2024-11-27 10:34 م

مخاطر مرحلة ما قبل الإعلان عن «صفقة القرن» ومواجهتها

2019-05-11
بقلم: العميد د. أمين محمد حطيط

كما بات معلوماً تستعدّ أميركا للإعلان عن صفقة القرن الرامية لتصفية القضية الفلسطينية وتثبيت «إسرائيل» في المنطقة بموقع ريادي قيادي. وهذه تذكّر بما كان طرحه شمعون بيرس منذ 4 عقود ضمن «مشروع الشرق الأوسط الجديد» الذي قال فيه للعرب «بمالكم وثرواتكم مع فكرنا وقيادتنا ينهض الشرق الأوسط ونسيطر على العالم». واليوم وكما أعلن كوشنر عرّاب ما أسمي صفقة القرن هذه، تحضر أميركا للإعلان عن هذه الخطة الجهنمية في حزيران المقبل بخطوطها العريضة الأساسية وببعض عناوينها التفصيلية.

والجدير ذكره، أنّ هذه الخطة وحتى من غير إعلان مضمونها بشكل رسمي وضعت موضع التنفيذ في بعض جزئياتها، وشرعت أميركا بالقيام بما التزمت به في هذه الخطة حيال «إسرائيل» خاصة لجهة فرض السيادة الإسرائيلية على الأرض المحتلة في فلسطين والجولان وإسقاط حق العودة المنصوص عليه بالقرار 194، لكن الإعلان الرسمي عن الخطة والحصول على قبول الأطراف المعنيين تراه أميركا أمراً لا بد منه لضمان نجاح هذه الصفقة وتنفيذها كما أراد واضعوها.

لقد كان مقرّراً في التخطيط الأميركي أن تطلع القوى المعنية بالتنفيذ على الخطة ويُستحصل على قبولها قبل أن تعلن الخطة رسمياً، لكن ما رشح من مواقف بعض المعنيين من رفض مطلق لهذه الخطة التصفوية جعل أميركا تتراجع وتعتمد سياسة الفرض بالأمر الواقع لبعض عناصر الخطة، والضغط المتعدد الوجوه على الأطراف الرافضة بما يفرض عليها الإذعان، ويحرمها من فرص العرقلة او التعطيل. ومن هذا الباب تطل مخاطر مرحلة ما قبل الإعلان عن صفقة القرن في حزيران المقبل، ويمكن القول إنّ الفترة التي تفصلنا عن تاريخ هذا الإعلان في حزيران المقبل ستكون مرحلة خاصة وقاسية تضغط فيها أميركا على القوى الرافضة لتصفية القضية الفلسطينية وتأتي في طليعتها مكونات محور المقاومة بدءاً بإيران وسورية وصولاً الى حزب الله والفصائل الفلسطينية في غزة، خاصة حماس والجهاد الإسلامي والفصائل الفلسطينية المقاومة في غزة وخارجها، وشاملاً العراق أيضاً.

وبمراقبة السلوك الأميركي معطوفاً على دراسة تحليلية للواقع الخاص بكلّ من تلك الكيانات الرافضة لتصفية القضية الفلسطينية، نتوصّل الى توقع او تحديد مواطن العمل العدواني الأميركي الإسرائيلي ومعه أداء خليجي عربي مساعد لضمان نجاح أميركا و»إسرائيل» في تصفية القضية الفلسطينية، ونرى التالي:

أولاً: في سورية، يسجل إمعان أميركا في تنفيذ استراتيجية إطالة أمد الصراع والتصعيد الميداني في إطار حرب استنزاف بدأتها الجماعات الإرهابية التي ترعاها تركيا بتنسيق مستتر مع أميركا، مترافقاً مع تدابير انفصالية تقوم بها الجماعات الكردية شرقي الفرات وحجب ما كانت أعلنت عنه أميركا من سحب القوات الأميركية في سورية وسحبه من التداول، فضلا عن إعادة تنظيم عمل داعش في المنطقة والانتقال بها من استراتيجية الاحتلال والسيطرة المساحية الى استراتيجية الخلايا والأعمال الإرهابية الموجعة دون أن تكون لها قواعد ثابتة. كل هذا يجري مترافقاً مع ضغط أميركي وتهديد بالتدخل العسكري في حال انطلقت سورية في تنفيذ عملية عسكرية لتحرير ادلب والتفرّغ للمنطقة الشرقية.

ثانياُ: في العراق. تسعى أميركا لإعادة إنتاج وإحياء خلايا داعش دون العودة الى السيطرة المناطقية أو تكوين ما أسمي «دولة إسلامية» بل خلق تهديد أمني فاعل ومتواصل من شأنه إرباك الحكومة والشعب في العراق ودفعهما للتمسك والاستعانة بالقوات الأميركية والاستجابة للإملاءات الأميركية في مجال تركيز القواعد العسكرية خلافاً لاتفاقية الإطار الأمني والضغط لوضع اليد على نفط العراق «تسديداً لنفقات الحرب» العدوان على العراق ومنع العراق من التدخل أو الانخراط في أي شأن إقليمي أو تعاون مع محور المقاومة.

ثالثاً في غزة. التصعيد الميداني المترافق مع تشديد الحصار على القطاع وصولاً إلى ما يمكن تسميته بحالة الاختناق العام، لإجبار القطاع على القبول بما سيُلقى إليه من فتات في خطة تصفية القرن، وإشغاله بشؤونه الذاتية خاصة الحياتية معطوفة على الوضع الأمني المتفجر لمنعه من التصدي لتلك الخطة الإجرامية.

رابعاً في لبنان: تسعير عملية الضغط المالي من باب التهويل بخطورة هذا الوضع، مترافقاً مع إعادة الجدل حول شرعية المقاومة ووجوب نزع سلاحها. ومن هنا تأتي إعادة طرح مسألة مزارع شبعا والتشكيك في لبنانيتها او التهويل بالحرب المدمرة الساحقة كما التهويل بإفلاس لبنان والتخويف من إلغاء ما قدمه مؤتمر سيدر لصالح لبنان من أموال.

خامساً إيران: تصعيد الضغوط عليها وحصارها بشكل خانق في كل المجالات الاقتصادية المؤثرة على معيشة الشعب وأداء الحكومة مترافقاً مع التهديد بالمواجهة العسكرية لإنتاج بيئة إشغال ذاتي تصرف إيران عن همومها الإقليمية خاصة في فلسطين وتجعلها تمرّر صفقة القرن من غير أي تدخل يعطلها.

باختصار يمكن القول إن فترة ما قبل الإعلان عن صفقة القرن ستكون فترة قاسية موسومة بعنوان: «النار والحصار للإشغال والترويع وفرض الإذعان» لتمكين أميركا من تصفية القضية الفلسطينية على طريقتها خدمة لـ«إسرائيل» واستباحة للحقوق الفلسطينية والعربية والإسلامية، حيث إن أميركا تخيّر المنطقة بين أمرين: إما الاستسلام والإذعان لإرادتها في تصفية القضية الفلسطينية وإقامة شرق أوسط مستعمر أميركياً بإدارة إسرائيلية أو الحرب المستمرة والتجويع للتركيع. فهل تنجح الخطة؟

اعتقد أن الردّ على استراتيجية أميركا هذه الرامية لإنتاج بيئة التسليم بمخططها، لم يتأخر وقد جاء من قبل المعنيين كل وفقاً لموقعه وقدراته ومجاله وبشكل ينبئ أن الفشل سيكون حليف أميركا أولاً في تهيئة بيئة إطلاق الصفقة، وثانياً في الصفقة ذاتها. وهنا ننوّه بما صدر عن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من مواقف قاطعة تقول إن التهويل بالحرب لن يجدي وإن الحرب التي تهوّلون بها سترتدّ عليكم عاراً ودماراً، أما إيران فقد صاغت منظومتها العسكرية الاقتصادية وعلاقاتها بشكل يُحبط الخطة الأميركية ويسقطها ويعطل كل أهدافها، ومن جهة أخرى كان التنسيق السوري العراقي في الميدان الحدودي من جهة وعمليات الجيش السوري في منطقة إدلب كافيين للقول إن خطة أميركا لن تمرّ ولن تنجح، وأخيراً شكل مشهد النار المرتدّة من غزة وحولها جواباً قاطعاً بأن القطاع لن يخضع وبأن قرار الصمود والمواجهة لا تراجع عنه مطلقاً.

وباختصار نستطيع القول بأن أميركا وأتباعها المعنيين بصفقة القرن سيحاولون بالنار والحصار إنتاج بيئة الخضوع والإذعان لخطة ما يُسمّى «صفقة القرن» بكل وحشية ولا أخلاقية وبأعمال لا شرعية ولا قانونية من أجل تمرير الصفقة وحمل الأطراف على الإذعان لها، لكن محور المقاومة وبكل مكوّناته وكل وفقاً لدائرة عمله عازم على التصدي وإفشال المسعى ومنع تصفية القضية.

إنها مواجهة مركبة قاسية خلال فترة ستكون حامية خلال الشهر المقبل وتتطلّب مزيداً من التحمل في المجال الاقتصادي واستمراراً في الحزم والقوة في الميدان.

أستاذ جامعي وباحث استراتيجي.

المصدر: البنــاء