2024-11-28 06:49 م

فورين بوليسي: ابن سلمان رمى الفلسطينيين تحت الحافلة

2018-06-25
نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا للصحافية المقيمة في الولايات المتحدة داليا حتوقة، تقول فيه إن الدول العربية والولايات المتحدة تخلت عن القضية الفلسطينية، وتعتقد أنها تستطيع تركيع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. 

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، التقى مع مبعوث الرئيس دونالد ترامب للشرق الأوسط جيسون غرينبلات وصهر ومستشار الرئيس الأمريكي جارد كوشنر الأسبوع الماضي؛ لمناقشة المشاريع الإنسانية في غزة، وانتقل الاثنان بعد ذلك إلى قطر؛ لمناقشة كيفية تخفيف المعاناة الإنسانية في القطاع، وذلك كجزء من الترويج لخطة السلام التي يتم الحديث عنها بشكل متواصل. 

وتعلق الكاتبة قائلة إن "التركيز على غزة سيكون مثار غضب الرئيس عباس، وحتى قبل بدء الجولة فإن مستشاري الرئيس عباس البارزين وصفوا الجولة بأنها (لا معنى لها)، و(مضيعة للوقت)، إلا أن رحلة غرينبلات وكوشنر في الأردن وقطر ومصر وإسرائيل حدثت بالفلسطينيين ودونهم".

وتلفت المجلة إلى أن السلطة الوطنية في رام الله قاطعت المحادثات مع إدارة ترامب، بعد قرار الأخيرة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إليها، مشيرة إلى أن السلطة الوطنية تراقب منذ عدة أشهر العلاقات القوية بين إدارة ترامب وبعض دول الخليج بنوع من الازدراء، ففي لقاء مغلق جرى في آذار/ مارس بين ابن سلمان وقادة يهود أمريكيين في نيويورك، هاجم فيه الفلسطينيين بأنهم لم يتركوا مناسبة إلا وضيعوها، وقال إن عليهم القبول بأي صفقة تعرض عليهم. 

وينقل التقرير عن الصحافي الإسرائيلي باراك رافيد، الذي اعتمد على مصدر كان في الاجتماع، قوله إن تصريحات ابن سلمان أدهشت الحاضرين، لدرجة أن "بعضهم وقع عن كرسيه" فعلا، لافتا إلى أن موقفه مختلف عن موقف الملك عبدالله بن عبد العزيز، الذي هدد عام 2001 بقطع العلاقة مع الولايات المتحدة في حال لم تتحرك وتوقف الهجوم الإسرائيلي على الفلسطينيين أثناء الانتفاضة الثانية.

وتفيد حتوقة بأن العلاقات الثنائية الدافئة المتزايدة بين السعودية وإسرائيل لم تمر دون أن تلاحظها السلطة الوطنية، التي لاحظت تأكيد ترامب منذ بداية رئاسته على ما أطلق عليها "الصفقة الكبرى" بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأهمية الدور الذي تؤديه دول المنطقة فيها، لافتة إلى أن السلطة الوطنية راقبت بنوع من الدهشة منح الرياض الإذن للخطوط الجوية الهندية باستخدام أجوائها الجوية في رحلاتها إلى إسرائيل. 

وتذكر المجلة أن ابن سلمان اعترف في مقابلته مع مجلة "ذا أتلانتك" بحق إسرائيل في ملكية أراض، مشيرة إلى أنه في الوقت الذي قاطعت فيه السلطة الوطنية اللقاء في واشنطن عن الأزمة الإنسانية في غزة، الذي عقد في آذار/ مارس، إلا أن عددا من الدول العربية حضرته، بينها الإمارات العربية المتحدة والسعودية ومصر، بالإضافة إلى إسرائيل.

ويجد التقرير أن "القضية الفلسطينية لم تعد نقطة التركيز في أجندة المنطقة، بل إيران ودورها في اليمن وسوريا والعراق، وفي العادة ما يعبر القادة العرب عن دعمهم للقضية الفلسطينية، لكن الفلسطينيين يعرفون أن هذه البيانات مجرد تظاهر، فلم يصل أي دعم لغزة في مرحلة ما بعد حرب 2014، لإعادة إعمار القطاع، فيما توقف الدعم الدولي للمنطقة، وبدلا من ذلك فإن الحكومات العربية حرفت اهتمامها لمعالجة المشكلات الداخلية، وتحقيق الاستقرار، ومواجهة العدو الإقليمي، مثل إيران، والمشكلات العربية- العربية، وقتال تنظيم الدولة".  

وتورد الكاتبة نقلا عن المحاضر في ميريلاند والزميل غير المقيم في معهد بروكينغز شبلي تلحمي، قوله إن "القادة العرب لا يتجاوزون في أولوياتهم القضية الفلسطينية، لكن لديهم الحوافز كلها" لوقف الرأي العام عن دعمها؛ لأنها تمثل تهديدا عليهم، ففي الوقت الذي كانت فيه الحكومات قادرة على استخدام الدعم الشعبي لفلسطين لحرف الأنظار، إلا أن الناس يستخدمونها إسفينا؛ لأنهم لا يستطيعون مواجهة الحكومة مباشرة"، على المستوى المحلي من ناحية المظالم، وغياب فرص العمل والفقر.

وتستدرك المجلة بأنه رغم كلام محمد بن سلمان بشأن القضية الفلسطينية، حيث قال إن علاقات بلاده لن تتحسن مع إسرائيل إلا في حالة حصل تقدم ملموس على مسار الملف الفلسطيني، إلا أنه استخدم نزاعات المنطقة المختلفة  لمواجهة إيران، وحرف الانتباه عن قضيتهم، منوهة إلى أن الفلسطينيين الآن اكتشفوا أنهم لا يستطيعون الاعتماد على حلفائهم التقليديين في العالم العربي، ولم يعد لديهم النفوذ بسبب التناسق في العلاقة الإسرائيلية السعودية، والخلافات الفلسطينية الفلسطينية، واعتمادهم الكامل على المساعدات الخارجية.

وينوه التقرير إلى أن واحدا من الخيارات الأخيرة هو اللجوء للمجتمع الدولي، كما فعلوا بالطلب للانضمام للمنظمات والمعاهدات الدولية، كجزء من استراتيجيتهم للاعتراف بدولتهم، أو تقديم شكاوى لمحكمة الجنايات الدولية؛ أملا في الضغط على إسرائيل ومحاسبتها على أفعالها، لافتا إلى أن هذا الأسلوب نجح في حينه، إلا أن المناخ الدولي الحالي مختلف الآن عنه في عهد إدارة باراك أوباما، وأكدت إدارة ترامب بوضوح أنها ستقف أمام معارضي إسرائيل في الأمم المتحدة.

وتنقل حتوقة عن المدير التنفيذي للحملة الأمريكية من أجل الحقوق الفلسطينية يوسف مناير، قوله: "لم يعد هناك مجال للحوار الثنائي والحصول على اعتراف بالدولة الفلسطينية، الذي كان استراتيجية منظمة التحرير الدولية، وفي ظل غياب الدعم الخارجي، الذي يوفر الفرص للداخل، فإن الفلسطينيين أمام أزمة شرعية، ولم تعد أمام السلطة الوطنية أي خطة للوراثة، رغم القيادة الفلسطينية العجوزة، 82 عاما هو عمر الرئيس محمود عباس، الذي يقود منذ عام 2005". 

وتشير المجلة إلى أن المصالحة الفلسطينية تبددت في آذار/ مارس، بعد محاولة اغتيال رئيس الوزراء رامي الحمد الله ومدير المخابرات ماجد فرج في غزة، وعمليات الملاحقة في الضفة الغربية للمتعاطفين مع حركة حماس.

ويذهب التقرير إلى أنه "دون حكومة موحدة، وعملية خلافة واضحة، فإن قيادة السلطة الوطنية ستجد نفسها أمام خيار أو خيارين سيئين: المشاركة في عملية السلام وبشروط أقل من الماضية، أو المضي في طريقها دون الدعم الغربي الذي تعتمد عليه في الإدارة والعمل، وهذا يعني اختفاء رواتب 145 ألف موظف مدني في الأراضي الفلسطينية المحتلة".

وتقول الكاتبة إنه "بالنسبة للفلسطينيين العاديين، فإن الوضع مثل لهم فرصا جديدة، مثل المشاركة في حملة المقاطعة لإسرائيل، أو المشاركة في حركة اللاعنف، مثل مسيرات العودة الكبرى في غزة، ويمكن من خلال هذا النشاط بروز قيادة جديدة تعكس مطالب القاعدة الشعبية، وبحسب استطلاع، فإن ثلثي الفلسطينيين طالبوا باستقالة عباس، وكان لحركة المقاطعة أثر على الاقتصاد الإسرائيلي، فإلغاء رحلات الفنانين والمغنين العالمين ترك أثرا كبيرا على سمعتها، أكثر مما تركه انضمام السلطة الوطنية إلى منظمات الفيدراليات الأوروبية".

وبحسب المجلة، فإن الإحباط الفلسطيني من السلطة في تحقيق حلم الدولة بدا من خلال حرف الأولويات لدى الدول العربية، بشكل جعل من مسارات الصفقة السعودية الإسرائيلية الأمريكية أكثر وضوحا، فهي تنص على دولة منزوعة السلاح دون القدس الشرقية، دولة دون سيادة واستمرارية جغرافية وحل غير مناسب لمسألة اللاجئين.

ويورد التقرير أنه بحسب تقرير لمجلة "نيويوركر"، فإن ابن سلمان وكوشنر اتفقا على تحالف استراتيجي في الشرق الأوسط لإحباط تأثير إيران، وإجبار الفلسطينيين على قبول التسوية، وقال ابن سلمان واصفا الاتفاق: "سأجلب الفلسطينيين، وسيجلب (ترامب) الإسرائيليين". 

وتعلق حتوقة قائلة إن "تعليقات الملك القادم كانت مثل الموسيقى على أذني رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يعتقد أن الواقع الإقليمي الجديد يجعل من التوصل لحل مع الفلسطينيين غير ضروري وأقل إلحاحا، وهذا بخلاف المبادرة السعودية عام 2002، التي عرضت على إسرائيل اندماجا كاملا في المنطقة مقابل الانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 1967، ورفضت إسرائيل الخطة، وبدلا من ذلك مضت في بناء المستوطنات في الضفة الغربية، التي غضت الإدارات الأمريكية المتتابعة النظر عنها، واليوم تجد إسرائيل الفرصة لتطبيع علاقاتها مع دول المنطقة، لكن دون تسوية".

وتفيد المجلة بأن السعودية والإمارات العربية المتحدة تحركتا من محاولات التعاون السري مع إسرائيل للحديث علنا عن استعدادهما ورغبتهما لبناء علاقات أبعد من الصلات السرية.

ويجد التقرير أنه تم إضعاف أعداء إسرائيل التقليديين أو تحييدهم اليوم، فتم دمج القيادة الفلسطينية من خلال الدعم الأمريكي، ونجت المعاهدتان الأردنية والمصرية من أكبر الأزمات الدبلوماسية، وتم تقسيم كل من العراق وسوريا من أجل مواجهة وهزيمة تنظيم الدولة".

وتقول الكاتبة إنه ليس الجميع مقتنعا أن يثمر تحالف فعلي بين الدولة العربية وإسرائيل ضد إيران، دون تقدم على الملف الفلسطيني، حيث قال المستشار البارز للمنظمة الحكومية والدولية "مركز بيريس للسلام" نداف تامير، في مؤتمر مجموعة "جي ستريت" السنوي: "الذين لا يتعاملون مع النزاع الإسرائيلي الفلسطيني من منظور رابح- رابح، بل من خلال عملية صفرية يعتقدون أنهم يستطيعون بناء علاقات أفضل، وتحالف مصالح بين إسرائيل والدول العربية وسيلة لتجاوز القضية الفلسطينية".

وتبين المجلة أن إدارة ترامب تتفق مع بنيامين نتنياهو على أن هناك فرصة لتسوية من خلال علاقات دافئة بين إسرائيل والدول العربية، التي ستقوم بدورها بالضغط على الفلسطينيين للرضوخ، فبالنسبة لترامب، فإن "هذا عقد وما عليك إلا أن تجد ثمن الصفقة"، كما يقول المستشار السابق للأمن القومي في إدارتي ريتشارد نيكسون وجيمي كارتر، ويليام كواندت، حيث تحدث في مؤتمر في واشنطن، قائلا: "وإذا كان السعوديون مستعدين لتمويلها فكيف سيقول الفلسطينيون لا لهم؟"، وكان كواندت عضوا في فريق التفاوض في كامب ديفيد عام 1979، حيث قال: "نحن عالقون بسياسة أمريكية لا تقود إلى أي مكان، وعندما تفشل فلا يوجد ما تعتمد عليه".
 
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالقول إن "الفلسطينيين تعلموا أن الدعم العربي متقلب، مثل المسارات السياسية للمنطقة، وتجد القيادة الفلسطينية نفسها مرة أخرى ضعيفة ومتشرذمة، فيما تزيد الدول العربية من ضغوطها، وخياراتهم محدودة: يمكن وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، وتفكيك السلطة، وإجبار إسرائيل على تحمل المسؤولية عن احتلالها العسكري، أو تبني العصيان المدني وأساليب حركة المقاطعة، لكن على المستوى الوطني، وربما رضخوا لابن سلمان والمتآمرين الآخرين في الخطة، من خلال التركيز على إضعاف حركة حماس، ومعاقبة الفلسطينيين في غزة لأنهم ولدوا هناك".