2024-11-28 04:49 م

هل يستطيع العرب إنقاذ "الأونروا" من مشنقة المال الأمريكي؟

2018-09-06
معاذ العامودي
بعد وقف التمويل الأمريكي بالكامل عبر الأمم المتحدة المقدم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين، الذي ارتفع في الأعوام الأخيرة السابقة بشكل ملحوظ منعًا لحالة الانفجار العام حتى تتضح الأمور السياسية في الإقليم ودول الجوار، وتحل مسألة غزة بشكل أساسي، تدعو أمريكا لحل الأونروا حتى تلغي قضية اللاجئين الفلسطينيين لصالح الاحتلال الإسرائيلي. 

تأسست الأونروا بموجب القرار 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949 كهيئة تابعة لها يتم تمويلها بواسطة المساهمات الطوعية من أعضاء المجتمع الدولي، لفترة تمتد حتى يونيو 1951، إلا أنه تم تمديد عملها حتى يتم التوصل إلى حل طويل الأمد لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وبدأت بعدها الأونروا تمنح صفة اللاجئ لكل من هاجر من الفلسطينيين وأبنائهم حتى اليوم، حتى وصل عدد موظفيها في العام 2015 قرابة 31000 موظف في أماكن عملها الخمس، وبمركزية مقرها القدس كما يوضح الشكل التالي الهيكل التنظيمي للأونروا. 

من أين تحصل الأونروا على تمويلها؟

تعتمد الأونروا في تمويلها على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والحكومات الإقليمية، وهذه تمنح الأونروا 92% من تمويلها، ووفق المعطيات التي قدمتها الوكالة الأمريكية للتنمية بلغ تمويل الولايات المتحدة للأونروا منذ العام 1950 حتى عام 2016 ما مجموعه 5 مليار و824.1 مليون دولار، تصاعد في السنوات الأخيرة مقارنة بالأعوام التي قبلها.

فقد وصل في العام 1993 أي مع بداية نشأة السلطة الفلسطينية قرابة 74 مليون دولار، وفي العام 2006 مع دخول حماس للانتخابات 137 مليون دولار، أما في الأعوام التي شهدت ثورات الربيع العربي خصوصًا 2014 فقد بلغ 398.7 مليون دولار وفي العام 2015 بلغ ما قدمته أمريكا للأونروا 398.7 مليون دولار، ما يعني رغبة أمريكية في زيادة اعتماد الأونروا عليها ماليًا لإحداث "سقطة التفكك" عبر الانسحاب المفاجئ.

وقد بلغ تمويل الاتحاد الأوروبي للأونروا منذ عام 2000 حتى 2015 ما قيمته 1.848 مليار يورو، وهنا يمكن الإشارة إلى أن الأونروا تعتبر ثالث أكبر داعم للسلطة الفلسطينية بعد المساعدات الدولية المباشرة المقدمة للسلطة الفلسطينية من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.

ويمكن الإشارة إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة لم تجهز الأونروا بآليات التمويل طويلة الأمد التي تتماشى مع الوضع الفلسطيني الراهن منذ نشأتها حتى الآن، وما زال تمويلها يستند بصورة شبه حصرية إلى المساهمات الطوعية لأعضاء المجتمع الدولي، وفقط 5% من موازنة الأونروا العادية هو ما تغطيه الجمعية العام للأمم المتحدة، وليس هناك نص قانوني عن مستوى ضمان تمويل الأونروا مما يجعلها عرضة للتجاذبات السياسية خصوصًا أن أكبر مانحيها هي الولايات المتحدة الأمريكية الوسيط غير العادل في عملية السلام بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، ما يعني تمامًا أن استمرارية التمويل مقترنة بالاستجابة للإملاءات السياسية أهمها شطب صفة لاجئ وعدم تقديم الخدمات لمن ولد في مواطن الشتات الفلسطيني، إضافة إلى عدم إبقاء مركزيتها في القدس.

ورغم أن السعودية تضعها السلطة الفلسطينية كأكبر المانحين لها، فإن منظمة التعاون الاقتصادي للتنمية لا تذكر ذلك، ما يعني أن المساعدات السعودية تذهب لدعم خزينة السلطة مباشرة عن طريق مساعدات ثنائية وليست متعددة الأطراف، يعني أن الداعم الأكبر للأونروا الولايات المتحدة يليها الاتحاد الأوروبي حيث يشتركان بنحو 80% من ميزانية الأونروا، مع إعلان السعودية مرات مختلفة دعمها المباشر للأونروا لتخفيف السطوة الأمريكية نتيجة التقليصات آخرها في 27 من أبريل/نيسان 2018 حيث أعلنت السعودية دعم الأونروا بـ50 مليون دولار.

أمريكا لا تريد إصلاح ما أفسدته بنفسها لتتجه نحو إغلاق الأونروا

يتحدث رمضان العمري الذي عمل كمدير مالي سابق في الأونروا عن إهدار للمال بالطراز الأول في الأونروا، فحسب موازنة 2012 و2013 كان هناك عجز مالي بقيمة 130 مليون دولار تقريبًا كرقم فارق بين مجموع التبرعات ومجموع الإنفاق المخطط له، ما يعني وجود أزمة مالية، فقد بقي جزء كبير من موازنة الطوارئ يصرف على الحراسات والمرافقين الشخصيين وتدريبهم العسكري والسيارات المصفحة، وكانت النفقات الخاصة لحماية كبار المسؤولين في الوكالة تستهلك موازنة الطوارئ. 

لكن علينا الانتباه لنقطة مهمة وفق ما أشارت له هدى صعيبي مسؤولة التواصل والإعلام في الأونروا بأن الموظفين الدوليين داخل الأونروا تموّل رواتبهم من خارج الميزانية التي تستخدمها الأونروا للخدمات، وتأتي مباشرة من نيويورك، ومن أصل 3800 موظف أونروا تقريبًا في لبنان هناك 8 موظفين دوليين فقط.

في حين قال علي هويدي مدير عام الهيئة (302) للدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين ردًا على صعيبي أن "الموظفين الدوليين الثمانية في لبنان يحصلون على راتب سنوي مقداره مليون و900 ألف دولار بمعدل 271 ألف دولار لكل موظف من الثمانية، عبارة عن راتب 3673 لاجئًا فلسطينيًا مقيمًا في لبنان".

وأكد هويدي أن المآخذ على أداء الأونروا وليس على مؤسسة الأونروا، إذ أن طمس وكالة الأونروا يعني طمس أهم منظمة أممية شاهدة على جريمة اللاجئين الفلسطينيين تاريخيًا.

ورغم أن ترامب أقر بعدم تمويل الأونروا بعد اليوم، زاعمًا أنها منحازة بشكل لا يمكن إصلاحه، فإن الفساد لم يكن وليد اللحظة، بل كان ضمن سياسة معينة تقضي بإنهاء الأونروا في الوقت الذي ترى فيه أمريكا أنه حان وقت إنهائها، واليوم تماشيًا مع عدة خطوات خطيرة من أمريكا فيما يتعلق بقضايا الحل النهائي، القدس والحدود واللاجئين، كان عليها إغلاق أكبر غطاء مالي وسياسي للاجئين في المحافل الدولية وهي الأونروا التي تعطي حق اللاجئ لكل لاجئ فلسطيني هاجر من بلاده عام 1948 أو عام 1967 مع توريث حق اللجوء لأبنائهم، وهو ما ترفضه أمريكا، وتدعو لحل قضية اللاجئين، فقضية الفساد المفتعلة اليوم جاءت ضمن سياسة أمريكا لإنفاذ مخططاتها ضد الفلسطينيين. 

منذ سنوات طويلة تعلم الولايات المتحدة الأمريكية أن الفساد طال وكالة غوث وتشغيل اللاجئين - الحديث عن فساد مالي بالدرجة الأولى - حيث التكاليف المرتفعة للمصاريف الإدارية والتشغيلية مقارنة بما يجب أن يصرف على وكالة تعني بالإغاثة والتشغيل للاجئين، فيتقاضى كثير من العاملين الأجانب في فروعها الخمس رواتب مرتفعة مع امتيازات خاصة كبيرة.

لكن أمريكا صمتت طويلاً على فساد الأونروا في انتظار الفرصة المناسبة لنزع محتواها السياسي بحجة الإصلاحات الهيكلية أو إغلاقها، رغم تلقي الأونروا مساعدات تمويلية خلال السنوات الثمانية الماضية تعني بإصلاحها مقدمة من أستراليا وكندا والدنمارك والاتحاد الأوروبي وإيطاليا وهولندا والسويد وسويسرا وأمريكا. 

الفلسطينيون والعرب.. من البديل عن المال الأمريكي؟

تعقيبًا على القرار الأمريكي بوقف تمويل الأونروا، قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب المصري طارق رضوان إن "توقف أمريكا عن تمويل وكالة الأونروا بمثابة إعلان عن انتهاء دورها كراع لعملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية"، في حين اعتبر رئيس مجلس النواب الأردني عاطف الطراونة أن "قضية اللاجئين واحدة من ملفات الحل النهائي، ولا يمكن التنصل من حقوق اللاجئين الفلسطينيين التي تعترف بها الشرعية الدولية"، وطالب الطراونة "دعم مقترح أردني بإدراج بند طارئ لدعم "الأونروا" على جدول أعمال الاتحاد البرلماني الدولي المنوي عقده منتصف الشهر المقبل في جنيف، أمام القرار الأمريكي الذي يمس حقوق اللاجئين في المقام الأول دون أي اعتبارات أخلاقية أو قانونية".

أما رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري فقد طالب باجتماع عاجل للجامعة العربية من أجل إصدار قرار بتمويل "الأونروا"، معتبرًا الإدارة الأمريكية تسعى لإلغاء الحق الفلسطيني. ومن ناحيتها وصفت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حنان عشراوي التصريحات الأمريكية والإسرائيلية ضد الأونروا تشكل "إهانة مباشرة، واستهانة بالمجتمع الدولي وقوانينه ومؤسساته، إضافة إلى أنها تستهدف بشكل فعلي ومتعمد اللاجئين الفلسطينيين وحقوقهم المكفولة بالقانون الدولي والدولي الإنساني".

أما حركة حماس فقد دعت لإنشاء صندوق مركزي للأمم المتحدة للتدخل من أجل دعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" وتغطية عجزها المالي.


وتسعى أمريكا لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الأردن مقابل امتيازات مالية وسياسية، وترحيل أكبر قدر من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وإعادة توطينهم في دول اللجوء، مقابل امتيازات مالية للحكومة اللبنانية لتوطين ما تبقى منهم، وفي سوريا بفعل الحرب تم تهجير وهجرة كثير من اللاجئين الفلسطينيين هناك، يذكر أن الأردن ولبنان في مقدمة الدول التي تعاني مديونية كبيرة لصندوق النقد الدولي، ما يصبح فرصة أكبر للمساومة على شطب الديون مقابل صفقة سياسية تعيد توطين اللاجئين، وهو ما يرفضه حتى اللحظة هذان البلدان اللذان يحتويان أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين في الشتات. 

وعقب رغبتها في تمرير مشاريع اقتصادية قد تعكف أمريكا على إنشاء مشاريع اقتصادية للضفة وغزة تستطيع تعويض الفراغ الذي قد يحدثه تعطيل الأونروا أو حلها، ما يعني مشاريع اقتصادية دون أي محتوى سياسي، قد ترغب في توجيهها عبر حماس التي ترفض الشروط الأمريكية أصلاً لأي صفقة اقتصادية بعيدًا عن محتواها السياسي، أو تشمل أي تنازل عن المبادئ الفلسطينية.

فهل تستطيع أمريكا فرض توجهاتها على الأطراف الدولية الفاعلة وعلى الفلسطينيين والعرب؟ وهل تستطيع الأونروا الخروج من العباءة الأمريكية إلى المظلة العربية بعيدًا عن المال السياسي الموالي تمامًا للاحتلال الإسرائيلي؟