وفد حماس الى القاهرة، في لقاءات مع المصريين، هي "الفرصة الأخيرة" للبت الحاسم في الملفات المطروحة، ولا بد للقاهرة أيضا أن تترجم مواقفها عمليا وعلى الأرض، وتكشف الذي لم تعلن عنه بعد، بمعنى أوضح أن تضع النقاط على الحروف بشأن مواقف الأطراف ذات العلاقة، والنوايا، ومن هو الطرف المعرقل، لا أن تبقى الملفات عالقة، والفوز فقط بالمصلحة الأمنية القومية.
ملفا التهدئة والمصالحة.. من يسبق من؟! وما هي النتائج والتداعيات.. وأين هي مصلحة الشعب الفلسطيني من ذلك.. كيف سيكون شكل التهدئة، وهل ستمتد الى هدنة دائمة بين حماس واسرائيل.. ولماذا لا تكون هدنة شاملة، ترضخ اسرائيل لشروطها، وتلتزم حماس بالتفسيرات الحقيقية لها، دون الاضرار بمصالح الشعب الفلسطيني.
انها جولة "الفرصة الأخيرة" لحركة حماس، وعليها أن تدرك بأنها "تختطف" قطاع غزة، وأن لا تخضعه لمشاريعها وأهدافها وتوجهاتها وارتباطاتها الخارجية، وتمسكها بأجندات غريبة تشكل خطرا على الساحة الفلسطينية ووحدتها جغرافيا وبشريا.
وليس خافيا، أن القاهرة على اتصال مباشر مع اسرائيل بشأن الملفات المطروحة، وبشكل خاص ملف التهدئة، التي نادت بها حركة حماس منذ أعوام طويلة بعنوان: الهدنة طويلة الأمد بعيدا عن موقف القيادة الشرعية، وها هي حماس تطرحه اليوم، صراحة، وخارج الكواليس وقنوات الاتصال السرية تحت عنوان "التهدئة" التي ستتطور مع الزمن ووفق المصالح الحمساوية والاسرائيلية الى هدنة طويلة الأمد، وهذا ما تحذر منه القيادة الفلسطينية الشرعية، ورفضته منذ سنوات خلت.
جولة محادثات جديدة بين الراعي المصري وحركة حماس هي الفرصة الأخيرة، لحركة حماس، اما الوحدة الحقيقية واما الفراق الخطير، الذي تتحمل الحركة تداعياته ونتائجه وما نخشاه هو استمرار مراوغة حماس وتملصها من السير في الطريق الصحيح والمسار الأسلم، متمسكة بأجنداتها "المستوردة" و "المثقوبة"، وهي السبب في هذا العبث المدمر في ساحة قطاع غزة، التي تقترفه أنظمة متعددة، كل منها، يدفع بالمواقف باتجاه مصالحه على حساب الثوابت والحقوق الفلسطينية ولهذه الأنظمة من العلاقات مع اسرائيل ما يمكن وصفها بـ (التحالف)، فهي لا تتحرك ولا تطرح مواقف أو تطلق تصريحات الا بالتنسيق مع اسرائيل.. عبث سببه توجهات حركة حماس وسياساتها وارتباطاتها، مما سمح لتلك الانظمة باللعب في ساحة القطاع "المختطف".
بالفعل، نخشى تعننت حركة حماس، في محادثات "الفرصة الأخيرة" بالقاهرة.. بتفضيلها "التهدئة" على "المصالحة"، مدخلا للتمدد وخدمة لـ "الجماعة الأم" والأنظمة المرتدة التي تحتضنها والمضي في سياسة "الانتظار" التي أفقدتها الكثير ورهاناتها الخاسرة، التي أفقدت الشعب داعمين ومكاسب.
لا نقول هذا تخمينا وتكهنا، وانما استنادا لوقائع ومعلومات من أكثر من جهة، فحركة حماس في مقدمة أهدافها وتطلعاتها، الاستمرار في اختطاف قطاع غزة والسيطرة عليه، دون اكتراث لما يلحق بمواطنيه من خسارة وظلم ومصائب، وهناك، موقف الحركة من القيادة الشرعية، منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد لشعب فلسطين، فهي تخطط للتشويش عليها، واقصائها، وتلتقي في ذلك مع أعداء الشعب وخصومه، اسرائيل وأطراف في الساحتين الاقليمية والدولية، والحركة أيضا، لا تكترث بالتداعيات الخطيرة للتهدئة الجزئية مع اسرائيل وغير الشاملة، غير مدركة، وربما تدرك ذلك جيدا أن موقفها هذا هو اكبر داعم للتحركات الامريكية المريبة، وطروحات تصفية القضية الفلسطينية وتمرير صفقة العصر ومبقية على العبث الخارجي المدمر في ساحة القطاع، وما يجعلنا نعتقد بأن حماس لن تلتقط "الفرصة الاخيرة" هو مراوغتها بشأن "المصالحة" التي يفترض ويجب أن تسبق أي حديث عن التهدئة، لأن تحقيقها وفق قواعد ثابتة، يدرأ أخطار هذه التهدئة التي ترنو اليها الحركة.
وما لم تلتقط حماس هذه الفرصة، وتتجه نحو مصالحة حقيقية أولا.. وتدخل البيت الفلسطيني منظمة التحرير، وتشطب المرتبط بأجندة خارجية، ان لم تتجه نحو ذلك فهي ستكون الخاسرة، وتوقع في قطاع غزة الكوارث والالام وضيق الحال.
ان الاثمان المطروحة أمام الحركة لولوج بات تهدئة غير شاملة، ودون انهاء الانقسام، لا تساوي شيئا أمام انجاز وحدة حقيقية في الساحة الفلسطينية، ومدعوة لأن لا تواصل صم اذانها أمام النداءات الفلسطينية بتحقيق مصالحة على قواعد وأسس قوية ثابتة.
وما يقلق، ويجعلنا نميل نحو التشاؤم، هو تصريحات قادة حماس ومواقفهم عشية وغداة خطاب الرئيس محمود عباس، خطاب فلسطين وخطاب منظمة التحرير من على منبر الهيئة الدولية، تلك التصريحات المليئة بالتجني والظلم والحقد، التي وضعت الحركة في خانة الأعداء والمرتدين والخوارج.