2024-11-27 11:31 م

وفاة الرئيس مرسي.. مرحلة أكثر خطورة بمصر

2019-06-18
بقلم: ايهاب شوقي
كشف الموت المفاجئ للرئيس المصري الأسبق محمد مرسي كثيرا من مواطن الخلل التي تصيب بلدا بحجم مصر وثقلها، وهو خلل لا يليق ببلد ينتظر الجميع عودته لدوره، حيث لا تزال مصر هي الغائب الحاضر عن ضبط توازنات الإقليم وعودتها كصمام أمان يمنع انزلاقه نحو الفوضى، إذا ما مارست دورها الوازن وعادت لمعسكرها الطبيعي المتمثل في حدود توجهات ما قبل كامب ديفيد والمعاهدة المشؤومة.

ولعل هناك مظاهر متعددة تجسد هذا الخلل ويمكن أن نرصد منها ما يلي:

1ـ عدم احترام لحظة تشهد جلالا للموت والمسارعة بالتراشق السياسي بين أطراف الخصومة سواء من الشامتين في الموت أو من المؤيدين للرئيس الراحل، وهو ما أفقد اللحظة عبرتها السياسية والدينية وأحالها لطريق آخر يسيء لكلا الطرفين، حيث انحصرت اللحظة  بين شامت صريح في مصيبة خصمه، وبين مستغل يحاول تحصيل مغانم سياسية على حساب رئيسه الذي لم يوارَ في الثرى بعد!

2ـ كشف التراشق ايضا حجم الأزمة السياسية في مصر واستفحالها وحجم الاستقطاب الشديد، ليس بين الموالين للنظام وجماعة الإخوان فقط، وإنما بين المعسكرات السياسية المختلفة، فمنها من طالب باحترام اللحظة، ومنها من أعلن أن الخلاف لا ينفي التعاطف ومنها من أعلن التعاطف التام، ولم تظل هذه التباينات في إطار الخلاف فقط، وإنما تعدت ذلك لإطار التراشق أيضا، وهو ما يكشف صعوبة المشهد، وانتفاء وجود حد أدنى من التفاهمات.

3ـ أكد المشهد أيضا على حقيقة أصبحت يقينية، وهي تعاظم دور وسائل التواصل الاجتماعي ودورها الكبير، ليس فقط في إبراز الرأي العام، وإنما المشاركة في التراشق وتوسيع الفجوات وتعظيم التناقضات.

4ـ التناول الإعلامي الرسمي كان سيئا للغاية، فقد انحصر بين التجاهل التام وبين بث مواد مفادها التذكير بـ”جرائم” الإخوان، وكأن الإعلام كان مرتبكا ينتظر توجيها، ثم ما لبث أن شن هجوما على الرئيس الراحل، وكأنه يستشعر أن هناك تعاطفا شعبيا منتظرا ويجب قطع الطريق عليه، وهو ما نراه تقديرا خاطئا، بل وربما يأتي بنتائج عكسية.

5ـ على الجانب الآخر، حاولت القنوات الموالية للإخوان والدول التي تحتضن الجماعة، أن تستغل الحدث سياسيا لتوجيه الاتهامات لنظام الرئيس السيسي ومحاولة التربح السياسي، وهو تقدير خاطئ أيضا وربما يؤدي لنتيجة عكسية مفادها زوال أي تعاطف مع الجماعة في مصيبتها.

ما نود طرحه هنا هو مستقبل السياسة في مصر وتأثير مسارها الحالي على المستقبل القريب، فهل اتخذ النظام المصري وقنواته الإعلامية المحسوبة عليه حصرا ودون شكوك، قرارا بالقطيعة مع قطاعات شعبية تؤيد الرئيس الراحل محمد مرسي أو تتعاطف مع جماعة الاخوان؟

هنا نفرق بين الجماعة تنظيميا وما نراه من أخطاء جسام وبين ما نراه من أخطاء فادحة ارتكبها الرئيس الراحل وعلى رأسها قطع العلاقات مع سوريا ومعاداة المقاومة ومناصرة التكفيريين، وما تبع ذلك من أحداث دموية كان للجماعة وللرئيس الراحل نصيب من المسؤولية فيها، وبين قطاعات شعبية مصرية لا يستهان بها كانت متعاطفة بشكل غير تنظيمي مع الرئيس مرسي وجماعة الاخوان ناهيك عن قطاعات أخرى كانت متأرجحة، ثم تعاطفت مع مرسي والجماعة بعد الضغوط الاقتصادية وتردي الأحوال في ظل حكم الرئيس السيسي.

فهل حسم النظام الحاكم امره بالقطيعة ليتخذ هذا المسلك؟ وهل معاداة قطاعات شعبية ليست قليلة هو أمر يتميز بالحكمة والأمن؟

ان المسلك الاعلامي والرسمي يقود الى القطيعة وتعميق العداء وربما القيادة لعنف وانتقام، سواء كان هذا هو قرار النظام أم لم يكن قراره.
وسؤال آخر يتعلق بالقوى السياسية، فهل هذه القوى مجبرة على التعاطي بنفس طريقة النظام، أم أن هناك مسلكا سياسيا حكيما يستطيع إدارة الخصومة بشكل لائق يتناسب مع رصانة القوة السياسة ولا يخرج بها لأنماط ديماغوجية فجة؟

القطاعات الشعبية في مصر منقسمة بين متعاطف مع الرئيس الراحل حتى وان رفضت حكمه وحتى وان خرج عليه في 30 حزيران/ يونيو بحكم لحظة الموت وملابساتها المتمثلة في السجن وطول فترة المحاكمة دون حسم، وبين قطاعات واسعة غير متعاطفة، ولكن أغلب هذه القطاعات تراعي الموت وتعتبر الشماتة بالموت عيبا كبيرا وهذا البعد عن الشماتة هو ركن من اركان الثقافة السائدة بمصر.

والنظام يرتكب اخطاء كبرى، أولها المحاكمات الطويلة التي باتت أقرب للعبثية والتي لها دلالات مختلفة قد يفهمها أعداء النظام على أنها خوف فيتمادون في المعارضة، وقد يفهمها آخرون أنها انتظار لصفقة، وتتعدد الدلالات في ظل غياب المعلومات وفي ظل غياب الحسم وهو أمر جد خطير، وكأن المطلوب هو استمرار الفوضى واستمرار العداء والتهديد!

وما نحن مشغولون به هو الشعب والقوى السياسية التي يمكن أن تشكل قاطرة له، فهل هناك حدود فاصلة بين التعاطي السياسي وبين خصومة معارك الحارات الشعبية؟ وهل هناك حدود فاصلة بين الأخلاقيات ومراعاة الثقافة العامة المنبثقة من الدين والقيم وبين الخلافات والخصومات السياسية؟

وقد يقول قائل إن الأمر تخطى نطاق السياسة وأصبح هناك ثارات دموية بعد الاشتباكات الدموية وسقوط قتلى، وهو قول وجيه، ولكن درء المفاسد هنا ودرء سقوط دماء جديدة على خلفية تنامي العداء والاستقطاب وعلى خلفية الممارسات التي كان موت الرئيس مرسي أحد مشاهدها، وهو مشهد افتتاحي لمرحلة جديدة يتوقع أن تكون أكثر خطورة، ألا يحتم التعقل والتوقف لالتقاط الأنفاس ومراجعة إدارة الموقف؟