2024-11-28 01:38 ص

ما يخفيه أصدقاء الرياض ليس كما أعلنوه..

2018-11-05
تأمل بلدان عربية أن تؤدي تداعيات مقتل خاشقجي إلى تهدئة السياسات المتهورة التي ينتهجها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي أدت إلى زعزعة استقرار المنطقة منذ صعوده إلى السلطة في الرياض. وقد اندفع الحكومات العربية في الخليج والشرق الأوسط بحماسٍ الواحدة تلو الأخرى من أجل الدفاع عن الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية بعدما أشارت حملة تقودها تركيا إلى بعضٍ من أقرب معاونيه باعتبارهم مرتكبين مزعومين لعملية اغتيال الصحفي السعودي في القنصلية السعودية بإسطنبول. لكن في الدوائر السرية، أخبر دبلوماسيون ومسؤولون كبار من هذه البلاد صحيفةThe Financial Times البريطانية أنَّ موت خاشقجي، المُنتقِد للنظام السعودي، أكَّد مخاوفهم التي ظهرت في البداية من الأمير، وكانت هذه العملية هي الأحدث ضمن سلسلة من العمليات المتهورة التي تزعزع استقرار المنطقة وتُهدِّد بتعكير صفو العلاقات مع الولايات المتحدة، حامية الخليج. قال دبلوماسي عربي طلب عدم الكشف عن هويته خوفاً من أي ردٍ سعودي انتقامي: «لا تغُرَّنكم كل هذه الاحتجاجات تعبيراً عن مدى حبهم له. إنَّهم قلقون. إنَّهم يرون أميراً شاباً يمكنه أن يتربَّع على العرش لعقود. ويخشون إنه في حال استمرَّ بهذه الطريقة، وظل يقوم بتحركات سريعة وغير مدروسة لا تضع المنطق فوق القوة، فإنَّه سيذهب بالمنطقة إلى مكانٍ صعب». ويُستبعَد أن تَنتقدُ الحكوماتُ العربيةُ السعوديةَ علناً بشأن مقتل خاشقجي. لكن سرَّاً، أخبر دبلوماسيون من أنحاء المنطقة الصحيفة البريطانية أنَّ الملك سلمان يحتاج إلى تطبيق مزيدٍ من الضوابط والتوازنات لكبح جماح نجله.

يفسر مايكل وحيد حنا، المحلل الأميركي في مؤسسة القرن، وهي مؤسسة بحثية أميركية، ذلك قائلاً: «أملهم هو أن يكون فيما هو قادم مزيدٌ من التعقل في الطريقة التي يتصرف بها محمد بن سلمان. فليس من المفيد أن تحظى بتحالفٍ وثيقٍ أو شراكةٍ مع شخصٍ يُعرِّضُ مجمل المساعي للخطر». وأشار الدبلوماسي العربي إلى قلقه من الخلاف «غير الضروري» بين الأمير البالغ من العمر 33 عاماً وبين كندا هذا العام فيما يتعلق بسجل حقوق الإنسان الخاص بالمملكة؛ وإلقاء القبض في عام 2017 على أفراد من العائلة الملكية وكبار رجال الأعمال لإجبارهم على التنازل عن المليارات لصالح الدولة؛ وإجبار رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري للظهور على التلفزيون السعودي من أجل تقديم استقالته. وأشار كذلك إلى الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، التي كان ولي العهد «عاجزاً عن تحقيق النصر فيها أو إنهائها عبر صفقةٍ سياسية».

يشعر حلفاء السعودية أيضاً بالقلق من أن تقود ارتباطاته الوثيقة مع جاريد كوشنر، مبعوث الشرق الأوسط وصهر دونالد ترمب، السعودية إلى الموافقة على صفقةٍ معيبةٍ بين الإسرائيليين والفلسطينيين. السخاء المالي أبقاهم الى جوار محمد بن سلمان تعتمد كلٌ من مصر والأردن والبحرين ولبنان على السخاء المالي من جانب المملكة من أجل بقائها الاقتصادي. وليس أمام تلك الدول من خيارٍ إلا دعم الأمير السعودي في ذروة الجدل الدائر حول مقتل خاشقجي. واضطُّرت دول كثيرة منهما إظهار الولاء له من خلال حضور مؤتمر قمة الاستثمار الذي أُطلِق عليه «دافوس الصحراء» الذي نظَّمه ولي العهد أواخر الشهر الماضي، وذلك خوفاً من انتقامه. فظهر الحريري، الذي تراجع عن استقالته فور عودته إلى بيروت، على المنصة بجوار الأمير محمد في الرياض. وحضر كذلك الملك عبدالله، ملك الأردن. كِيل المديح في الغرب للأمير الشاب بسبب سياسات التحديث التي ينتهجها، مثل السماح للمرأة بقيادة السيارة وكبح نفوذ المؤسسة الدينية في البلاد. لكنَّ مسؤولاً حكومياً كبيراً في أحد البلدان العربية قال إنَّ هذه التغيُّرات عكست تحولاً جذرياً في ممارسة السلطة داخل المملكة، مصحوبةً بآثارٍ ضارةٍ على المنطقة.

قال هذا المسؤول: «لا يوجد مراكز قوى بعد الآن، ووجود مراكز القوى تلك كان يعيق الإصلاح، لكنَّه كذلك كان بمثابة ضوابط وتوازنات في النظام. أما الآن، فيملك الملك ومحمد بن سلمان -من خلال الملك- كافة السلطات، ولا يستطيع حتى المستشارين الأكبر سناً والأكثر حكمة أن يخبروه بأن يتوقف. لابد من كبح جماحه». يقارن الدبلوماسيون الإقليميون بين حزم ولي العهد وبين السلوك التقليدي الحَذِر للمملكة وتفضيلها الدائم لدبلوماسيةِ دفترِ الشيكات وبناءِ توافق الرؤى الداخلي. افتقرت السياسات في المنطقة إلى الحصافة قال مسؤول خليجي: «افتقرت السياسات في المنطقة إلى الحصافة والتعقل الذي يجب أن يكون حاضراً». وعند الإشارة إلى مقاطعة قطر من جانب السعودية والإمارات والبحرين ومصر، قال إنَّ بلاده أيضاً لديها تحفظات حول سياسة قطر، لكن «لم يكن ينبغي أن يجري التعامل معها بهذه الطريقة». يجادل البعض بأنَّ حلفاء ولي العهد يمكن أن يعانوا من خسارة سمعتهم نظراً إلى أنَّه يواجه استنكاراً دولياً متزايداً. أحد الجوانب الشاهدة على حدوث هذا هي الحرب التي تقودها السعودية ضد المتمردين المدعومين من إيران في اليمن. إذ صار المستوى المرتفع للخسائر البشرية في الصراع يُشكِّل إحراجاً يغضب واشنطن. وفي أعقاب مقتل خاشقجي، مارست الولايات المتحدة ضغوطات لإنهاء الصراع. يقول حنا: «أي شيء يجلب تدقيقاً على (سلوك) السعوديين في اليمن، سوف يحمل أثراً ارتدادياً على الإماراتيين». إذ تُعتبَر الإمارات الحليف الرئيسي للسعودية في التحالف الذي يقاتل في اليمن. ويضيف: «قد ترغب عديدٌ من الحكومات في المنطقة لو أن قضية خاشقجي تؤدي إلى صورةٍ أكثر تهذيباً ورشداً من بن سلمان، لكنّي أشك أنَّه سيتغير طواعية».