علي أبو الخير*
الانتصار المصري على الإرهاب، يعني انتصار مصر على القوى الكبرى، كما يعني بداية النهاية للموجة المغولية/التتارية/الصليبية الجديدة، وعندما ينتهي الإرهاب يمكن أن تقوم قوى المقاومة بالانتصار على الصهيونية، فقد مهّدت مصر الأرض لها، حمى الله مصر والعرب والإسلام والمسلمين من خطر الإرهاب وخطر الاستعمار لأنهما وجهان لعملة واحدة.
منذ فجر يوم الجمعة التاسع من شباط/فبراير 2018، بدأ الجيش المصري بالتعاون مع قوات الشرطة عملية شاملة تحت مُسمّى "سيناء 2018"، حيث كلّف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، الجيش المصري، بإنهاء الإرهاب الموجود في سيناء، ومواجهة المؤامرات والمُخطّطات التي تستهدف النيْل من مصر وشعبها، وزعزعة الاستقرار والأمن القومي الخاص بمصر، وعلي الفور، أتمّت القوات المسلحة استعداداتها، وبدأت عملياتها، وهي عملية ممتدّة، ليس في شبه جزيرة سيناء وحدها، ولكن عند كل الحدود المصرية في الشمال والجنوب والشرق والغرب، وتشترك في ذلك القوات البحرية والجوية، أي أنها معركة مُتكامِلة، وتُعتبَر امتداداً للحروب التي دافعت فيها مصر عن نفسها وعن المنطقة بأسرها، طوال تاريخها الإسلامي على وجه الخصوص.
ونكاد نجزم أن انتصار مصر على الإرهاب سيكون له رد فعل عربي/إسلامي/عالمي، لأن الإرهاب يُهدّد المنطقة، إرهاب عالمي مُتعدّد الجنسيات، عاث فساداً في سوريا وليبيا واليمن والعراق ومصر في سيناء، كما شهد العالم الأوروبي والأميركي إرهاباً دامياً في باريس ولندن ومدريد ونيويورك وغيرها من المدن التي اعتقدت أنها بمنأي عن الإرهاب، وهي التي ساعدت التكفيريين والإرهابيين وأعطتهم الأسلحة والأموال، ليُمزّقوا المنطقة العربية، ومن ثم صار الأمر وكأنها حرب عالمية ضد قوى الشر الإرهابية والاستعمارية الصهيونية على السواء، ومن هنا تأتي الحرب الأخيرة على الإرهاب وأوكاره في مصر، لتُمهّد الطريق للانتصار على الإرهاب العالمي انطلاقا من الدولة المصرية، وهو أمر له جذوره التاريخيه، وارتباطاته الجغرافية، وهو ما نحاول توضيحه.
من المعروف تاريخياً أن مصر لم تتهدّد من الجهة الغربية أو الجنوبية، التهديد دائماً ما كان يأتي من الشرق والشمال، فدائماً الحملات الاستعمارية أو المغولية جاءت من الشرق حيث الهجوم التتري، ومن الشمال حيث الإغريق والروم قديماً والغرب الأوروبي حديثاً، وتُعتبَر مصر آخر القِلاع العربية/الإسلامية، وأول الخطوط النهضوية للمنطقة العربية، والمحاولة الوحيدة لفتح مصر من الغرب كانت على يد الدولة الفاطمية، وهي ما لا نعتبره غزواً، بل فتحاً في ساحة الإسلام المُترامية الأطراف، وبالتالي لم تسقط قاعدة التهديد للدولة المصرية من الغرب إلا في السبع سنوات الأخيرة، بعد ما يُطلق عليه الربيع العربي، فبعد سقوط الرئيس الليبي الأسبق معمّر القذافي شهدت ليبيا الإرهاب، ومن خلاله هدّد الحدود المصرية الغربية، وفي الجنوب يوجد تهديد مائي من خلال بناء الدولة الأثيوبية سد النهضة، وعلى ذلك الأساس نجد أن الأمر أخطر من السابق، فالتهديد من كل الجهات، وهو ما تتعامل معه الدولة المصرية بالحزم السياسي، عند كل حدود الدولة، وهي الحرب التي نعتقد أن الانتصار فيها سيكون انتصاراً للعرب والمسلمين وكل الإنسانية.
لقد تعرّضت مصر في تاريخها الإسلامي لثلاث غزوات مُدمّرة للشرق العربي بأسره، وتمكنّت من الانتصار على تلك الغزوات المأساوية، فأنقذت العالم الإسلامي من التدمير، ولولاها لقالت كُتب التاريخ :"هنا كان يوجد مسلمون"، كما قال إبن الأثير في تاريخها "الكامل".
في الغزوة الأولي وهي الحروب الصليبية دافعت مصر مع الشام عن الوجود العربي، فحرّرت بيت المقدس عام 1187 بعد تسعين عاماً من الاحتلال الأوروبي للمدينة المُقدّسة في فلسطين، على يد صلاح الدين الأيوبي، وهو رغم مآخذنا السياسية عليه، إلا أنه كانت له البداية في تحرير المسجد الأقصى، وتهيئة النفوس المسلمة للاعتقاد أنه يمكن النصر على الفرنجة طالما توحّدت الجهود وخلصت النيّات.
وفي الغزوة الثانية، حاول الفرنسيون العودة إلى بيت المقدس من خلال احتلالهم لمصر، فجاءت حملة لويس التاسع من خلال ميناء دمياط على البحر المتوسّط، وسارت في نهر النيل فتصدّى لها المصريون في معركة المنصورة، وتمّ أسر الملك لويس عام 1250، وفشلت الحملة على فلسطين عندما أُسِر لويس في دار القاضي ابن لقمان في المنصورة، الذي تحوّل إلى متحف قومي يشهد أن المصريين أسروا أعظم ملوك أوروبا، وهو ما يُساوي رئيس الولايات المتحدة الأميركية في أيامنا المُعاصِرة المأساوية.
وقبيل الانتهاء الصليبي من الشرق العربي، جاء المغول في الغزوة الثالثة، ليجتاحوا العالم بأسره، فغزا المغول والتتار الصين وروسيا والنمسا وباقي أوروبا، كما اجتاح المغول الشرق الإسلامي كله، عاثوا في الأرض فساداً، فاحتلوا خوارزم وسمرقند وبخارى وفارس ودمّروا بغداد عاصمة الخلافة في العراق، ثم عبروا نهر الفرات نحو الشام، وكانوا يعتقدون أن النصر حليفهم كان ظل ممكناً من قبل، ولكن الجيش المصري تمكّن من الانتصار عليهم في معركة "عين جالوت" في فلسطين عام 1260 ميلادية بقيادة القائدين سيف الدين قطز وركن الدين بيبرس البندقداري.
وبعد أن انهزم التتار، انقطعت خطوط الإمداد والاتصال بين الجيش المغولي في الشرق، والجيش المغولي الثاني في أوروبا، ثم حدث التحوّل التدريجي الهائل الغريب، فقد اعتنق المغول والتتار الإسلام، برعاية الشيخ نصير الدين الطوسي في تاريخ رائع ممتد، ليس مجاله الآن، وانتهى الخطر المغولي تماماً، بعد عام واحد من خطره الدامي؟
أي أن مصر تمكّنت من تحرير الأرض نيابة عن العالم الإسلامي والأوروبي على السواء، ثم تمكّنت مصر أخيراً من استرداد عكا عام 1291 ميلادية على يد السلطان أشرف بن قلاوون لينتهي الاحتلال بعد قرنين من الزمان، ولكن الانتصار البطيء (كما قال ويل ديورانت في موسوعة قصة الحضارة) عطّل العقل العربي، فعاش المسلمون في حال ضعف مُزرية تحت خلافة عثمانية لم تستطع أن تدافع عن المسلمين، فقامت الدول الاستعمارية الرأسمالية بالتوغّل التبشيري في الديار الإسلامية.
حتى جاء العصر الحديث فشهد موجات الاستعمار العالمي، وهو ما نعيش فصوله حتى اليوم، نرى الإرهاب العالمي بفكر تكفيري تؤيّده الصهيونية العالمية، لتفكيك الدول المُحيطة بالكيان الصهيوني، كما تؤيّده نفس القوى الرأسمالية الاستكبارية.
وهنا تأتي الحرب التي تخوضها مصر ضد الإرهاب، ونعتقد جازمين أن الانتصار المصري على الإرهاب، يعني انتصار مصر على القوى الكبرى، كما يعني بداية النهاية للموجة المغولية/التتارية/الصليبية الجديدة، وعندما ينتهي الإرهاب يمكن أن تقوم قوى المقاومة بالانتصار على الصهيونية، فقد مهّدت مصر الأرض لها، حمى الله مصر والعرب والإسلام والمسلمين من خطر الإرهاب وخطر الاستعمار لأنهما وجهان لعملة واحدة، وعلى الله قصد السبيل.
*كاتب مصري
عن "الميادين"