومية، باعتبارها قطرًا لا ينفصل عن باقي الأقطار العربية، داعيةً إلى وقف الهجرة اليهودية وقفًا تامًا، ومنع تسرب الأراضي العربية إلى أيدي الصهاينة، والعمل على تحقيق استقلال فلسطين.
قمة الدار البيضاء
عقدت في المغرب في سبتمبر 1965 وشاركت فيها 12 دولة عربية بالإضافة إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وفي هذا المؤتمر اتفق الحاضرون على دعم منظمة التحرير الفلسطينية وجيش التحرير ودراسة مطلب إنشاء المجلس الوطني الفلسطيني وإقرار الخطة العربية الموحدة للدفاع عن قضية فلسطين في الأمم المتحدة والمحافل الدولية، وفي عام 2016 قال الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية شلومو غازيت، إن المغرب مكّن الموساد من تسجيلات القمة حينها، ممّا هيّأ لـ"إسرائيل" سبل الانتصار في حرب 1967.
القمة الإسلامية الأولى
عقدت أول قمة إسلامية في العاصمة المغربية الرباط في سبتمبر 1969، بعد قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بحرق المسجد الأقصى، وأكد المشاركون من كل الدول الإسلامية خلالها إدانتهم لحرق المسجد الأقصى، ورفضهم أي حل للقضية الفلسطينية لا يكفل لمدينة القدس وضعها السابق لأحداث يونيو 1967، وعلى إثر هذه القمة تشكلت منظمة المؤتمر الإسلامي.
قمة الجزائر
في هذه القمة التي عُقدت بالجزائر في نوفمبر 1973 بعد حرب تشرين التي خاضتها سوريا ومصر ضد "إسرائيل"، اعترفت الدول العربية بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعيًا للشعب الفلسطيني، وأقرت القمة شرطين للسلام مع "إسرائيل"، أولهما انسحابها من جميع الأراضي العربية المحتلة وفي مقدمتها القدس، والثاني استعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه الوطنية الثابتة، وأيدت القمة استمرار استخدام سلاح النفط العربي ورفع حظر تصدير النفط للدول التي تلتزم بتأييدها للقضية العربية العادلة.
القمة الإسلامية في مكة المكرمة
خصص مؤتمر القمة الإسلامي الثالث في مكة المكرمة بالسعودية في يناير من عام 1981، لقضية فلسطين والقدس، وتبنت القمة خيار "الجهاد المقدس"، واعتبر المؤتمر أن "إعلان الجهاد المقدس واجب على كل مسلم ومسلمة فرضته شريعة الإسلام وتقاليده المجيدة، لذلك فجميع المسلمين المقيمين في البلاد الإسلامية وخارجها مدعوون لتأدية هذا الواجب والمساهمة فيه كل حسب قدرته واستطاعته، مرضاة لله عز وجل وتأدية لواجب الأخوة الإسلامية وخدمة للحق".
قمة فاس
انعقدت القمة في مدينة فاس المغربية في سبتمبر 1982، واعترف العرب بشكل خفي بوجود "إسرائيل"، فأعلنوا للمرة الأولى خطة سلام تتضمن انسحاب الكيان الصهيوني من الأراضي المحتلة عام 1967 وقيام دولة فلسطينية وضمان أمن جميع الأطراف في المنطقة.
قمة القاهرة.. "قمة الأقصى"
عقدت في أكتوبر بالعاصمة المصرية القاهرة، عام 2000، بعد اقتحام رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها آرييل شارون بيت المقدس وتدنيسه، وتقرر في تلك القمة، إنشاء صندوق باسم انتفاضة القدس برأس مال 200 مليون دولار أمريكي لدعم أسر الشهداء وتأهيل الجرحى والمصابين وإنشاء صندوق باسم صندوق الأقصى برأس مال 800 مليون دولار لدعم الاقتصاد الفلسطيني.
قمة بيروت ومبادرة السلام
في مارس 2002 عقد مؤتمر القمة العربي في العاصمة اللبنانية بيروت، وتبنى المؤتمر مبادرة الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز للسلام في الشرق الأوسط، وأصبحت مبادرة عربية للسلام، ودعت القمة الدول العربية لدعم ميزانية السلطة الوطنية الفلسطينية.
قمة الظهران.. "قمة القدس"
رغم تسميتها بقمة القدس، فإن قراراتها كانت خجولة بالنسبة للقضية الفلسطينية، وأكدت القمة التي انعقدت بمدينة الظهران السعودية "بطلان وعدم شرعية القرار الأمريكي بشأن القدس المحتلة، الذي اعتبر القدس عاصمة لـ"إسرائيل"، وتعهد البيان الختامي للقمة بالعمل على تقديم الدعم اللازم للقضية الفلسطينية، مشددًا على "الوقوف بجانب الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه المشروعة".
بيانات فارغة
رغم كثرة القمم والاجتماعات العربية والإسلامية، إلا أنها لم تقدم للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية إلا الكلام، ويمضي الإسرائيليون بعملهم في الاستيطان وقتل الشعب الفلسطيني، فيما تمضي الولايات المتحدة بدعمها اللامتناهي لتل أبيب ونقل سفارتها للقدس كعاصمة لـ"إسرائيل"، دون أي رد عربي واضح.
فيما تتزاحم الدول العربية على حضور مؤتمرات تنظمها واشنطن، للترويج لصفقة القرن التي تحاول فرضها على الحالة الفلسطينية، وبتمويل عربي، ولن تكون ورشة البحرين الاقتصادية آخر هذه المؤتمرات التي يحضرها بعض العرب، لتكون قممهم من أجل القدس كلامًا ويكون الفعل لورشاتهم من أجل صفقة القرن.
نون بوست