وجاءت العملية الفاشلة شرق خانيونس التي أحبطتها المقاومة الفلسطينية لتشعل فتيل السباق الانتخابي، زاد من لهيبه التصعيد العسكري ثم الانكفاء وقفا لاطلاق النار وعدم التصعيد، فرضته عوامل عديدة، بينها، القلق الاسرائيلي من النتائج، وظهور اسلحة جديدة في ايدي المقاومة، وتباين المواقف دائرة الحسم وصنع القرار في اسرائيل، والتحركات الدولية، وجهود الوساطة، خوفا من الانفجار واتساعه وتداعياته.
رئيس الوزراء الاسرائيلي منذ أن وجهت اليه اتهامات الفساد، وهو يدرس خطوات تبقيه على دفة الحكم، ومع اشتداد الانتقادات وتصاعد الدعوات بتقديم استقالة حكومته، باتت لديه الرغبة لاطلاق صفارة تبكير الانتخابات، وسد الطريق أمام أية استعدادات قد تقوم بها الاحزاب الاخرى لخوض المنافسة، فالفترة ستكون قصيرة، وبروز شخص منافس سيكون صعبا.
لكن، أحداث غزة، وهروبا من المسؤوليات وتفاديا من تشكيل لجان التحقيق، جعلت افيغدور ليبرمان وزير الدفاع في الحكومة الاسرائيلية يفاجىء نتنياهو باطلاقه صفارة الانتخابات المبكرة واعلانه الاستقالة من الحكومة، وهنا، دخلت الساحة الحزبية مرحلة جديدة.. اتهامات واستعدادات وشراء ذمم وصياغة تحالفات حزبية، وطرح البرامج الانتخابية، ونتنياهو يتمنى "شرب" اصوات القاعدة الجماهيرية لخصميه في اليمين افيغدور ليبرمان وبينت، وتطلعات الاثنين، هي اسقاط نتنياهو عن زعامة المعسكر الوطني (اليمين) والزحف نحو كرسي رئاسة الحكومة.
في اليمين الآن صراع ثلاثي، نتنياهو ـ ليبرمان، بينت، على قاعدة جمهور اليمين واليمين المتطرف، فالتيار الأكثر تطرفا ويمينية يمتلك الفرص الأكبر للفوز في الانتخابات القادمة، فأصوات اليمين، لا تتبعثر وتصب بالكامل لمن يريده ويختاره، ونتنياهو وقد فُرضت عليه المعركة لن يكون في المرحلة القادمة "حمامة سلام"، وسيتجه الى درجة "كسر الأدوات" ليضمن الفوز والتغلب على منافسيه.
وبنيامين نتنياهو من خلال التهدئة، وعدم التصعيد في غزة، أعطى فرصة لضمان الهدوء فترة طويلة بجهود مصرية وأموال قطرية، دون أن يدفع شيئا أو ثمنا مقابل هذا الهدوء، الذي يستطيع أن يكسره متى يشاء، ولاتخاذه قرار التهدئة وعدم التصعيد أسبابه وعوامله من زاوية وجد فيها خدمة كبيرة لاسرائيل، لذلك، هو لم ينجر وراء من يرفضون التهدئة، ورغبته هي في تحقيق الهدوء في الجنوب دون أن يدفع جندي اسرائيلي واحد ثمن هذا الهدوء، وبذلك، أمسك في يديه "كروت النجاح" في المعركة الانتخابية القادمة، التي كان سيعلن عن تبكيرها قبل أن يفاجئه ليبرمان، وبذلك، سيكون على نتنياهو البحث عن مخارج وعوامل وشبابيك داخلية وخارجية تضمن له النجاح والبقاء زعيما لليمين في اسرائيل، وتحقيقا لذلك، سيكون طريق التطرف سالكا أمامه، لافشال منافسيه على زعامة اليمين بينت وليبرمان، ومعروفان بتطرفهما.
في يد بنيامين نتنياهو، بعض الاوراق كالتهدئة واختراق العواصم العربية لفتح أبواب التطبيع، لكن، معركته القادمة شرسة وقاسية، وهو بحاجة الى تفعيل عملي لجزء منها، خاصة العلاقة مع دول محور الاعتدال، يريد علانية لهذه العلاقة، ولا شك أنه يعمل على أن يقوم زعيم عربي بزيارة علنية الى اسرائيل ليستثمرها جيدا في صراعه الانتخابي، وهنا، ليس بعيدا أن تدفع واشنطن بولي العهد السعودي المثخن بالجرائم والشرور والباحث عن الحماية والاسناد بالهبوط في مطار تل أبيب، أو أن يصطحب الرئيس السيسي الرئيس الفلسطيني الى لقاء مع نتنياهو، فرئيس الوزراء الاسرائيلي أحوج ما يكون الآن الى لقاء مع الرئيس محمود عباس، ويتمنى كثيرا مساعدة من محور الاعتدال العربي تحت ذريعة أن لا تسمحوا أيها العربان بأن يقود اليمين المتطرف اسرائيل، ويبعد شبح تحقيق السلام، وسيقوم بتذكيرهم بـ "فضائله"... فهو لم يقم باخلاء الخان الأحمر، وأوقف التصعيد في غزة حفاظا على خطط التهدئة، التي قد تمتد وتتطور لتصبح هدنة دائمة.