2024-11-14 11:37 م

السلام الاقتصادي.. مشوار تسير عليه الأجيال

2018-10-07

جلال سلمي

مصطلح بات مؤلوفًا لدى جمع كبير من المواطنين الفلسطينيين الذين فقدوا بوصلة المسار الناجع للدفاع عن قضيتهم التي باتت منقسمة بين تيارٍ يؤيد التفاوض على نحوٍ مُطلق، وتيارٍ يرفع السلاح، وبالتالي غير مرغوب فيه إقليميًا ودوليًا، مما أحاله ليكون في عنق زجاجة لا أفق قريبة للخروج منها وفقًا لمشاريع وطنية.

إن طرح مصطلح السلام الاقتصادي كعنوان لحل حالة الانسداد المُهيمنة على القضية الفلسطينية، يدفعنا للتساؤل عن ماهية المصطلح، وإمكان تنفيذه في الأراضي الفلسطينية.

السلام الاقتصادي نظريًا

ينبع مصطلح "السلام الاقتصادي" من نظرية السياسة الليبرالية التي تعتمد، بشكلٍ كبير، على الاتحاد الاقتصادي والمؤسساتي المترابط على نحوٍ وطيد بين الدول، يرتكز المصطلح المذكور على فلسفة التقاء المصالح عن طريق الاتحاد الاقتصادي، مُشيرًا إلى أن الدول المترابطة اقتصاديًا تضطر لحل القضايا السياسة العالقة بينها على نحوٍ توافقي، فالترابط الاقتصادي يُولد ضغط للفائدة المتبادلة التي تُخضع الدول أو الكيانات المترابطة لحلول توافقية، تخوفًا من فقدان الفائدة الاقتصادية المتبادلة بينهما، تلك الفائدة التي تؤدي لخسارة الطرفين خسارة باهظة، في حال أضر كيان بالكيان الآخر.

وفي هذا الإطار النظري، تجدر الإشارة إلى أن المؤسسات الراعية للاتحاد الاقتصادي، تلعب دورًا كبيرًا في مهمة صنع ترابط اقتصادي مُستدام، فهي تقوم بإعداد الاتفاقية الاقتصادية وشروطها بشكلٍ يجعل الدول مرتبطة ببعضها بعض بصورة وثيقة، لا تستطيع إحدى الدول التخلي عن الأخرى، مهما بلغت حدة الخلاف السياسي.

يضًا، تعمل هذه المؤسسات على تقوّية وإدامة علاقات الكيانات المُتحدة عبر توفير بيئة مناسبة لعقد الاجتماعات بين سياسيي واقتصاديي وأمنيي الكيانات المترابطة بشكلٍ دوري، في سبيل إبقاء الحماس الاتحادي موجود، مع توفير الفرص لجميع المواطنين من كلا الطرفين، يتم توثيق علاقات الاتحاد الاقتصادي على جميع المستويات.

وفيما يُطلق على النظرية الصانعة للسلام الاقتصادي اسم "النظرية الفنكوشناليزمية؛ أي الوظائفية التقنية"، تمر هذه النظرية بحسب طارحها، ديفيد ميتراني، بعدة مراحل:

ـ مرحلة زرع بذرة التقارب الاقتصادي: تحقيق تقاربات اقتصادية في مجال تجاري أو مجالات تجارية معينة عن طريق رجال الأعمال والتجار، بما يشمل تحقيق فائدة متبادلة لكلا الأطراف المتعاونة.

ـ مرحلة الاتفاقية التجارية: تُنظم التبادل التجاري وتوسعه وفقًا لمعايير قانونية تضمن حقوق الأطراف المتعاونة.

ـ مرحلة العمل المؤسسي الاتحادي: تنشأ هذه المرحلة بتأسيس مؤسسات اقتصادية تنسيقية، ترفع مستوى التعاون.

ـ مرحلة الترابط الاقتصادي: بظهور فائدة متبادلة وقريبة إلى التساوي بين الأطراف المتعاونة، يُصبح لأصحاب الفائدة، مؤسسات وأفراد، إمكان تحقيق ضغط اقتصادي وإعلامي وسياسي كبير على صناع القرار، لتجاوز الأزمات التي تحصل، ولمواصلة تطوير العمل الاتحادي الذي يُراهن فيه على الفائدة المتبادلة للاستمرار.

وهكذا بعد هذه الخطوات تصبح الدول معتمدة على بعضها اقتصاديًا لحد كبير، وبعد الوصول لهذه المرحلة يتم حل جميع القضايا السياسية بينهم عن طريق الدبلوماسية والتفاهم دون اللجوء لأي وسائل أخرى مثل المقاطعة الاقتصادية أو الحرب العسكرية، إلخ؛ وهذا هو الهدف الذي تسعى السياسة الليبرالية إلى تحقيقه من خلال تلك العملية، ألا وهو إدامة العملية التجارية التبادلية بين الدول مهما كان حجم الخلافات السياسية.

وغالبًا ما يتم إظهار الاتحاد الأوروبي، كمثال حي لنجاح هذه النظرية، إذ يُشار إلى أن دول الاتحاد تحاربت بشكلٍ شديد فيما بينها خلال الحرب العالمية الثانية، إلا أنها باتت من أكثر الدول اتفاقًا واتحادًا على صعيدٍ عالمي.

أوسلو والسلام الاقتصادي

يشيع في الأوساط الصحفية أنباء تُشير إلى أن الإدارتين الأمريكيتين السابقة والحاليّة، إدارتا أوباما وترامب، تحاولان تأسيس سلام اقتصادي في فلسطين وبلدان مناطق النزاع في الشرق الأوسط، لكن، المسار التاريخي يؤكّد أن التوجه الأمريكي نحو تأسيس قواعد السلام الاقتصادي لم يظهر للسطح مؤخرًا، بل يعود إلى عهد إدارة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، ذو التوجه الليبرالي الاجتماعي الحاضن للسلام الاقتصادي، حيث استكمل رعاية مرحلة السلام بين الطرفين الفلسطيني و"الإسرائيلي" التي بدأت على هامش مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، ولكن بتوجهٍ ليبراليٍ اقتصاديٍ تكشفت تفاصيله عبر بروتكول باريس المُوقع عام 1994.

لقد أسست اتفاقية أوسلو ومن بعدها بروتكول باريس لقواعد تعاون اقتصادي مؤسسي اتحادي بين الطرفين، بذرة التعاون الاقتصادي بين الطرفين كانت قائمة منذ احتلال "إسرائيل" للأراضي الفلسطينية كافة عام 1967، حيث بات هناك تبعية فلسطينية كاملة للاقتصاد الإسرائيلي، وجاءت مرحلة الاتفاقية الاقتصادية عبر بروتوكول باريس الذي عمل على تأسيس مرحلة العمل المؤسسي الاتحادي من خلال تأسيس اللجنة الاقتصادية الفلسطينية ـ الإسرائيلية المُشتركة التي يُناطق بها تنسيق سياسات الضرائب والصادرات والواردات وتقاسم العائدات، وغيرها.

وعلى الرغم من مرور اتفاقية أوسلو بمراحل العمل المؤسسي الاتحادي، وتحقيقها لنوعٍ من الترابط الاقتصادي، فإنها لم تؤسس للسلام الاقتصادي، فلم تلبث أن اندلعت انتفاضة الأقصى التي قضت على المسار التفاوضي الفاعل بين الطرفين.

مقالات:السلام الاقتصادي.. مشوار تسير عليه الأجيال