بينما يتواصل اعتقال أمراء ووزراء سابقين سعوديين في فندق ريتز كارلتون، يحاول بعضهم شراء حريته، ويتردد البعض الآخر، في حين لا يزال آخرون يرفضون.
وفي هذا الوقت الذي يطالب فيه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، شعبه بـ”شدّ الحزام والتقشف”، لا شيء يمنع “الملك القادم”، كما تكتب صحيفة “لوسوار” البلجيكية، من “إظهار شهيته الشرهة تجاه الأشياء الجميلة، مهما كان ثمنها”.
وتكتب “لوسوار”، اليوم الخميس، أن “العشرات من الوجهاء السعوديين تم إيقافهم في بداية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بتهم فساد. والبعض منهم استعاد حريته مقابل أموال”، وتورد أنه لا يزال ما بين 200 و300 شخص (في الحد الأدنى) معتقلين في “إقامة جبرية” في فندق ريتز كارلتون الفخم، متهمين بـ”التهرب الضريبي وتبييض الأموال والفساد والمتاجرة بالنفوذ”.
ولكن الأمر بالنسبة للبعض، كما تقول “لوسوار”، ليس بمثل هذه البساطة، لأن “قمة السلطة في السعودية تصفّي حساباتها، وتقصي المنافسين، وتستفيد من العملية من أجل موارد مالية جديدة للحسابات القومية التي تعرف عجزا ضخما”.
وتستعيد الصحيفة ما جرى حين “عرفت القضية صخبا كبيرا بداية شهر نوفمبر/تشرين الثاني، إذ فور إنشاء (اللجنة العليا ضد الفساد)، التي يترأسها محمد بن سلمان، ألقي القبض، ليلا، على عشرات من الوجهاء السعوديين، ثم اقتيدوا إلى فندق ريتز كارلتون، تحت حراسة بوليسية”، والنتيجة كانت “إيقاف أمراء من العائلة المالكة، ووزراء سابقين ورجال أعمال، إضافة إلى تجميد أكثر من 2000 حساب مصرفي، وحظر السفر على عدد غير محدد من المواطنين الأثرياء”.
ثم تنقل الصحيفة البلجيكية، من دون اقتناع، تفسير النائب العام، الشيخ سعود بن عبدالله بن مبارك المعجب، لهذه الاعتقالات ذات الطابع الخاص، بكونها “نتيجة لثلاث سنوات من التحقيق قامت به لجنة خاصة لمكافحة الفساد”.
ولا تخفي الصحيفة أن “ولي العهد السعودي أقدم على شيء جلل باعتقال كل هؤلاء”، إذ كان “من بين المعتقلين، بحسب ما أشار ملاحظون مذهولون، الأمير متعب بن عبد الله، الذي كان ينظر إليه الكثيرون على أنه الملك القادم للمملكة، وتركي بن عبد الله، إضافة إلى أمراء وأثرياء آخرين، من بينهم الأمير الوليد بن طلال”.
ثم تنقل “لوسوار” عن مقال نشرته صحيفة “وول ستريت”، في يوم 23 ديسمبر/ كانون الأول، أنه طُلب من الأمير الوليد بن طلال تسديد مبلغ 6 مليارات دولار من أجل استعادة حريته. وتضيف “لوسوار” أن “ما تورده الصحيفة الأميركية بشأن ما يطلب من الأمير الوليد يُهدّد إمبراطوريته المالية”، وتضيف أن “هذا الأمير، الذي يعطي الانطباع بأنه يشجّع الحداثة في بلاده، حافظ دوما على نوع من الاستقلالية، وهو ما سمح له بانتقاد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قبل نجاحه في الانتخابات الرئاسية، وهو ما استعدى عليه محمد بن سلمان، الذي راهَن على علاقاته الجيدة مع الملياردير الأميركي، الذي يعامله بالحسنى منذ انتخابه”.
وتؤكد الصحيفة البلجيكية أن الأمير بن طلال يرفض دفع المبلغ المطلوب منه، و”لا يبدو أنه يعترف بما يتهم به، وأيضا حتى لا يفكّك أعمالاً سهر عليها منذ خمس وعشرين سنة. وهو ما يعني أنه، منطقيّا، سيُعرض يوما أمام (العدالة) السعودية مثل المتصلّبين الآخرين”.
وتقارن “لوسوار” حالة الأمير الوليد بحالة أخرى، فتكتب أنها “ليست حالة الأمير متعب، الذي تفاوض وقَبِلَ، بسرعة، أن يدفع 1 مليار دولار لاستعادة حريته”.
وتنقل الصحيفة البلجيكية “بُشرى” الصحيفة السعودية “عكاظ” بأن آخرين “سيُطلق سراحهم في قادم الأيام، لأنّ الصفقات تسير في الاتجاه الحسن”، وتحدثت عن “إطلاق سراح 23 سعوديا بعد أن توصلوا إلى اتفاق مالي مع السلطات”.
وتورد الصحيفة السعودية عن “رسميين سعوديين” أملهم في حصول الدولة على عشرات المليارات من الدولارات، كما أن هذه المصادر “الرسمية” ترفض كل اتهام بلجوء السلطات السعودية إلى الابتزاز أو انتزاع أموال بالإكراه، لأن “الأمر يتعلق بمال تم جمعه وتحويله بطرق ملتوية وغير قانونية خلال عدة سنوات”.
وتستعيد الصحيفة البلجيكية ما صرّح به محمد بن سلمان، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، لصحيفة “نيويورك تايمز”، بأن نحو 10 في المائة من الأموال الحكومية تضيع في دوائر الفساد كل سنة، منذ 1980.
ولكن التقشف الذي يجري الحديث عن “إرسائه في البلاد والنزاهة المطلوبة من الجميع”، لا يمنعان “الملك القادم”، محمد بن سلمان، كما يختم كاتب مقال الصحيفة البلجيكية، بُودوان لُوسْ، ساخراً، من “إظهار شهيته الشرهة تجاه الأشياء الجميلة، مهما كان ثمنها. ألَمْ يمنحْ لنفسه، كما أكدت صحيفة (نيويورك تايمز)، يختاً، سنة 2016، بقيمة 500 مليون يورو، وهذا بعد أن دفع من قبل مبلغ 275 مليون يورو لشراء قصر بالقرب من العاصمة الفرنسية؟”.
” العربي الجديد”