2024-11-27 10:43 م

التحضيرات الثلاثة من أجل عودة العرب إلى فيحاء دمشق

2019-02-14
محمد عبد الرحمن عريف*
نعم هي سوريا التي تجتمع عليها دول من قارتين، رغم وقوعها في القارة الثالثة، وتعقد من أجلها ثلاثة مؤتمرات واجتماعات دولية، أولها في بروكسل، حيث الاجتماع الوزاري للدول العربية والأوروبية، 
وذلك تمهيداً لعقد أول قمّة للجانبين يومي 24 و25 شباط/ فبراير الجاري في القاهرة. على أن يكون أحد الملفات الرئيسة ضبط العودة العربية إلى دمشق، وتتبعها قمّة جامعة الدول العربية في تونس آذار/ مارس القادم. يحدث ذلك بعد ثماني سنوات، ومنذ 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 عندما قرّر وزراء الخارجية العرب تعليق مشاركة وفود سوريّة في اجتماعات مجلس الجامعة العربية، وكانت تلك نهاية مُبكرة للمبادرة العربية التي لم تُعمّر عملياً أكثر من ثلاثة شهور، ونهاية للدور العربي في معالجة الأزمة. نعم كان قراراً عربياً، لكنه كان أيضاً قراراً أميركياً، بمعزلٍ عمّن قاد الحملة لتنفيذه.

مرت السنوات وجاءت قمّة البحر الميت في آذار/ مارس 2017، لتتوافق على عقد أول قمّة (عربية– أوروبية) 2019 في القاهرة. وإن أكّدت الأخيرة على أن القمّة شاملة ولن تقتصر على ملف الهجرة غير الشرعية، بل ستتناول التعاون (العربي- الأوروبي) والتحديات المشتركة بين الجانبين، ومرّ عامان ليكون هذا الجديد، فهي دول أوروبية كبرى قد تُمهّد أن تشكّل القمّة شرعية لقرار قمّة تونس نحو عودة العلاقات مع سوريا. وعليه تتمسّك دول أوروبية ومانِحة بموقفها من ربط المشاركة في إعمار سوريا بتحقيق تقدّم، ودعم مهمة المبعوث الدولي "جير بيدرسون".

في الوسط يبقى هناك قرار عربي توافقي بما يسمّونه بـ"التريّث"، سواء على الصعيد الثنائي أو الجماعي، إزاء عودة العلاقات مع دمشق، جاء لأسبابٍ عدّة؛ بينها تشدُّد دمشق، سواء في ما يتعلّق بالحديث علناً أنها لن تُقدِّم طلباً إلى الجامعة العربية للعودة إليها، أو عبر التصعيد الإعلامي بأن العرب يجب أن يعودوا إلى دمشق، وليس سوريا التي تعود إلى العرب. وإن كان هناك مَن يريد سوري المُفتّتة لدويلاتٍ (طائفية ومذهبية وعرقية)، مع تجريدها من هويّتها التي تجمع كل مكوّنات المجتمع السوري وتُتيح الدفاع عن أرضها، ونزع صفات كثيرة فيها.

الحقيقة أنه في نهاية العام الماضي، توافرت عوامل أدّت إلى تسريع التقارُب بين عواصم عربية ودمشق منها، مطالب روسيّة لدولٍ عربيةٍ بضرورة رفع قرار الجامعة العربية تعليق العضوية نهاية 2011 والمطالبة بتطوير المسار الثنائي بين عواصم عربية ودمشق، بسبب وجود قناعة لدى بعض الدول العربية بضرورة عدم ترك الساحة لغيرهم. إضافة إلى زيادة الانخراط الميداني العسكري والميداني التركي شمال سوريا في إدلب والاستعداد لملء الفراغ شرق سوريا، كذلك قرار الانسحاب الأميركي من سوريا.

عليه، تبنّت دول عربية موقفاً بضرورة «عودة الدور العربي إلى سوريا» وضرورة «تبنّي موقف واقعي من الأزمة السورية». وأعلنت الإمارات فتح سفارتها في دمشق، كما أعلنت البحرين استمرار عمل سفارتها، بالتزامُن مع زيارة البشير؛ وكانت الأولى لرئيس عربي منذ 2011. كما زار مدير مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك، القاهرة. وجال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في دول عربية في شمال أفريقيا، لطرح ملف إعادة دمشق إلى الجامعة العربية ورفع قرار التجميد، بالتزامُن مع سعي دول عربية لطرح ملف رفع التجميد خلال القمّة العربية الاقتصادية الأخيرة في بيروت كانون الثاني/ يناير الماضي.

استندت دول أوروبية في "التريّث" نحو هذه العودة، للدّفع باتجاه "الفَرْمَلة"، وإن كان بعضها اتخذ مساراً ثنائياً في "الانخراط" مع العاصمة السورية. وجرى التعبير عن "التريّث" في إشاراتٍ عدّة؛ بينها أن الإمارات لم تعيّن قائماً بالأعمال، كما أن وزير الخارجية المصري تحدّث علناً عن "شروط ومعايير سياسية" يجب أن تتوافر قبل إعادة دمشق إلى الجامعة وتطوير العلاقات السياسية الثنائية، إضافة إلى حديث الأمين العام للجامعة العربية عن ضرورة توافر «التوافق العربي» لاتّخاذ قرار رفع التجميد.

يبدو ملف عودة العلاقات العربية مع دمشق حالياً بين خيارين؛ الأول، استمرار موسكو في الحشد لرفع التجميد وتطوير العلاقات الثنائية. الثاني، نصائح غربية لدول عربية بـ"التريّث" وربط الانخراط مع دمشق بتقدّم العملية السياسية، باعتبار أن دولاً غربية تعتقد أن المساهمة في إعادة الإعمار ورفع العقوبات، هي الأوراق الوحيدة في أيدي دول غربية في التفاوض مع موسكو على الملف السوري.

هنا بدا أن الأردن هو الأكثر تعجّلاً في ذلك عبر فتح معبر نصيب الحدودي، وتعيين قائم بالأعمال، وتبادل زيارات لنقابات، ودعوة البرلمان السوري إلى المؤتمر البرلماني العربي في عمّان، ظهر ذلك بعد أن اختتم وزراء خارجية (السعودية والبحرين والإمارات ومصر والكويت والأردن) اجتماعاً تشاورياً، بحثوا خلاله عدداً من قضايا المنطقة وعلاقات التعاون بين الدول المشاركة، هو اجتماع مُفاجئ لوزراء خارجية الدول الست، التي أعادت معظمها علاقاتها مع الحكومة السورية وفتحت سفاراتها.

هي توقّعات خبراء ومسؤولين من دولٍ عربيةٍ عدّةٍ، بحضور سوريا القمّة العربية المُرتقبة في تونس 2019، وإن أصبح قريباً بشكل كبير. وعليه يرى الخبراء أن كافة التطوّرات التي تجري على الأرض تؤكّد عودة الدولة السورية إلى مقعدها في الجامعة التي شاركت في تأسيسها، وأن هناك مشاورات تجري بهذا الشأن بين الدول العربية على مستوى قادتها، لبحث آلية العودة قبل قمّة تونس. كذلك فالتحرّكات التونسية في هذا الإطار تساهم في التمهيد للتوافق العربي على ذلك. وهنا فالعودة العربية إلى الفيحاء تُبقيّ على تحقيق أهدافها السياسية أو «العروبية» المعلنة. إذ أن حاجة القوى الدولية إلى العرب لإقامة توازن داخلي لا تكفي، بل ينبغي أن يكون هناك توجّه استراتيجي موحَّد تقوده الدول العربية الأساسية. فهل أضحت عودة العرب لفيحاء دمشق قريبة؟. لننتظر نتائج قِمَم واجتماعات بين (بروكسل والقاهرة وتونس).

المصدر : الميادين نت
كاتب وباحث في تاريخ العلاقات الدولية والسياسة الخارجية