نعود الى الموضوع الذي فرض علينا كتابة هذه المقدمة، التي هي الأخرى بحاجة الى تضيح وتفصيل، في وقت قريب.
الموضوع، هو المصالحة في الساحة الفلسطينية، هذا الملف الذي تنقل بين العواصم على امتداد السنوات القادمة، ومنذ عصف الانقلاب الأسود بهذه الساحة خدمة لأجندات خارجية حاقدة لم نتوقع يوما أن تنتقل الى الساحة الفلسطينية، التي تخوض صراعا منذ عقود طويلة.
هذا التنقل لملف المصالحة، ما كان ليحصل لو كان هناك اتفاق جدي على معالجته داخل البيت، لكن، ارتباط أصحاب الانقلاب في قطاع غزة، بجهة لها مصالحها الخاصة المختلفة والتي تتعارض مع المصالح والاهداف الفلسطينية، فرض على ملف المصالحة التنقل بين العواصم، وكل عاصمة لها مصالحها، وتسعى الى قبض الاثمان من وراء رعايته، وهذا ما يتضح لنا يوما بعد يوم، الى أن سقطت الاقنعة كافة، ولم تعد العواصم قادرة على مواصلة التستر، خاصة بعد التطورات الصعبة المرعبة التي يشهدها الاقليم، تطورات دفعت بجهات التحرك الى التعامل مع الفلسطينيين كصيد ثمين تريد اصطياده وتقديمه لـ (المعلم الأكبر) الذي يوفر الحماية ل، "المتقنعين" هواة لعبة الصيد.
قلنا مرارا أن حركة حماس لا تريد مصالحة حقيقية على أسس وقواعد ثابتة، مستندة الى نوايا طيبة وسليمة، وارتباطاتها بأجندات خارجية وعشق الجماعة الأم للحكم، يفرض عليها التعامل بمراوغة وتحايل حتى لا تكشق الأوراق الى جماهير هذا الشعب، ووجدت حماس مؤخرا قوى تلتقي معها، في تبادل مصالح، وأثمان يتم التداول بها "تدغدغ" عواطف قياداتها، وهي التي انتهجت منذ مؤامرة الربيع العربي سياسة الانتظار، لعل "الجماعة" تنجح في تحقيق أهداف من خططوا لهذه المؤاتمرة التي تستهدف القضية الفلسطينية وتصفيتها.
أين نحن من المصالحة؟!
المصالحة، بالطريقة التي تريدها حماس، لن تمر، والجهات التي تشد على يديها، هي الاخرى تحاول تسويق هذه الطريقة، ويبدو أن المصالحة لن تتم، ولن يصار الى مكافأة من قام بالانقلاب، كما تعتقد الجهة الراعية، وتلك التي تتفق معها، وتبارك ما تخطط له.
اللقاءات الأخيرة في القاهرة لم تسفر عن شيء، وبالتالي، باتت مثل هذه اللقاءات اشغالا والهاء ومضيعة للوقت، لقد قيل أن القاهرة طرحت مبادرة لتقريب وجهات النظر، جاءت قيادات حماس الى مصر، ثم غادرت، ووصل اليها بعد ذلك وفد حركة فتح، وتبين استنادا الى مصادر خاصة، أن المبادرة ليست مصرية كما قيل، وانما هي مبادرة حركة حماس، فكان أن رفضت فتح المبادرة "المغلفة" والسبب اتضاح المكيدة واستمرار المراوغة، وخطورة اصطفافات المصالح التي تلاقت عليها مصر والحركة.
المصادر ذاتها تقول، أن حماس تريد أن يكون اتفاق عام 2017 آلية لتنفيذ اتفاق 2011، وهذا رفضته فتح وأبلغت مصر بذلك.
وموقف حماس والمصطفين فتحوا طريقا واسعة أمام صفقة العصر، صفقة تصفية القضية الفلسطينية، والقيادة الفلسطينية، حرصا على "شعرة معاوية" كما يبدو، تحجم عن الاعلان عما يدور أو توضيحه، لا تريد أن تنتقد هذه الدولة أو تلك خاصة في هذه المرحلة، لكنها، ترفض بشدة أن تقبل باشغالها عن الاستعداد لمواجهة ما هو آت، الرفض الفلسطيني جاء قاطعا، والقيادة تريد أن ترتب الوضع الداخلي، وقرارات وتغييرات قادمة، وتحصين للمؤسسات والوزارات خشية التسلل والعبث، لكنها، ستواصل تنفيذ التزاماتها اتجاه الأهل في قطاع غزة، وغير مستعدة أن تنفق على حركة حماس.
والسؤال الذي يطرح نفسه، وموجه من منطلق الحرص، الى القيادة الفلسطينية، لماذا لا تطرح هذه القيادة مبادرة صريحة واضحة، وتدعو فيها الى حوار وطني فلسطيني شامل تحضره كافة التيارات والفصائل بما فيها حماس والجهاد وشخصيات موزونة ذات ثقل وتاريخ وكفاءة تتمتع بالنزاهة والحرص، على أن يعقد في المقاطعة برام الله.