2024-11-28 12:46 ص

صفقة القرن تأخذ العرب إلى مزبلة التاريخ..

2018-11-07
طلال سلمان

من حق رئيس حكومة العدو الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يتباهى بأنه قد غدا الآن، “سلطان” هذه المنطقة التي كانت تسمى سابقاً “الوطن العربي” والتي غدت “الشرق الاوسط”… سواء بالاحتلال المباشر، كما في فلسطين، او الاحتلال المقنع، كما في العراق، او بالحرب فيها وعليها، كما في سوريا، او في اسار معاهدات الصلح، كما في مصر، او بدعوى شرعية يهود الغرب في احتلال فلسطين المحتلة، وقد صاروا الآن “اسرائيليين”.

لقد اسقط الاحتلال الاسرائيلي والهيمنة الاجنبية وتهاوى “الدولة الوطنية” عن هذه المنطقة هويتها وبعثرتها سلطنات وممالك وامارات وجمهوريات من كرتون تحت الحماية الاميركية ـ الاسرائيلية (وهما واحد..)

وقف نتنياهو، والى جانبه زوجته، وانحنيا امام سلطان عُمان الذي حياهما بمنتهى الاحترام وكثير من الود… ثم جرت المحادثات كما بين صديقين قديمين، وخرج بعدها رئيس حكومة اسرائيل ليعلن بصراحة: لقد انجزنا احتلال هذه المنطقة، التي كانت تسمى من قبل، الوطن العربي… فلنا علاقات الآن مع مختلف دولها، ويمكننا التجول فيها بحرية، ونذهب إلى أي مكان فيها.

لا مصالح مشتركة تربط اسرائيل التي تحتل فلسطين وترتهن الارادة العربية مع سلطنة عُمان التي تقع عند طرف الجزيرة العربية، امام اليمن مباشرة، وتقابها عبر البحر ايران.. لذا يصبح السؤال مشروعاً: لماذا يستقبل سلطان عُمان رئيس حكومة العدو الاسرائيلي؟.. فلا هو قاتل في فلسطين عند هجوم العصابات الصهيونية عليها تحت رعاية الانتداب البريطاني… ولا هو قاتل اسرائيل في حروبها ضد الامة العربية 1948 و1956 و1967 و1973.. ولا هو ساعد المقاومة في لبنان على صد الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة عليه بين 1974 وحتى اجلاء العدو عن ارضه في العام 2000، ولا هو شارك في المقاومة الاسلامية وشعب لبنان وجيشه في إفشال الحرب الاسرائيلية في العام 2006، وتكبيد العدو خسائر فادحة، جعلته ينسحب يجر اذيال الخيبة.

ثم أن لسلطنة عُمان، دائماً، هامشاً من الاستقلالية، داخل مجلس التعاون الخليجي، فضلاً عن الجامعة العربية.. ولها سياستها الخاصة المتميزة عن سياسات جيرانها ـ في الجزيرة العربية، بدءا بالسعودية وانتهاء بقطر، فضلاً عن “الامارات” التي قامت على بعض من ارضها بتواطؤ بريطاني ـ اميركي معلن..

كما أن الدول العربية الأخرى قد احترمت، عموماً، الوضع الخاص لسلطنة عمان، فلم تطلب منها، مرة، ما لا ترغب فيه، او ما تراه خارجاً على سلوكها العام، عربياً ودولياً..

فلماذا، اذن، هذه الخطوة المفاجئة وغير المبررة، والتي تأتي كمكافأة مجانية لدولة العدو التي تقاتل شعب فلسطين على حقه في ارضه، فيسقط منه الشهداء والجرحى بالعشرات يومياً، وتقتلعه من بعض مدنه وقراه، بما في ذلك القدس الشريف، لبناء مزيد من المستوطنات واستقدام المزيد من المستوطنين؟!

هل تعب العرب من عروبتهم فهاجروا منها إلى هوية أخرى، كما يحدث مع اجيالنا الجديدة التي تترك بلادها بذريعة طلب العلم، فما أن تستقر في مهجرها حتى تسعى للحصول على جنسيته، متخلية عن “مواطنيتها” في بلادها حيث لا تستطيع أن تعيش بكفاءتها بكرامة؟!

أم أن العلة في انظمتهم التي ليست على وئام مع الديمقراطية، وتفضل الرأي الواحد، بلا نقاش، والرئاسة ـ الملكية بالتزكية (حيث يتعذر التوريث!!)

*****

لم تمر على هذه الامة حقبة كانت فيها ممزقة الأوصال، مختلفة دولها إلى حد العداء، متباعدة شعوبها عن بعضها بعضاً إلى حد محالفة العدو ضد الأخ الشقيق، متصدعة الكيانات إلى حد الاستعانة بالأجنبي الطامع، بل المحتل، والعدو الاسرائيلي، ضد الاهل.

وبقدر ما تسقط الدماء الطاهرة غزيرة فوق ارض فلسطين ويتعاظم تصدي الشعب المجاهد للعدو الاسرائيلي، يتزايد تآمر الأنظمة العربية عليه لإنجاز المطلب الأميركي ـ الاسرائيلي بإتمام “صفقة القرن”، أي بمسح فلسطين، واعادة “توطين” شعبها في بعض سيناء، اضافة إلى غزة، مع ابقاء ممر إلى الضفة.. والسلام!

أن “الدول” العربية التي أُبتدعت خلال الخمسين سنة الأخيرة، ولم تكن شيئاً مذكوراً من قبل، بل مجرد قبائل متناثرة في بيداء بلا حدود، ولا ماء، ولا حواضر، ولا “شعب”، قد باتت الآن “دولاً” عظمى لها جيوش من المرتزقة متعددي الهوية، بسلاح صاروخي وطيران وبحرية، تجتاح دول التاريخ، وترسل النجدات إلى انفصاليي ليبيا، حيث النفط، وتساوم دول العالم على اليمن، وتتدخل في شؤون العراق، وتقاتل ضد شعب سوريا وتحاول التحكم بالحياة السياسية في لبنان ، وتتحالف مع العدو الاسرائيلي ضد اهلها العرب: تفتح له السفارات والقنصليات، وتستقبل وفوده، وكأن فلسطين قد استقرت في الماضي، وان “العرب” قد توزعوا ـ مرة جديدة ـ قبائل مقتتلة وعشائر هائمة على وجهها في صحراء بلا حدود.

فلسطين هي الهوية: هي العروبة والاسلام والمسيحية ودين موسى.. فكيف يسقط هذا كله ويخرج العرب من التاريخ؟

*****

لكأن العرب يضيقون بأرضهم ويريدون التخلص من مساحتها الهائلة فيعرضونها لمن يرغب فيها، متوسلين إلى “الاستعمار القديم” أن يعود باسمه الحديث: الامبريالية، وهي هي الصهيونية!

لكأن عداءهم لإسرائيل التي احتلت ارضهم في فلسطين وطردت شعبها منها، وما تزال تعمل فتكاً وتقتيلاً في من تبقى منه فيها، وتقيم مستعمراتها للأجانب المستوردين من اربع رياح الارض، يهوداً او متهودين لتقبلهم فيها، قد انقلب إلى اعجاب فانبهار فتسليم بتفوقها وبالتالي بحقها في أن ترث الارض وما ومن عليها!

لكأن عرب هذه الايام يدوسون على أجداث شهدائهم ودماء جرحاهم الذين سقطوا على هذه الأرض المباركة منذ عشرينات القرن الماضي وحتى اليوم، مروراً بثورة 1936 وصولاً إلى نكبة 1948 فإلى العدوان الثلاثي 1956، فإلى حرب 1973 فإلى الحرب على مقاومة الاحتلال الاسرائيلي في لبنان (وسوريا) والتي امتدت ثمانية عشر عاماً، فإلى الحرب الاسرائيلية على لبنان 2006..

*****

صار تاريخنا ذكريات، ندوس عليها ونتقدم نحو الاستسلام وانكار الذات.

بتنا نخجل من ابنائنا: لم نورثهم الا الهزائم وانكسار الاحلام السنية.. نحدثهم عن قيام دولة الوحدة بين مصر وسوريا، في 22 فبراير 1958، فيذكروننا بالانفصال عام 1961، نحدثهم عن انتصار ثورة اليمن ضد الامام محمد البدر حميد الدين الدكتاتور الجاهلي في 26 ايلول عام 1962 بينما نحن نحتفل بانتصار ثورة الجزائر على الاستعمار الاستيطاني الفرنسي الذي استطال لأكثر من مائة وخمسين سنة… فيسألوننا عن يمن اليوم التي يدمرها “الاشقاء”، وعن سوريا اليوم التي يتواطأ عليها الشقيق مع الغريب الطامع والعدو القومي فيحاولون استعادة صورة سوريا التي كانت “قلب العروبة النابض” وينظرون الينا بإشفاق..

أما فلسطين فالكل يتجنب الحديث عنها، تارة بزعم أن عصر النضال والجهاد والتحرير وما إلى ذلك من تعابير عتيقة قد مضى وانقضى، وطوراً بزعم أن المهم أن تحجز الدول التي كانت عربية وباتت بلا هوية وبلا تاريخ، بل بلا ذاكرة، مكانا لنفسها في صفقة القرن فتعطي من حريتها ومن حقها في التقدم ما يدخلها إلى العصر الجديد..والا فإنها ذاهبة إلى “مزبلة التاريخ”!

 

رئيس تحرير وناشر صحيفة السفير