فؤاد البطانية
المشاركة في ورشة البحرين تُعبِّر بجلاء عن رضوخ عملي مبكر لصفقة القرن، وعن إعلان من المشاركين فيها بالاصطفاف المباشر مع الرؤية الصهيو – امريكية كشركاء في تصفية ملف القضية الفلسطينية وطمس حقوق شعبها غير القابلة للتصرف، إنها ترجمة على الارض منهم للاعتراف بالإحتلال ودعمه، وتجاهل بل بيع لسيرورة طويلة من تضحيات الشعب الفلسطيني والعربي وشهدائهم، وتنازل عن القواعد القانونية والمبادئ السياسية والاخلاقية والقانونية المستقرة، وعن كل ما يمثل الشرعية الدولية والأممية وقراراتها وكل ما انجز على هذا الصعيد، ولكل ما يحكم الحالة الاحتلالية التي تعيشها الارض الفلسطينية وشعبها بكل مكونات قضيته ونقل هذه الحالة للأردن. إنها تضع الشعبين الأردني والفلسطيني في مواجهة لحظة الحقيقة، وتُدخلهما على خط التحدي التاريخي مباشرة.
ليس من حق أي نظام عربي أن يقود دولته وشعبها لذبح القضية الفلسطينية تحقيقا للمشروع الصهيوني الاحتلالي لفلسطين وامتداده لإخضاع الدول العربية كلها وشعوبها لإرادة الغرب الصهيوني وإنهاء الوجود التاريخي والمعنوي والقيمي للعرب، ولا من حقه أن يقودها للمقصلة والاذلال. ومن يفعل ذلك من هذه الأنظمة يرتكب جرما بحق الوطن والشعب والأمة بحاضرها ومستقبلها، ويفقد أي ذريعة لشرعيته. إن استسلام الحاكم لا ينسحب على الشعب ولا على القضية. وشعب فلسطين ومعه الشعب الاردني والعربي في كل بقعة عربية وعلى امتداد الأرض لن يتسامحوا مع أي حاكم عربي يستسلم للاحتلال وللعدو باسم الدولة التي وجد على رأسها. وسيضع هذا الحاكم نفسه حينها في مواجهة عميقة مع شعبه ومع التاريخ والخلق الانساني وقيمه.
الموقف الأردني بالذات من القضية الفلسطينية وصفقة القرن لا يقاس ولا يقارن ولا يحسب في سياق موقف أي نظام عربي أخر لسببين وعلى النظام الأردني أن يستوعبهما. الأول، أن تصفية القضية الفلسطينية لا تكون ولا تقوم الا باستخدام الاردن وعلى حساب الاردن وشعبه. وهذا أمر يرفضه الاردنيون ولا يقايضون عليه ولا يجاملون. وهم اليوم في حالة اقتصادية معيشية واجتماعية وتهميشه لا يحتاجون فيها الى أكثر من شرارة طائشة. والثاني أن الأردن يحتضن أكبر مكون سكاني فلسطيني في العالم جله مواطنون أردنيون يملأ القهر والكبت صدورهم ويشكلون مع الأردنيين (الشعب التقليدي للقطر ) وحدة واحدة في قضية واحدة ومصير واحد أمام استهداف واحد وجامع. فالقضية قضيتهم ومسألة حياة أو موت لهم.
اللاءات الثلاث للملك تَقَبلها الأردنيون قبولا حسنا وأغمضوا أعينهم عن كونها لا تستند الى مقوماتها وأنها بالتالي غير جادة. تقبلوها استهلاكا منهم لما بقي في جعبتهم من أمل وثقة بالنظام ورغبة بالتمسك به. وإن مشاركة الاردن بأي صيغة أو صفة أو ذريعة في ورشة البحرين سينسف تلك اللاءات من أساسها وينسف أي أساس مستقبلي للثقة بالنظام وما يقوله. فتاريخ تعامل العرب مع القضية الفلسطينية هو تاريخ استدراجات لكمائن ما أن يتم الوقوع بأحدها حتى يصار فورا لاستدراجهم لكمين جديد يترك وراءه هزيمة وطعنة في جسد القضية الفلسطينية وجسد شعبها والأمة من ورائه.
لا ضغوطات خارجية تبرر لأي نظام الاستسلام لتسليم حقوق الأخرين وأوطانهم. ولا ضغوطات خارجية تستطيع كسر ارادة الشعب الفلسطيني ولا الأردني. الرؤوس تنحني أمام عاصفة مارة، ولكنها لا تنحني أمام العصف بالوطن والحقوق الوطنية والشرف وأمانة السلف والأجيال القادمه.
ورشة البحرين عنوان صفقة وطن بمال موهوم. صفقة تنازل عن الكرامة الوطنية والحقوق الانسانية بالدرهم. إنها صفقة الموت بالموت.
اراني في نفس كل فلسطيني وأردني وهو يخاطب الملك أن اخرج منها فلن تمر الا على جثة وطن وشعب. نحن نعلم بأن سلطة رام الله لا تستطيع الانضمام للصفقة في البحرين وتعْذرها في هذا أمريكا واسرائيل في موقفها. وأن البديل الذي يسد مكانها هو النظام الاردني وحده وليس مصر ولا المغرب والسعودية ولا أي دولة عربية. فأمريكا تعرف ويعرف الكيان المحتل أن ورشة البحرين في غياب فلسطين لا معنى لها ولا جدوى ولا تُعقد بدون الأردن. فهل يقبل الهاشميون أن يكونوا بديلا يطعن الشعب الفلسطيني الرافض في خاصرته وأداة لطحن الأمة وقيمها بعد أن كانوا الجماعة التي اختار الله منها رسولنا العظيم لعزة هذه الأمة ورفعتها ورفعة الانسان والخُلُق على وجه الأرض؟. لا نريد للقيادة الهاشمية المعاصرة إلا أن تكون من رهط الرسول العظيم لا من رهط غيره من الملعونين. وأن لا أن تكون جزءا من طاولة العبث بحقوق ومصالح الشعب الأردني ولا مقايِضة على أوطان ، ولا أن تنسحب من استحقاقات العقيدة والأمانة الاردنية وأمانة القضية الفلسطينية ولا أن تصبح في مواجهة الشعبين والأمة.
إنْ قَبِل النظام الهاشمي ذلك وحضر ورشة البحرين التي تمثل روح وكنه الصفقة وطبيعتها فلن تمر الأمور على خير في الاردن. فالغضبة الفلسطينية في الضفة والقطاع التي ارادوا تحاشيها بعدم اشتراك السلطة حفاطا على سلامة أمن واستقرارا الكيان المصطنع، ولسلامة الاستقرار السياسي والاعلامي الدولي للصفقة، سينقل هذه الغضبة الى الاردن وتنال من أمنه واستقراره ومن استقرار النظام أولا.
إن ما يواجهه الاردنيون بكل مكوناتهم في الصفقة وعنوانها ورشة البحرين لما تنطوي عليه سياسيا هو ليس بمستوى وادي عربة ولا كامب ديفيد ولا أوسلو، إنه بمستوى انتهاء مرحلة هذه الاتفاقيات المذلة والانتقال لمرحلة تسليم فلسطين والأردن، ودفع الدول العربية العربية وشعوبها للخضوع للقرار الغربي والصهيوني.
ولن يكون مفهوما ولا متفهَماً أن تصبح الضغوطات الأجنبية على النظام أقوى من ضغوطات الأمانة وشرف الأمة وعقيدتها. ولا أقوى من ضغوطات الشعب الضحية عندما تتفعل بفعل استحقاقات الدفاع عن النفس والوطن والعقيدة. الأمر جل خطير ولن يكون حضور الاردن بالذات لورشة الصفقة إلا أخطر لمحصلة هي في النتيجة فاشلة، ولن نقول بحضوره للبحرين بأن على هذه الأمة السلام، انها أمة باقية مع بقاء رسالتها وستخرج من المحنة وتؤدي الرسالة. لكن الحكمة مطلوبة من أصحاب القرار كما لم تكن من قبل. وعلى الملك تقع مسئولية أي قرار أردني حتى وإن اتخذه غيره أو بتأثير من غيره. وتتعاظم هذه المسئولية حين يكون لديه شعب تواق لاسناده والوقوف معه، وقادر على افقاد الضغوط الخارجية والداخلية وزنها ووجودها.
كانب وباحث عربي