2024-11-28 06:29 م

اصلاحات بن سلمان.. أراد أن يكحلها فأعماها

2018-07-04
مع مرور قرابة العامين على رؤية السعودية 2030، التي أعلنت عنها المملكة في أبريل 2016، وتبناها محمد بن سلمان، تتزايد التساؤلات حول تلك الرؤية.. فماهي الاصلاحات التي اتخدها بن سلمان في بلاده؟! ما مدى التاثيرات لهده الاجراءات على الساحة السعودية، وهل ايجابية كانت أم سلبية؟ ما الاهداف التي تبعها بن سلمان وماوراء كواليس هذه الاهداف في رؤيته الإصلاحية؟!!

شهدت السعودية بقيادة  محمد بن سلمان، في الآونة الأخيرة سلسلة قرارات تضمنت التخلي عن عدد من القوانين والأعراف الرسمية، التي اعتمدتها البلاد على مدار عقود.

ولكن لم نشهد اصلاحات جذرية كان يدعي بن سلمان اجراءها على الساحة السعودية في كافة المجالات وباستثناء مشروع مدينة “نيوم” السياحية الترفيهة، ولم يتحدث “بن سلمان” عن مشاريع قومية عملاقة، كما لم يقدم رؤيا حقيقة تحل أزمات البلد النفطية الكبرى، التي بدأ شعبها يعاني من أزمات اقتصادية لم تكن في حسبانهم على الإطلاق، حتى بات كثير من المواطنين السعوديين، ينتظرون المنح التي تصرفها لهم الحكومة في صورة إعانات على الغلاء والمعيشة.

كما أن المواطنين السعوديين لم يجنوا من رؤيا الإصلاح الاقتصادي التي أعلن عنها “بن سلمان” حتى اللحظة، سوى ارتفاع في أسعار كثير من السلع والمنتجات بعد رفع الدعم بصورة جزئية عن النفط والمحروقات، إلى جانب فرض ضرائب تسمى بضريبة القيمة المضافة.

يقول مارتن شولوف الكاتب المتخصص في تغطية شؤون الشرق الأوسط في مقاله:" إن السعودية شهدت بالفعل العديد من التغيرات الكثيرة كان أبرزها السماح للنساء بقيادة السيارات وحضور المنافسات الرياضية والدخول لقاعات السينما وأن مع وصول المملكة لهذه اللحظة، تبدوا الأمور غامضة وغير واضحة واقتناع المجتمع السعودي بالتغيير يحدث ببطء في البلد التي اعتادت مقاومة أي تغيير.

ويرى شولوف أن حملة التغييرات التي يقودها ولي العهد، تجعل أبناء المملكة في وضع غير مستقر ويؤكد بأن نظرية العلاج بالصدمة التي يتبعها ابن سلمان قد لا تنجح في مجتمع محافظ كالمجتمع السعودي.

والسبب هو أن الطبقة المتوسطة في السعودية التي تضم موظفين لا يفضلون معارضة الحاكم لكنهم يتبعون أساليب أخرى في منع قراراته التي تتعارض مع أفكارهم.

اجراءات محمد بن سلمان وتغيير شاكلية السعودية !

اتخذ محمد بن سلمان العديد من الاجراءات والقرارات، وبعض تلك القرارات كانت جديدة على المجتمع السعودي، أبرزها السماح للنساء بقيادة السيارة،ودخول ملاعب كرة القدم وإقامة الحفلات الغنائية وافتتاح دور السينما!!!

ورغم كل هذه التغيرات الاصلاحية !!... البطالة والفقر في السعودية شبحان يهددان المواطن السعودي. 

وتتضمن الإحصائيات والبيانات الرسمية أرقاما غير واقعية، منها أن نسبة البطالة بين السعوديين تستقر عند مستوى 12.8 % وانخفاض معدل البطالة الإجمالي إلى 5.8 %، وهو ما لا يتوافق مع الواقع المعيشي، الذي تبرزه التقارير الدولية المحايدة.

وشواهد تفاقم مشكلة الفقر والبطالة وسوء توزيع الثروة والتفاوت الطبقي، وتفشي الفساد، فضلاً عن سيل مقاطع الفيديو المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي حول حجم الفقر والبطالة والمعاناة التي تحملها استغاثات المواطنين السعوديين التي تقطعت بهم سبل الحياة الكريمة في البلد النفطي الثري.

ويشير خبراء إلى أن البيانات تظهر الاقتصاد السعودي في وضع حرج، حيث لا يخلق فرص عمل كافية للداخلين الجدد إلى سوق العمل السعودي، وأن خلق فرص العمل سيكون التحدي الرئيسي لبرنامج الإصلاح الزعوم، كما أن القطاع الخاص يعاني من الإصلاحات المالية وانخفاض الإنفاق الحكومي، لافتين إلى أنه رغم الضغط على المغتربين، فإنهم لا يرون نموا كافيا في الوظائف بين المواطنين لتعويض خروجهم من السوق السعودي.

ورغم التكتم والتعتيم، فإن تقديرات التقارير غير الرسمية التي ترجحها جهات دولية، تشير إلى تفاقم نسبة الفقر والبطالة لتتراوح ما بين 15 و25% أو ربما أكثر، من إجمالي عدد السعوديين البالغ 20.4 مليون نسمة، وهو ما أكدته صحيفة واشنطن بوست الأميركية، في تقرير رصدت فيه تزايد معدلات البطالة والفقر لما بين 2 و 4 ملايين سعودي.

مشيرة إلى أنهم يعيشون على أقل من 530 دولارا شهريا، بما يعادل (17 دولارا يوميا)، مؤكدة أن السعودية تخفي هذه النسب والمعدلات عن مواطنيها تجنبا لتفاقم الأوضاع وخروجها عن سيطرتها، بل تذهب تقديرات أخرى إلى القول بأنها تصل إلى 25 أكثر في صفوف الشباب.

كما أنه وبحسب مسح أخير لشركة “إبسوس” العالمية للأبحاث، فإن البطالة تتصدر أبرز الأمور التي تقلق السعوديين بحسب مؤشرات سابقة عام 2017، يتبعها الخوف من الإرهاب، وفق تقارير إعلامية.

وفي ظل مُضي قيادة السعودية في تنفيذ رؤيتها الوهمية للاقتصاد السعودي، ومواصلة مخططاتها التخريبية في المنطقة وتبديد ثروات السعوديين على حروبها وتدخلاتها في مقدرات الشعوب الحرة، تتوقع تقارير دولية أن يرتفع معدل البطالة في المملكة العربية السعودية بحلول نهاية الربع الثاني من العام الجاري إلى مستويات قياسية، وفقا لاقتصاديات التجارة العالمية والنماذج الكلية وتوقعات المحللين.

فلم يستطع محمد بن سلمان رغم ادعاءاته الاصلاحية والترفيهية ان يقنع الغرب بجدواها وجديتها.

حيث دعت مجلة إيكونوميست البريطانية، محمد بن سلمان إلى معامله شعبه كمواطنين لا رعايا، معتبرة ان الاصلاحات التي يجريها مشوهة، ولن تنجح في تغيير الصورة النمطية التي رسمها العالم للسعودية.

وأكدت المجلة في تقرير لها بعنوان "كيف يضمن محمد بن سلمان نجاح إصلاحاته"قائلة : ان ولي العهد أضاف أعباءً غير ضرورية لعملية الإصلاح أبرزها :

الحملة العسكرية غير المدروسة باليمن، التي أفرزت أسوأ أزمة إنسانية في العالم حاليا، وجلبت الجوع والمرض لليمنيين والصواريخ الباليستية إلى السعودية فضلا عن الحملة العنيفة لعزل قطر، وها هو الآن يسعى لشق قناة لفصل الأخيرة عن دول الخليج الفارسي، وهو بذلك في طريقه إلى تدمير دول مجلس التعاون الخليجي، الذي كان بمثابة أهم نادٍ لأثرياء النفط في العالم.

و هاهو ابن سلمان بات يُنظر إليه في الخارج على أنه متهور؛ حيث لطخ سمعة السعودية بشدة حينما أقدم على احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في الرياض، وأجبره على الاستقالة من منصبه، ولم تحل الأزمة إلا بعد تدخل غربي وضغوط دولية.

وفي الداخل السعودي هو انه ابن سلمان طور مذاقا خاصا للقمع؛ حيث ازدادت عمليات الإعدام في عهده، وتم اعتقال عدد كبير من المعارضين. كما نهجه  الإقتصادي هو منهج غريب، وتولي ابن سلمان السلطة أضعف بنية أسرة آل سعود، وقوض المؤسسات الدينية، وعرض رجال الأعمال للاضطهاد.

إن القيود التي فرضت على المجتمع السعودي بحجة الاصلاحات والتغييرات الدراماتيكية في السياسة الداخلية في السعودية، فهي كلها ليست الا تحسينات ظاهريّة وإعلامية، لأن الهياكل السياسية والاجتماعية في السعودية فقد بقيت على حالها ولم يغير أبداً في الهيكلية الأساسية للسعودية.

إصلاحات بن سلمان وحسب ما أكد المُحلل السياسي البريطاني "الكسندر ميركوريس" تهدف إلى إسكات الأصوات المعارضة له أو المدافعين عن حقوق الإنسان.

حيث يؤكد ميركوريس أن النظام السعودي وتحت حكم بن سلمان يتخذ في سبيل معالجة المعارضة الداخلية نهجاً قمعياً للغاية، مضيفاً: "من المهم أن نتذكر أن إصلاحات محمد بن سلمان كان استجابة لأزمة النظام السعودي، وقد رأينا بالفعل أن حملة مكافحة الفساد استخدمت لإسكات منتقدي محمد بن سلمان.

ما لا يقال عن محمد بن سلمان

هو إنه محمد بن سلمان يسعى من خلال تقربه إلى السلطات في أميركا ومحاولاته عقد صفقات سلاح بمبالغ خيالية وسعيه الحثيث من أجل إقناع الشركات الأميركية للاستثمار في بلاده إلى حماية حكمه وتعزيز قبضته على البلاد.

فهو أحوج مما يكون إلى ذلك لأنه لا يحظى بالتأييد من قبل أبناء عمومته الأكثر منه علما وخبرة في إدارة شؤون البلاد الذينأقصاهم وجردهم من مناصبهم وسجن بعضهم ومنع آخرين من مغادرة البلاد.

إن السلطة المطلقة التي يملكها محمد بن سلمان مصدرها والده الذي يرى أن ابنه هو الأقدر على ترسيخ حكم آل سعود وحصر الملك في سلالته بدون الحاجة إلى إشراك الشعب في الحكم أو إرضاء الأمراء كما جرت العادة في العهود السابقة.

وخلاصة القول...

إن محمد بن سلمان يسعى إلى حماية نفسه من أقاربه ومن شعبه. فبدلا من الحرص على مصالحة أفراد عائلته ومنح أبناء شعبه حقوقهم الأساسية وإطلاق سراح سجناء الرأي وبدء حوار وطني، يراهن ابن سلمان على الحماية الأميركية بحجة المحافظة على استقرار الأوضاع وأمن المصالح الأميركية ومنابع النفط.

وأخيرا، لم يجرؤ أي من أولئك الكتاب الأميركيين، الذين يدافعون بشراسة عن حقوق المهاجرين في بلادهم، على الحديث عن الظلم والاضطهاد والاستغلال الذي يتعرض له الأجانب في السعودية، خاصة بعد وصول محمد بن سلمان إلى المنصب وإطلاق رؤية 2030 التي فتحت الباب على مصراعيه للعنصريين.

فتنامت ظاهرة كراهية الأجانب وتعددت الحملات المطالبة بترحيل الأجانب، بمن فيهم مواليد السعودية الذين يعيشون في البلاد منذ عقود، وسعودة الوظائف التي يشغلونها كما تضاعفت رسوم تجديد رخص الإقامة وتمت إضافة رسوم على المرافقين تتضاعف كل عام.

كما أن محمد بن سلمان يسعى، من خلال استقطابه لكتاب الرأي الأميركيين والتعاقد مع جماعات العلاقات العامة، إلى الترويج لنفسه وللإصلاحات الشكلية التي يقوم بها في السعودية. فيما يحرص الكتاب على مدح ما يمكن مدحه وغض النظر عن المطالب الحقيقية والحقوق الأساسية التي يتمتعون بها في بلادهم ولا يسمحون لأحد بتجريدهم منها أو مقايضتهم عليها.

* ف. رفيعيان