ميرفت عوف/ساسة بوست
سدّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كرة قدم على رمال شاطئ كوباكابانا المشهور في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، فصفّق له البرازيليون بحرارة، ثم مضى لتناوُل الطعام والتقاط صور فوتوغرافية مع زوجته سارة، تعبيرًا عن سعادتهما البالغة في قضاء وقتهم بالبرازيل.
لكن نتنياهو الذي يزور البرازيل لم يذهب إلى هناك من أجل كرة القدم، بل من أجل تحقيق جملة من الأهداف: أعجلُها الآن انتزاع قرار من الرئيس الجديد، جايير بولسونارو بنقل السفارة البرازيلية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، ورغم عدم وضوح مدى التزام بولسونارو بنقل السفارة بسبب الضغوطات الداخلية، إلا قرار الدولة الأكبر والأهم في أمريكا اللاتينية قد أصبح قاب قوسين أو أدنى من التنفيذ، في ظل دعم بولسونارو القوي لإسرائيل بإشادة من شريحة السكان الإنجيليين الكبيرة.
نتنياهو وبولسونار.. تفاهُمات اليمين المتطرّف
استبشرت الحكومة الإسرائيلية خيرًا في ترشّح بولسونارو لرئاسة البرازيل في الانتخابات التي جرت في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، فالرجل المنتمي لأقصى اليمين هو ابن تيار المسيحيين الإنجيليين الذين يدعمون إسرائيل سياسيًا من منطلقات دينية لاهوتية.
وبالفعل، شهدت إسرائيل بأم عيْنها ما يدعم استبشارها، حين صدح بولسونارو قائلًا لصحيفة إسرائيلية عن سؤاله حول نقل السفارة إلى القدس: «إسرائيل يجب أن تكون حُرّة في اختيار عاصمتها، حين كنت أُسأل خلال الحملة ما إذا كنت سأقوم بذلك إذا أصبحت رئيسًا، كنت أجيب بـنعم، أنتم من تقرّرون ما هي عاصمة إسرائيل وليست الأمم الأخرى».
كما أنه أضاف استهانة بالفلسطينيين: «هل فلسطين دولة؟ فلسطين ليست بدولة، لذا لا ينبغي أن تكون هناك سفارة هنا». ثم أعاد التأكيد على قرارِه بعد فوزه في الانتخابات فقال: «نعتزم نقل سفارة البرازيل من تل أبيب إلى القدس، إسرائيل دولة تتمتع بالسيادة وعلينا أن نحترم ذلك تمامًا»، وعبّر نتنياهو عن تقديره لأقصى حد لموقف بولسونارو، فعجّل بتهنئته بعد فوزه قائلًا في اتصال هاتفي: «أنا مُتأكّد من أن انتخابك سيؤدّي إلى صداقة كبيرة بين بلدينا وتعزيز العلاقات الإسرائيلية-البرازيلية»، كما وعده بأن يكون أوّل الحضور في حفل تنصيبه، وبالفعل وصل نتنياهو في التاسع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) 2018 إلى البرازيل في إطار جولته لعدّة دول في أمريكا اللاتينية وللإيفاء بوعده، وقال من هناك: «إن الزيارة تاريخيّة، إنها المرّة الأولى التي يزور فيها رئيس حكومة إسرائيلي البرازيل، نحن نُنشئ هنا تحالفًا كبيرًا مع قوّة عظمى من حوالي رُبع مليار شخص».
نتنياهو مع بولسونارو في البرازيل
لكن بالرغم من السعادة التي غمرت نتنياهو خلال لقائه بولسونارو وتناوله الغذاء معًا في قلعة على شاطئ كوباكابانا، إلّا أنّ أمر نقل السفارة البرازيلية من تل أبيب إلى القدس المُحتلة اتسم بالضبابي، ورأت مصادر أن ذلك ناجم عن موقف موظّفين كبار في وزارة الخارجية البرازيليّة الرافض للقرار، وهو موقف مشابه لما تعرّض له الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ولذلك قال مصدر سياسي إسرائيلي إن مسألة نقل السفارة «أُثيرت في اجتماع بولسونارو ونتنياهو، وتُعتبرُ مسألة وقت، فالوضع مشابه لما حدث مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حينما صرّح أنه سيعمد إلى نقل السفارة، ثمّ نفّذ وعده لاحقًا».
التكنولوجيا الإسرائيليّة تُسيل لُعاب السلطة الجديدة في برازيليا
تسعى البرازيل التي تعاني من أسوأ ركود اقتصادي في تاريخها خلال العامين الماضيين إلى الاستفادة من التكنولوجيا والتقنية الإسرائيلية، وعينها تذهب إلى تعلّم آلية استغلال السياسة العامة للمساهمة في تعزيز الابتكار، وهي طامعة في الاستفادة من قطاعات الاقتصاد والأمن والزراعة والموارد المائية الإسرائيلية.
يقول سكرتير الابتكار والأعمال الجديد ماركوس فينيسيوس دي سوزا الذي زار إسرائيل: «إنّه حقًّا نموذج ابتكاري رأيناه في إسرائيل، لإسرائيل نماذج يمكن أن تساعد البرازيل في معالجة واحد من أكبر التحديات التي تواجهها، وهو تطبيق المعرفة من العالم الأكاديمي في السوق».
وأضاف عن استثمار الجامعات الإسرائيلية: «لقد أُعجبنا حقًّا بما يقومون به. حول كيفية جلب رأس مال استثماري، وكيفية جلب مرشدين، وكيفية جلب شركات من جميع أنحاء العالم من أجل القيام ببحث مشترك، وأيضًا تسويق البحوث».
كذلك، تعني إسرائيل مصالح كثيرة جراء العلاقة مع البرازيل التي فيها ثاني أكبر طائفة يهودية في أمريكا اللاتينية، حيث تضم حوالي 120 ألف يهودي، فواحدة من أهم دوافع إسرائيل نحو تعميق العلاقات مع البرازيل هو استقدام مهاجرين يهود من هذه الدولة، وقد ساعد الحكومة الإسرائيلية على تحقيق آمالها ما تسبّبت به الأزمة الاقتصادية الشديدة التي تعاني منها البرازيل في دفع يهود البرازيل وخاصة الشباب منهم نحو الهجرة إلى إسرائيل، حتى إن العام 2016 شهد تسجيل رقم قياسي لهذه الهجرة، فوصل إسرائيل من البرازيل نحو 600 يهودي برازيلي، ثم طغى على هذا العدد ما سجل في العام 2017 بوصول 900 يهودي برازيلي إلى إسرائيل، يقطنون الآن في مناطق سميت باسم «البرازيل الصغيرة».
دبلوماسيًا، تأمل إسرائيل من البرازيل باعتبارها قوّة إقليمية ودولية رئيسيّة، تغيير نمط التصويت السابق لها في المحافل الدولية، أي أن يتحوّل هذا التصويت لصالحها وضد الفلسطينيين، وتذهب إسرائيل إلى أبعد من ذلك، إذ تتوقّع من بولسونارو مستقبلًا أن يؤدي دورًا في محاربة شبكات التهريب في مثلث حدود البرازيل والأرجنتين وباراغواي، حيث يؤكد الإسرائيليون أن حزب الله اللبناني يستفيد من هذه الشبكات في تمويل نشاطه.
أمّا اقتصاديًا، فالبرازيل التي يعد اقتصادها الثامن على مستوى العالم، من الدول العشر الأولى في بنك الصادرات الإسرائيلية، وتنظر إليها إسرائيل باعتبارها سوقًا ضخمة ستخلق وظائف جديدة وستساعد الاقتصاد الإسرائيلي بشكل كبير، إذ تبلغ قيمة التجارة بين الجانبين حاليًا 1.2 مليار دولار.
وتعتبر البرازيل من بين أكبر مشتري المعدات العسكرية من دولة الاحتلال، فشركة «إلبيت سيستمز»، وهي أكبر شركة دفاعية إسرائيلية غير حكومية حصلت على عقد إطاري بقيمة 100 مليون دولار لإمداد الجيش البرازيلي بمحطات أسلحة يتم التحكم فيها عن بعد قبل عام واحد.
من ديلما إلى بولسونارو.. صعود أقصى اليمين يحمل أخبارًا سيئة للفلسطينيين
تعرض يوم العاشر من سبتمبر (أيلول) 2018 بولسونارو لمحاولة اغتيال، إذ تلقّى طعنة في المعدة حين كان في جولة دعاية انتخابية في جويز دي فورا في جنوب شرق البرازيل، وقد كان المهاجم من منظمة «PSOL»، التابعة للحزب السياسي اليساري المتطرف في البرازيل.
الأخبار التي توالت بعد هذه المحاولة أن بولسونارو قد اختار العلاج في مستشفى «ألبرت أينشتاين» في ساو باولو، أو المستشفى اليهودي كما تسمّيه صحيفة «إسرائيل أوف تايمز» الإسرائيلية، وفي هذه المستشفى خضع بولسونارو إلىعملية جراحية لإزالة كيس القولون ومعالجة أمعائه، وقالت الصحيفة إن المرشح البرازيلي آنذاك قد رفض العلاج في مستشفى عربي يختاره عادة أبرز السياسيين في البرازيل، هو المستشفى السوري – اللبناني المعروف باسم «مستشفى الأقوياء».
وبالنسبة للكثير من المحلّلين السياسيّين، يُنظر إلى انتخاب بولسونارو باعتباره تحوّلًا تاريخيًّا في البرازيل نحو أقصى اليمين، هذه البلاد التي حكمها في السنوات السابقة اليسار الاشتراكي الذي حافظ على علاقات إيجابية مع العرب والفلسطينيين، فقد اعترفت البرازيل في العام 2010 وكانت أول دولة في أمريكا الجنوبية تعترف بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، وبقيت العضو في مجموعة الدول ذات الاقتصادات الصاعدة (بريكس) تصوت بشكل قوي تأييدًا لهم في المحافل الدولية، كما وجّهت البرازيل خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في العام 2014 صفعة قوية لإسرائيل بإقدامها على سحب سفيرها من تل أبيب، ووصفت الرئيسة البرازيلية آنذاك ديلما روسيف العدوان بأنه «مجزرة»، وفي ذات العام ألغت البرازيل عقدًا كبيرًا مع شركة إلبِت (Elbit) الإسرائيلية لدورها في بناء جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية.
أما في ديسمبر (كانون الأول) 2015، فقد رفضت البرازيل تعيين الإسرائيلي داني دايان سفيرًا جديدًا في أراضيها، لكونه زعيمًا سابقًا لحركة الاستيطان اليهودي في الأراضي المحتلة، فهي تعتبر المستوطنات غير قانونية.
لكن يبدو في ظل دعم بولسونارو القوي لإسرائيل المسنود بدعم من شريحة السكان الإنجيليين الكبيرة، وبسبب ضعف استغلال الجالية العربية لقوتها السياسية والاقتصادية في البرازيل، سنشهد تراجعًا في دعم البرازيل للفلسطينيين.
نقل السفارة إلى القدس.. أقصر طريق إلى قلب ترامب!
جُملة من المصالح يأمل نتنياهو بتحقيقها جراء التحالف مع البرازيل كما أسلفنا، في مقدمتها الآن مسألة نقل السفارة البرازيلية إلى القدس المحتلة، إذ تُلحّ هذه المسألة على نتنياهو لرغبته في تحقيق نقطة تفوّق على المستوى الإسرائيلي الداخلي تخدمه في معركته الانتخابية القادمة.
وتلعب رغبة بولسونارو الجامحة في تعزيز علاقته مع إدارة ترامب دورًا هامًا في التقارب مع إسرائيل، إذ تشير بعض المصادر إلى أنّ إدارة ترامب تعمل على إقناع بولسونارو بنقل السفارة إلى القدس، وهي مقتنعة أنه سيفعل ذلك.
لكن عدّة عقبات تقف أمام تحقيق الآمال الإسرائيلية من بولسونارو، وخاصّة حُلم نقل السفارة البرازيلية للقدس، إذ إنّ هذا القرار يصدّه موقف كبار العاملين في القطاع الزراعي الذين يخشون أن تضرّ بمبيعات اللحوم البرازيلية لدول عربية، فالبرازيل هي أحد أكبر مُصدّري اللحوم الحلال إلى أسواق رئيسية بالشرق الأوسط، إذ تُقارب قيمة صادراتها من لحوم البقر 5 مليار دولار تذهب إلى 17 بلدًا عربيًا، كذلك حذّرت جهات أمنية برازيلية بولسونارو من احتمال حدوث هجمات إرهابية ضد أهداف برازيليّة.
كما أنّه في الوقت الذي من المحتمل أن يواجه بولسونارو ضغطًا قويًا من مجموعات داخلية تخشى أن تؤدّي مواقفه المتشددة إلى سياسات تهدّد المؤسسات الديمقراطية، هناك أيضًا ضغوطات على طموحات نتنياهو، وبرغم تأييد الجالية اليهودية في البرازيل لمواقف بولسونارو، إلّا أنّ هناك تحفّظات من تداعيات سياساته، ويذكر تقرير صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أن نتنياهو «سيجد آذانًا مصغية في البرازيل، لكنه سيواجه تحفّظات الجاليات اليهودية نفسها من سياسات بولسونارو في هذا السياق، وتخوّفها من تداعيات سياساته الشعبوية»، وذكرت الصحيفة أن الأمر وصل «لدرجة أن نشطاء في الجالية اليهودية في البرازيل يخطّطون لحملة احتجاج ضد الاحتضان الإسرائيلي للرئيس الجديد، بما يعيد للأذهان المخاوف والقلق لدى الجاليات اليهودية المحافظة والإصلاحية من سياسات ترامب في الولايات المتحدة، ومخاوف اليهود في المجر من سياسات أوربان».
كما أن هناك من داخل دولة الاحتلال أيضًا من يدعو القيادة الإسرائيلية إلى التعامل مع بولسونارو بحذر، ويدعون إلى عدم التماهي مع خطابه العنصري، لكون سلوكه من الممكن أن ينعكس سلبًا على المصالح الإسرائيلية في مناطق أخرى أو في البرازيل في مرحلة ما بعد بولسونارو.