2024-11-27 12:42 م

3 دول عربية أسهمت في الإطاحة بالبشير..

2019-05-10
قالت صحيفة The Washington Post الأمريكية إن 3 دول عربية أسهمت في الإطاحة بالرئيس السوداني السابق عمر البشير بعدما تزايدت التظاهرات ضده في أبريل/نيسان الماضي، عبر التواصل السري مع قيادات بالجيش السوداني.

وبحسب الصحيفة الأمريكية، بعد زيادة زخم الانتفاضة الشعبية ضد البشير، بدأت مصر والإمارات والسعودية التواصل مع الجيش عبر قنواتٍ سرية لتشجيعه على إزاحة الرئيس من السلطة، وذلك بحسب مسؤولين مصريين وسودانيين.

يحكم الدول العربية الثلاث مستبدون ضيَّقوا الخناق على دعوات التغيير الديمقراطي في بلدانهم. لكنَّهم كانوا لفترةٍ طويلة ينظرون إلى البشير باعتباره مشكلةً بسبب علاقاته الوثيقة مع الإسلاميين، وسئموا من ولاءاته المتبدِّلة وتواصله مع منافستيهم قطر وتركيا.

وفي الأسابيع السابقة على إطاحة الجيش للبشير في 11 أبريل/نيسان، وجدوا أنفسهم في نفس الجانب مع المحتجين المؤيدين للديمقراطية المتجمعين خارج مقر الجيش في العاصمة الخرطوم. لكن مع وجود الجيش والمحتجين الآن عالقين في محادثاتٍ متوترة بشأن مسار المُضي قدماً، على الأرجح سينظرون إلى جنرالات الجيش باعتبارهم حلفاء يمكنهم استعادة الاستقرار وإبقاء الإسلاميين خارج السلطة.

مسؤولون مصريون تواصلوا مع البرهان

تحدَّث أربعة مسؤولين أمنيين مصريين للصحيفة الأمريكية، عن تواصل ودعم حكومتهم الهادئ للفريق أول عبدالفتاح البرهان، وهو جنرال من بين الجنرالات النادرين غير المنتمين للتيار الإسلامي وسط كبار قادة الجيش السوداني، الذين يقودون المجلس العسكري الحاكم الآن. وكان المسؤولون المصريون منخرطين في الترتيب للمباحثات، وكانوا في بعض الأحيان حاضرين بها. وتحدَّثوا شريطة عدم الكشف عن هُويتهم بسبب الطبيعة السرية لعملية التواصل.

ولم يرد المتحدثون باسم وزارة الخارجية المصرية والمجلس العسكري الانتقالي الحاكم الآن في السودان على طلباتٍ متكررة للتعليق على المسألة.

ومنذ الانقلاب العسكري، نجحت مصر في الضغط على الاتحاد الإفريقي كي لا يُعلِّق عضوية السودان. وقدَّمت السعودية والإمارات 3 مليارات دولار مساعدات لدعم المجلس العسكري، واستضافت الإمارات مجموعات معارضة ومتمردة سودانية من أجل إجراء مباحثاتٍ مع الجيش بشأن المشاركة في حكومةٍ انتقالية.

ويُعَد الهاجس الرئيسي للبلدان الثلاثة هو تهميش الإسلاميين، الذين دبَّروا الانقلاب العسكري الذي قام به البشير عام 1989 وشغلوا المناصب العليا في نظامه.

تشن مصر حملة قمعٍ غير مسبوقة على جماعة الإخوان المسلمين منذ الانقلاب الذي أطاح محمد مرسي عام 2013، وهو الإسلامي الذي أصبح أول رئيسٍ مُنتَخب بحُريّة للبلاد بعد انتفاضة الربيع العربي عام 2011، لكنَّ حكمه أشعل احتجاجاتٍ جماهيرية.

السعودية والإمارات قلقتان من «الإخوان المسلمين»

وبحسب الصحيفة الأمريكية، تنظر السعودية والإمارات إلى جماعة الإخوان المسلمين وتوابعها وأفرعها الإقليمية باعتبارهم تهديداً للحكم الملكي في هذين البلدين. ودعم السعوديون والإماراتيون بقوة إزاحة مرسي، وتُصنِّف الدولتان الآن الإخوان جماعةً إرهابية، إلى جانب مصر.

وقال عطية عيسوي، وهو خبير مصري في الشؤون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة: «الهاجس الأساسي لمصر هم الإسلاميون»، مضيفاً أنَّ المحتجين كانوا «سئمين وضجرين من الحكم الإسلامي، وكان هذا في مصلحة مصر».

بدأت احتجاجات السودان في ديسمبر/كانون الأول رداً على ارتفاع الأسعار ونقص السلع والخدمات، لكنَّها سرعان ما تصاعدت إلى دعواتٍ لإنهاء حكم البشير الذي امتد ثلاثين عاماً.

دعمت مصر البشير في البداية، فاستقبله الرئيس عبدالفتاح السيسي في القاهرة في يناير/كانون الثاني الماضي. وبحسب مجموعاتٍ حقوقية دولية، منعت الشرطة المصرية تظاهراتٍ للجالية السودانية الكبيرة في البلاد، واحتجزت عدداً من النشطاء السودانيين الذين سلَّمتهم إلى الخرطوم.

وظلَّت دول الخليج محايدةً إلى حدٍّ كبير في البداية، خوفاً من انتفاضة ربيعٍ عربي مثل تلك الانتفاضات التي زلزلت المنطقة عام 2011. لكنَّها لم تُقدِّم للبشير إلا القليل، لو كانت قدَّموا أي شيءٍ أساساً، فيما كان يعاني لاحتواء الأزمة الاقتصادية التي أجَّجت التظاهرات.

أيام البشير باتت معدودة

ويقول المسؤولون المصريون إنَّ كل شيء تغيَّر في أواخر فبراير/شباط الماضي، حين تحدى المتظاهرون إعلان حالة الطوارئ وحظر التجمُّعات غير المُرخَّصة. فأدركت البلدان الثلاثة في تلك المرحلة أنَّ «أيام البشير في الحكم ربما تكون معدودة»، على حد قول أحد المسؤولين.

وقال المسؤولون إنَّه بحلول أوائل أبريل/نيسان، بات واضحاً أنَّ البشير أخفق في قمع الانتفاضة. وفي الثاني من أبريل/نيسان، تنحَّى الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، الذي يحكم الجزائر منذ فترةٍ طويلة، في مواجهة احتجاجاتٍ مماثلة، الأمر الذي ضخَّ سيلاً جديداً من الزخم في تظاهرات السودان. وفي السادس من أبريل/نيسان، أقام المحتجون اعتصاماً خارج مقر الجيش.

ووفقاً لمسؤولين مصريين، وصل في اليوم التالي وفدٌ من ثلاثة مسؤولين سودانيين من الجيش والمخابرات إلى القاهرة، وهناك التقوا مسؤولين كباراً بالمخابرات المصرية. وقال المسؤولان المصريان إنَّ الفريق جلال الدين الشيخ، نائب جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني، ترأس الوفد، بحسب الصحيفة الأمريكية.

وقال مسؤولٌ حضر الاجتماع إنَّ السودانيين استفسروا كيف سيكون رد فعل مصر في حال أزاح الجيش البشير، وما إن كان السعوديون والإماراتيون سيُقدِّمون دعماً مالياً.

وقال المسؤول: «أرادوا أن يطمئنوا».

وقال المسؤولان إنَّ الدول العربية الثلاث بعد ذلك تواصلت مع الفريق أول عبدالفتاح البرهان، والفريق أول محمد حمدان دقلو، المشهور بـ «حميدتي»، وهو قائد قوات الدعم السريع السودانية. وقد أسهم كلا الرجلين في تنسيق نشر القوات السودانية باليمن كجزءٍ من التحالف الذي تقوده السعودية لمحاربة المتمردين الحوثيين المتحالفين مع إيران. وتُعَد الإمارات عضواً قيادياً في التحالف.

البرهان ودقلو رَفَضا تنفيذ أوامر البشير

وبحسب الصحيفة الأمريكية، رفض كلٌّ من الجيش وقوات الدعم السريع أوامر من البشير لفض الاعتصام خارج مقر الجيش بالعنف، وقابل كلٌّ من الجنرالين المحتجين لمناقشة مطالبهم.

وصرَّح دقلو لوسائل الإعلام المحلية لاحقاً بأنَّه حين التقى البشير في مطلع أبريل/نيسان، استشهد الرئيس البالغ من العمر 75 عاماً بفتوى شرعية إسلامية تقول إنَّ الحاكم يمكنه قتل ما يصل إلى ثلث شعبه. وقال دقلو: «قلتُ في نفسي (حسبي الله ونعم الوكيل)». وأضاف: «كان هذا آخر ما دار بيننا».

تصاعدت التوتُّرات في الأيام التالية بعدما هاجمت القوات الأمنية المقربة من البشير الاعتصام وتدخَّل جنودٌ لحماية المحتجين. وقُتِل جنديان.

وقال مسؤولٌ مصري إنَّ الجنرالات «كانوا يخشون حدوث انقساماتٍ داخل القوات المسلحة بعد وقوف ضباطٍ صغار إلى جانب المحتجين. وقد نصحناهم بمحاولة إيجاد مخرجٍ آمن للبشير».

وقال المسؤول إنَّ مصر اقترحت استقالة البشير ومغادرته إلى السعودية. وأكَّد مسؤولٌ سوداني رفيع في حكومة البشير هذا العرض، وقال إنَّه قُدِّم لوزير الدفاع الفريق أول عوض بن عوف، والقائم بأعمال رئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم أحمد هارون، في التاسع من أبريل/نيسان.

لكنَّ المسؤال السوداني قال إنَّ البشير رفض «بغضب».

وفي صباح اليوم التالي، غيَّر الجيش الحرس الرئاسي للبشير وقطع خطوط اتصالاته، ما يشير إلى أنَّ انقلاباً كان في الطريق. ووفقاً لمسؤولٍ عسكري سوداني «صُدِم البشير وظل يصيح». وقد تحدثَّ المسؤولون السودانيون شريطة عدم الكشف عن هُويتهم؛ لأنَّهم ليسوا مُخوَّلين بالحديث إلى الصحفيين، بحسب الصحيفة الأمريكية.

والتقى البرهان وجنرالان آخران البشير قبل فترة وجيزة من الإعلان العام عن الانقلاب. وقال المسؤول العسكري إنَّ الجنرالات قالوا له إنَّهم لن يُسلِّموه إلى المحكمة الجنائية الدولية لمواجهة اتهامات ارتكابه إبادةً جماعية أو جرائم حرب خلال الصراع في دارفور في مطلع الألفية الحالية، وإنَّه بإمكانه البقاء في المقر الرئاسي تحت الإقامة الجبرية.

في النهاية اُطيح بالبشير

وفي 11 أبريل/نيسان، أعلن الجيش إنهاء حكم البشير الذي امتد 30 عاماً.

لكنَّ المحتجين ظلوا في الشوارع، خشية اعتزام الجيش الإبقاء على الجزء الأكبر من نظام البشير كما هو. فتنحَّى عوض بن عوف، الذي أعلن إطاحة البشير، من رئاسة المجلس العسكري الانتقالي في اليوم التالي، وحلَّ محله البرهان. واستقال كذلك نائبه رئيس الأركان كمال عبدالمعروف الماحي، بحسب الصحيفة الأمريكية.

واستقال ثلاثة أعضاء آخرون في المجلس، بينهم جلال الدين الشيخ الذي قاد الوفد الذي زار القاهرة، في أواخر أبريل/نيسان بعدما رفض المحتجون اللقاء معهم. وكان يُنظَر إلى الخمسة باعتبارهم حلفاء إسلاميين للبشير.

وبعد أيام من الانقلاب، نكث الجيش على ما يبدو بوعده للبشير، فأودعه بسجنٍ بالخرطوم كان يُسجَن فيه خصومه من قبل ويُعذَّبون. وأُلقي القبض على عددٍ من كبار المسؤولين الآخرين أيضاً.

لكنَّ المحتجين يقولون إنَّ ثورتهم بعيدة كل البعد عن الانتهاء، وتعهَّدوا بالبقاء معتصمين أمام مقر الجيش حتى تسليم السلطة إلى إدارةٍ مدنية. وقادوا يوم الخميس الماضي 2 مايو/أيار مسيرةً ضخمة في أرجاء الخرطوم.

وقال أحمد ربيع، أحد مُنظِّمي الاحتجاج، إنَّ التجمع «رسالة للمجلس العسكري، وكذلك للاعبين الإقليميين والدوليين، مفادها أنَّ الشعب السوداني لن يتخلَّى عن مطلبه بحكومةٍ مدنية».