2024-11-27 11:34 م

الأردن في مرحله انتقالية تُدار برأسين.. فهل هو تحت الوصاية؟

2019-07-11
بقلم: فؤاد البطاينة

تمر الدولة الأردنية في مرحلة تؤكد حيثياتها بأنها مرحلة انتقالية لدولة جديده. يدرك المراقبون ذلك بينما يتشكك الاردنيون بقدومها. لكن الجميع يتكهنون بطبيعتها الجغرافية والسياسية والسكانية المعمول عليها، ولا يعرفون مآلاتها. ومع هذا فإن الساحة الاردنية تعيش حالة فراغ سياسي رهيب قائم على الفشل والترقب أمام التحديات الداخلية والخارجية الوجودية المتزامنة والمترابطة مع أشد أنواع العزل السياسي والتهميش والتضييق على شعب لإخضاعه. وكله لا لشيء سوى استحقاقات استكمال المشروع الصهيوني في فلسطين الذي يشمل الأردن ويرتبط به..

 هذه المرحله الانتقالية يُدار فيها الاردن كإقليم تحت الوصايه برأسين هما:

 الأول، هو محلي لتسيير الأعمال وللمحافظة على شكل الدولة واستمرارية إعادة هيكلتها. ويتمثل هذا الرأس بوجود الملك الاجرائي، وبالحكومات وباقي السلطات التي حدود صلاحياتها التنفيذ. فلا سلطة لجهة محلية وطنية ولا قرارات تمس عملية الانتقال تصدر من ارادتها بل تتلقاها. وما غير ذلك من تصريحات فهي إما تلقينية أو اجتهاد من اصحابها ليؤكدون حضورهم الواهم والتوهيمي. ولا سلطة للملك الذي لا يملك القرار الوطني ولا يملك صُنعه، ويعيش في الواقع حالة فك ارتباط بالشعب. فهذا الرأس الوطني أو المحلي بمجمله وأطرافه هو تنفيذي.

 الرأس الثاني، يتمثل بالأمريكي البريطاني، الحاكم الفعلي والميداني للمرحله. ومهمته إعادة هيكلة وتأهيل الدولة وشعبها على الصعد العسكرية الأمنية والادارية والقانونية اللازمه لعملية الانتقال للدولة الجديدة ولدورها السياسي الجديد. فهذا الرأس هو صاحب وصانع القرارات ومهندس خططها و تسهيل تنفيذها أو تمريرها لتلك الغاية، وإزالة المعيقات المتوقعة بل مهندس الكثير من التصريحات، إنه الحاكم.

ولذلك فإن غياب الملك وتركه الدولة في إجازة طويلة أو بقائه في الاردن في الظروف الداخلية والخارجية التي نسميها عصيبه، هو سيان، ولا يصنع فرقا ولا يؤثر على مجريات الأمور في الدولة قيد أنمله، ولو لم يكن الأمر كذلك ما حدث الغياب لأسباب ترفيهية وهناك مواطن يأكل من الحاويات. فرئيس الحكومة وقائد الجيش يعرفان وضعهما تماما ووظيفتيهما أكثر. ويعرفان مرجعيتهما وقنواتهما.

أما المخابرات الأردنية التي نعرفها لم تعد اليوم شريكة ولا صاحبة كلمة في الشأن الاداري والسياسي للدولة. وحتى دورها الأمني في الدولة يتآكل في غمرة خضوعها هي الأخرى لاعادة الهيكلة من حيث طبيعة منتسبيها والوصف الوظيفي المطلوب لها لخدمة المرحلة الجديده والانتقال اليها. والمتابع يشهد كيف يتم تنظيفها من عناصر عادية لا تحوم حولهم الشبهات يُستغنى عن خدماتهم مبكرا بمعية القلة ممن خرجت رائحتهم.

 المهم هنا أن دور المخابرات في هذه الفترة الانتقالية يتركز بثلاث مهمات داخلية في إطار ترتيبات تسهيل العبور منها.

 الأولى، التعامل مع الحراكات في الشارع وإنهائها كي لا تشكل نواة لاستنهاض شعبي.

الثانية، هي التعاون مع الجهات صاحبة القرار وتنفيذ القرار لترتيب شارع سياسي جديد في مواجهة المحاولات السياسية الوطنية القائمه، والتي لا أرى لها نورا في الأفق ما دامت خجولة وتقليدية التشخيص للأزمة وتقليدية الاطار التنظمي والعمل.

 أما الثالثة، فهي لترتيب انتخاب وتفصيل مجلس نواب جديد لخدمة المرحلة الإنتقالية والوصول الأمن للمرحلة الجديده. فمجلس النواب الحالي بقدر ما هو مُحبِط ِ للشعب، إلا أنه استُهلك وليس هو المجلس المطلوب للإعداد للمرحلة القادمة من حيث قسوتها السياسية والنوعية المطلوبة للمجلس، وكون التوجه هو الإبقاء على القانون الذي هو من عائلة الصوت الواحد، فالتعديلات المزمعة ستكون بهذا الاتجاه لخدمة المرحلة.

 أمامنا اليوم في الدولة ملك بيده صلاحيات مطلقه تركها لغيره، وشعب أغلبيته صامتة تعاني من ظروف قاسية وجبرية قائمة، ومن أخطار وجودية قادمة، لكنه جالس ينتظر القدر. ونخب وطنية مترددة تبحث عن نفسها ولا تتفق على إطار تعاونها ولا على السقف المطلوب سياسيا. وأحزاب سياسية لم يتغير سلوكها السياسي والتنظيمي ولا علاقتها بالنظام، ولم تلحق بالحدث ولا بالأخطار المستجدة على الدولة والشعب والقضية. ونقابات مهنية تراجع دورها الوطني كثيرا جدا وعزلت نفسها عن الساحة السياسية لمصالحها المهنية، وبعض قياداتها تقتنص الفرص لتقايض مواقفها الوطنية بمصالحها الشخصية. ولا أسمي ذلك يأسا بل قصورا واختراقا.

لست بصدد الملك طبقا للطرح في هذا المقال، فلسلوكه مبرر يخصه وله سياسة تخصه واتخذ طريقه. وعلى الشعب الأردني أن يفهم ذلك واستحقاقات ذلك. كما لست بصدد الجسم السياسي لا سيما الاحزاب فهي تعلم بأنها تعمل في بيئة سياسية وقانونية مناقضه لفكرة وجودها. وجاء السماح بها في عام 1989 بعد انقطاع، لخدمة النظام في مرحلة اقتضتها الظروف الدولية والمحلية، وهي اليوم قد استكملت دورها المطلوب لها، وفي طريقها للخضوع للهيكلة التي ستغلق ابوابها وصالوناتها. ولا حسافة فالأحزاب والفكرة الحزبية لم تُصمم للأنظمة الشمولية المعادية للديمقراطية وللتحول الديمقراطي، وكان طبيعيا أن يصل فشلها لعدم القدرة على حشد هيئات عامة حقيقيقة، وطبيعيا أن تعكس لنفسها صورة منفرة لدى الشعب.

 ولست أيضا بصدد تكتلات الشخصيات الوطنية المستقلة عندما تعجز عن الظهور للشعب بقالب وشكل ومضمون جديد، وعندما تجعل من نفسها ومن عملها إطارا لتلك الاحزاب ليظهر عملها للشعب بوجه حزبي يُدوِّر الحالة الفاشلة، والفاقدة للثقة الشعبية وللقدرة على استقطاب الجمهور. بينما يتناسى الكثيرون بأن شخصية وطنية مستقلة واحدة قادرة على استقطاب أضعاف أحزابنا مجتمعة من الشعب.

بل إني بصدد هذا الشعب ومبررة في السكوت وكأنه ينتظر الخيرات والكرامة تمطرها عليه امريكا والكيان الصهيوني. نعم هناك حراك مرتبك الخطاب وانتقائي الهتاف ويحاكي مظاهر الأزمة من فساد وفقر وبطالة بدلا من محاكات أسباب الأزمة السياسية، وهناك فشل أو أفشل بتشكيل قيادة واعية ترشده وتحافظ على وجوده وتعزيزه وتنميته وعلى حمايته من الاختراق. أتفهم بأن كل تلك الأسباب جعلته فاشلا في استقطاب الجمهور أو الشعب، وأتفهم بأن تلك الحراكات ومعها الاحزاب والنقابات والتكتلات والحراكات لم تكن على مقاس خيار الشعب ولا تطاول طموحه، إلا أني وغيري لا نتفهم أن يكون الصمت هو خيار الصفر عند هذا الشعب.ولا بد من وجود سبب أعمق لديه. فما هو.

 بهذا أقول، إن الشعب الأردني على وجه العموم ما زال تحت تأثير ثقافة استعمارية كانت مصمَّمَة لخدمة المشروع الصهيوني في فلسطين والأردن، أرضعَه بها النظام ومن كان وراء النظام على مدى عقود. وعلى الشعب الأردني أن يصحى على واقعه وعلى النتائج التي يعيشها فما ينتظره هو الأسوأ. النظام قضى وطره وفك تحالفه مع العشائر وكل الشرق اردنيين. إنه في حالة انفكاك عن الدولة وتعويم لكيانه السياسي. وعلى الأردنيين أن يواكبوا طبيعة المرحلة ولا مجال بعد لأوهام تربوا عليها لتمرير المشروع الصهيوني، حتى فقدوا اتصالهم بالماضي والمستقبل وتنازلوا عن هويتهم الوطنية والسياسية لصالح هوية الملك، مقابل امتيازات الوظيفة والجاه ومكاسب قامت على الفساد تطعن بالوطن وبالوحدة الوطنية والانتماء الوطني والقومي ووحدة المصير. الأردنيون يعلمون كل ذلك ويعيشون حالة انكار وربما تأخذهم في هذا العزة الواهمة بالإثم الكبير.

على الاردنيين وقواعد العشائر بالذات أن يفهموها ليعرفوا طريقهم وخطابهم.” لقد عَبَر المشروع الصهيوني النهر ووصلكم ” وأصحابه هم من يحكمون الأن ويسيرون الاردن. أنتم اليوم عشائر مفككة بلا وزن وبلا رابط وطني ولا قومي، فبعد أن نفخكم النظام وجعل من العشائرية والقبلية على ظهوركم نهج حكم لتشيكل النقيض الأساسي لبناء الدولة الوطنية، نفَّسكم مرة واحدة. إجعلوا لصوتكم وخطابكم صدى من خارج العلبه ليكون لكم بكاؤون في العالم، عتاة الفساد المالي والسياسي والاداري وحلفاء الخيانة والتآمر في هذا النظام على هذا الوطن وعلى وحدته الوطنية والقومية هم من صلبكم فانبذوهم واجعلوا من أيديكم هي العليا.

 أنتم اليوم ضعفاء مهمشون، أوقفوا التعايش مع ثقافة العدو المدمرة واصحوا على مشروعه الذي وصلكم فهذه هي الازمة والتحدي. لن يكون لكم حليف أمين ولا داعم ولا نصير إلا شريككم في ذبيحة المشروع الصهيوني،إنهم إخوانكم الفلسطينون والمكون الفلسطيني. فأنتم بدونه طائر مكسور الجناح أمام قوة عاتية هي امريكا والصهيونية.

فضوا جلساتكم مع بعضكم واعقدوها مع إخوانكم , وتذكروا أن ملايين الفلسطينيين حاصلين على جنسيات اجنبية في دول راقية يتمتعون بحقوقها. وليس فيهم من لا يتخذ الجنسية الأجنبية أكثر من وسيلة عيش مشروعة ومتنفس لخدمة قضيته الفلسطينية، وليس فيهم من يتنكر لفلسطين وطنه. وتذكروا أن يهود الكيان الاسرائيلي كلهم يتمتعون بجنسيات دول أخرى ويسخرون تلك الجنسيات لخدمة الاحتلال. تذكروا بأن الشرعية القُطرية هي شرعية سايكس بيكو التي نستنكرها. الوطن البديل والتوطين مشروع أمريكي بريطاني صهيوني يريدون فرضه على الجميع، ليتحد الجميع ضده.

 أنتم اليوم تُظلمون نعم، بينما إخوانكم الفلسطينيون هم حالة ظلم لم تتوقف من العرب قبل غير العرب. الوطن البديل والتوطين هم أعداؤه وهم وقضيتهم المستهدفون به وأنتم محله ووسيلته. فالأخرون خدعوكم عندما قالو لكم أن القضية الفلسطينية ليست قضيتكم. وكل أردني واع وصادق في حبه للأردن وفي خوفه عليه، وصادق في مطلب العيش بكرامة وحرية، وقيِّم على أمانة السلف للخلف في وطن حر أن يضع اصبعه على الجرح الفلسطيني. إنه الجرح الأردني ذاته، ولد بنفس اللحظة مع ولادة المشروع الصهيوني ولم تكونوا يوما خارجه.

كاتب عربي
المصدر: رأي اليوم