بعد القرار الصادم الذي صدر عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بإغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في العاصمة واشنطن، بدأت السلطة الفلسطينية بالعمل على تجاوز تأثيرات هذا القرار؛ من خلال اتصالاتها وتحركاتها مع الدول العربية.
تحرّك السلطة لم يكن لإقناع الدول العربية بممارسة ضغوطات على الرئيس ترامب للتراجع عن قراره بإغلاق مقرّ بعثة المنظمة في واشنطن، بل للبحث عن مكان إقامة تُمارس فيه المنظمة نشاطها القنصلي وتقدّم الخدمات لأبناء الجالية الفلسطينية الموجودين في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بحسب ما صرّح به مسؤول فلسطيني لـ"الخليج أونلاين".
وأكد أن اتصالات تجري منذ أيام مع العديد من جاليات وسفراء الدول العربية لإقناعهم باستضافة مكتب بعثة منظمة التحرير ضمن مقرات سفاراتها الموجودة في العاصمة واشنطن، لممارسة جهودها بشكل "مؤقت" حتى إيجاد البديل أو تجاوز هذه الأزمة بين السلطة الفلسطينية والإدارة الأمريكية.
وفي 10 سبتمبر الماضي، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن بشكل رسمي، وأبلغت الجانب الفلسطيني بذلك، الأمر الذي اعتبره الفلسطينيون "تصعيداً خطيراً".
وفتحت منظمة التحرير، وهي الممثّل المعترف به دولياً للشعب الفلسطيني، مكتباً لها في العاصمة الأمريكية عام 1994.
- غضب واشنطن
وكشف المسؤول الفلسطيني لـ"الخليج أونلاين"، أنه حتى هذه اللحظة لم يحدث أي تقدّم بهذه الاتصالات أو التحرّكات، مؤكداً أن العديد من السفارات العربية أبلغتهم بان الأمر شائك، والسماح بعمل مكتب المنظمة في مقرات سفاراتها سيكون "خطوة مقلقة".
وذكر أن السفارات العربية تخشى الغضب الأمريكي، مستدركاً بالقول: "أعتقد أن السفارات العربية تخشى من غضب ترامب في حال سمحت لمنظمة التحرير بممارسة مهامها بشكل طبيعي من داخل مقرات سفارتها، وهذا الأمر سيئ للغاية".
واتّهم المسؤول الفلسطيني الدول العربية بعدم ممارسة أي ضغوطات على الإدارة الأمريكية للتراجع عن خطواتها التصعيدية والصادمة ضد القضية الفلسطينية، معتبراً الصمت العربي ضوءاً أخضر لترامب لفرض المزيد من القرارات القاسية والصعبة على الفلسطينيين، التي تمسّ قضيتهم بشكل مباشر.
وكانت إدارة ترامب أعلنت، في نوفمبر 2017، قرارها إغلاق مكاتب بعثة المنظمة، بعد أن طالب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بفتح تحقيق جنائي ضد الاحتلال.
لكن وزارة الخارجية الأمريكية أعلنت لاحقاً أنها ستسمح لبعثة المنظمة بمواصلة العمل ضمن مهلة "90 يوماً"، يتم تمديدها قبل انتهائها.
وسلَّم وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، في 22 مايو الماضي، طلب إحالة إلى المدّعية العامة للمحكمة الجنائية في لاهاي، فاتو بنسودا، حول الجرائم التي ترتكبها "إسرائيل"، وحينها قالت دولة الاحتلال إنها تنظر بخطورة إلى الإحالة التي قدّمتها السلطة إلى المحكمة الجنائية الدولية، زاعمةً أنه "لا شرعيّة لهذه الإحالة، ولا ولاية للمحكمة على الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي".
وانضمّت فلسطين رسمياً إلى المحكمة الجنائية الدولية في أبريل عام 2015، بعدما وقَّع الرئيس الفلسطيني على ميثاق روما بنهاية عام 2014، في حين أن "إسرائيل" ليست عضواً بالمحكمة الجنائية الدولية.
- الخوف من غضب ترامب
المفكّر والمحلل السياسي البروفيسور عبد الستار قاسم، أكّد في تصريحات خاصة لـ"الخليج أونلاين"، أن الدول العربية لن تسمح أبداً لبعثة منظمة التحرير أن تعمل داخل سفاراتها بالولايات المتحدة الأمريكية.
وأضاف: "الدول العربية لا تملك قرار مراجعة ترامب على خطواته التصعيدية بحق الفلسطينيين وقضيّتهم، وهي تخشى أن مثل هذه الخطوة يمكن أن تُغضب إدارة ترامب عليها، لذلك لن توافق على مساعي السلطة للعمل داخل مقراتها وسفاراتها".
وأوضح قاسم أن وجود رؤساء الدول العربية مرتبط بالإدارة الأمريكية، وأن معارضة أي قرار يصدر بحق القضية الفلسطينية سيدفعون هم ثمنها، لذلك لن يعترضوا ولن يسمحوا للسلطة بأن تمارس أي مهام قنصلية من خلال سفاراتها.
ولفت المحلل السياسي إلى أن الدول العربية كان لها دور كبير ورئيسي في تصفية القضية الفلسطينية؛ من خلال الصمت على القرارات التي كانت تستهدفها (القضية)، مشيراً إلى أن قرار إغلاق مقرّ بعثة المنظمة بواشنطن هو جزء من محاربة الفلسطينيين.
وبسؤال "الخليج أونلاين" عن الخيارات التي تملكها السلطة بعد إغلاق بعثتها في واشنطن ورفض السفارات العربية استضافتها، قال قاسم: "لا تملك السلطة أي خيارات للتعامل مع الهجمات التي تتعرّض لها، وأعتقد أن إغلاق البعثة هو مصلحة وأفضل للقضيّة الفلسطينية؛ لكون القائمين عليها وأغلب البعثات الخارجية للسلطة يسيئون للشعب الفلسطيني".
ومنذ تولّي ترامب الرئاسة الأمريكية، بدأ باتخاذ قرارات للضغط في إطار تنفيذ "صفقة القرن"، كان أولها إعلان القدس عاصمة لـ"إسرائيل"، ووقف تمويل "الأونروا"، والعمل على تطبيق "صفقة القرن"، وهي خطة جديدة لتصفية القضية الفلسطينية.
وتوتّرت العلاقات بين عباس ودونالد ترامب، على خلفيّة قرار الأخير اعتراف بلاده بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل"، ديسمبر الماضي، في ظل حديث تقارير غربية عن لقاء قمة سيُعقد قريباً بين الرئيسين في العاصمة واشنطن، لمناقشة تطورات عملية لسلام القائمة.