2024-11-30 02:35 م

لماذا انقلبت الإمارات على السبسي؟

2017-12-28
أحمد علاء
"كانت هي البداية وقيل إنّها الاستثناء كنقطة مضيئة في محيط دُفع إلى أعماق الظلام".. عند الحديث عن الثورة التونسية يمكن اعتبارها حالة فريدة في حالات الربيع العربي إزاء حفاظها على "الديمقراطية"، ما جعلها في مرمى سهام من يختلف معها.

يرى كثيرٌ من المحللين أنّ الإمارات تقف ضد الثورة التونسية، ضمن جملة اتهامات تطالها بشأن عدائها للربيع العربي، وبالتالي لا يمكن اعتبار التوتر الراهن بين تونس والإمارات على خليفة قرار "الأخيرة" بمنع التونسيات من ركوب طائراتها وخطوطها الجوية لأسباب قالت إنّها أمنية، هو الحلقة الأولى فيما بدت من علامات الاحتقان في العلاقات بينهما.
عند تفصيل العلاقات بين تونس وأبو ظبي، فهنا يتركز الأمر على مراحل زمنية، شهدت فيها تحسنًا أحيانًا، وتوترًا في أحيان أخرى، بدأ الأمر بموقف الإمارات من "إخوان تونس" بعد ثورة الياسمين التي أطاحت بالمخلوع زين العابدين بن علي في 2011، في أول محطات قطار الربيع العربي.

تواجه الإمارات اتهامًا مباشرًا، يرى محللون إنّ دلائل كثيرة أثبتت صحته، يتعلق باتخاذها موقفًا عدائيًّا من الثورات العربية ووقوفها ضد حكم الإسلاميين، وربما يكون خوفها من ذلك أن يطالها أي نسيم لهذا الربيع الثائر، إلا أنّ في الجانب المضاد لا يمكن الحديث عن مؤشرات على الأرض تتعلق بإمكانية أن يحدث ذلك، لا سيّما الحالة الاقتصادية التي يعيشها المواطنون هناك.

مثّل وصول حزب النهضة الإسلامي للسلطة في تونس عام 2014، بدايةً للتوتر في العلاقات بين البلدين، وقد يرجع ذلك إلى موقفها من الإسلاميين، لكن دخلت العلاقات مرحلةً جديدةً مع انتخاب الباجي قائد السبسي رئيسًا للبلاد.

وقت أن كان السببي مرشحًا رئاسيًا وفوزه به في نهاية 2014، حصل على دعم سياسي ومالي كبير من الإمارات، ساعده في الوصول إلى سدة الحكم هناك، وكان هذا الدعم بعد أن أظهر السببي نفسها كمنقذ للبلاد مما أسماه "الإرهاب وهيمة حزب النهضة الإسلامي على السلطة" وهو فرع جماعة الإخوان التي تصنفها أبو ظبي "إرهابية". 

وفيما بدا كدليل واضح على دعم للسبسي في الانتخابات، منحته الإمارات سياراتين فاخرتين مُصفحتين قبل موعد الانتخابات بشهرين، حسبما أظهرت وثيقتان رسميتان من مصلحة الجمارك التونسية، تُطالب في الوثيقة الأولى السفارة الإماراتية في تونس مصلحة الجمارك التونسية بتسهيل دخول سيارتين فاخرتين حتى يتم إهداؤهما للسبسي (رئيس حزب نداء تونس) حسبما نشرها ساسة بوست، بينما جاءت الوثيقة الثانية في شكل وثيقة رسمية ببيانات السيارتين العائدة ملكيتهما حسب الوثيقة للسبسي.

كان متوقعًا أن تشهد العلاقات بين البلدين تقدمًا كبيرًا، تنهي حالة الفتور السائدة خلال حكم الإسلاميين، لكن ما حدث لم يكن كذلك على الإطلاق.

اتخذت أبو ظبي عدة طرق كأوراق سياسية من أجل الضغط على تونس، ومن ذلك "التأشيرات" حيث منعت الإمارات في سبتمبر 2015، منح تأشيرات للتونسيين، أو حتى تجديد تأشيرات الإقامة لمن تحصلوا عليها سابقًا، والتي انتهت مدة صلاحيتها.

وامتدّ التضييق في منح التأشيرة كذلك إلى المواليد الجدد من زوجين تونسين يعيشان في الإمارات، حيث لم يقع تسجيلهم، بالرغم من مرور ثلاثة أشهر على ولادتهم، وظلوا بلا وثائق هوية رسمية؛ لأنّ القنصلية ترفض تسجيلهم لمجرد أنهم من تونس.
 

وخلافًا للتضييق الراهن على التونسيات في السفر للإمارات، كان هذا التضييق قاصرًا على الرجال فقط، وذلك في نهاية 2015، حيث كانت التونسيات لا يجدن مانعًا من الحصول على التأشيرة أو تجديدها من جانب القنصلية الإماراتية في تونس.

 

وربطت الإمارات - آنذاك - هذه الإجراءات بالأمن والسلامة داخل بلادها، والحيلولة دون وقوع أي أعمال إرهابية، لا سيّما في ظل ارتفاع أعداد الملتحقين بتنظيم "الدولة" من تونس.

 

وفي واقعة أخرى يعود تاريخها إلى مارس الماضي، رفضت السلطات الإماراتية تمكين طالبين وأستاذ جامعي تونسيين من دخول أراضيها لحضور فعاليات أحد المؤتمرات العلمية حول البحث الإكلينيكي في دول المغرب العربي، والذي جرى تنظيمه من جانب منظمة دولية هناك.

 

الاستثمارات المالية كذلك لُعب بها من قبل الإمارات كورقة ضغط على تونس خلال فترة حكم السبسي، حيث تم وقف عدد من المشروعات التي كان قد تم توقيع عقود بشأنها، ومن ذلك مثلًا الاتفاقية التي تم توقيعها في 2007، بين وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية التونسية مع شركة "سما دبي" لتنفيذ مشروع باب المتوسط الضخم، لكنّ الشركة الإماراتية تراجعت عن المشروع في 2008، وأُرجع ذلك لاعتبارات تتعلق بالظروف المالية والأزمة المالية العالمية، وبعد تجميد المشروع لسنوات، وتحديدًا مع بدء ولاية السبسي، وتبادل الزيارات الدبلوماسية، وبدأ الحديث يتردد عن استئناف المشروع، لكنّه تعرّض للتجميد من جديد بسبب التوتر السياسي بين البلدين.

 

هنا يأتي الدور على السؤال الملح، لماذا كل هذا التوتر القائم بين البلدين في السنوات الأخيرة، لا سيّما بعد تولي السبسي مقاليد الحكم رغم أنّ فترة ترشحه شهدت دعمًا كبيرًا من قِبل الإمارات، والإجابة على هذا السؤال تتناول أكثر من جانب، منها ما يتعلق بجانب داخلي وآخر إقليمي.

 

داخليًّا، فإنّ موقف نظام السبسي من "إخوان تونس" ربما يمثل قلقًا أو بالأحرى رفضًا لدى سلطات أبوظبي، إذ لم يتم تغييبهم من المشهد السياسي نهائيًّا كما الحال في مصر، لكنهم ما زالوا يحتفظون ببعض المناصب النيابية التي تمثل قطاعًا كبيرًا من المواطنين هناك، وقد يكون هذا المطلب الإماراتي مستحيل تحقيقه بالنظر إلى الخيار الديمقراطي التونسي الذي عكس إرادة شعبية واضحة في التصويت لحزبي النهضة والنداء معًا، ما قاد إلى هذه الشراكة في الحكم.

 

يتسق هذا الأمر مع ما كشفه الإعلامي سفيان بن فرحات خلال حديث تلفزيوني، في مايو 2015، إذ قال إنّ الرئيس السبسي أخبره بأن "الإمارات طلبت من إعادة سيناريو مصر وإزاحة حركة النهضة التونسية للإيفاء بتعهداتها المالية لتونس، إلا أنّه رفض ذلك، وفضل سياسة الحوار والتوافق لتفادي الحرب الأهلية بالبلاد وإراقة الدماء".

 

ويرى محللون أنّه لا يمكن لتونس أن تغامر باستقرارها الهش، وأن تقصي الحزب الأول عدديًّا في البرلمان "النهضة"، وشريكها في الحكم الذي أثبت تجانسًا واضحًا مع الرئيس السبسي من ناحية ومع حزب نداء تونس من ناحية أخرى، حيث سبق أن جدّد الحزبان تمسكهما بهذا التنسيق، واتفقا على رفع مستواه من خلال إقرار آلية تشاورية دورية، ووضع لجنة عليا مشتركة تنسق بين الحزبين والكتلتين النيابيتين.

 

إقليميًّا، فيمكن الحديث عن سببين وراء هذا التوتر، هما الأزمتان الخليجية والليبية.

 

تدعم الإمارات، بشكل واضح وصريح اللواء خليفة حفتر الذي قاد عملية الكرامة في الشرق الليبي، ونال دعمًا واضحًا من عدة أطراف خليجية، لكنّ تونس أبت إلا أن تعترف وتتعامل مع حكومة الوفاق المعترف بها دوليًّا برئاسة فايز السراج.

 

وفي مؤشر على ذلك، أجرى رئيس وزراء تونس زيارةً إلى طرابلس، في أول زيارة لمسؤول عربي إلى ليبيا منذ وصول حكومة الوفاق إلى السلطة، ووقتذاك قال رئيس الوزراء إنّ حكومة الوفاق الوطني لها دور تاريخي ومهم في إرساء أسس الدولة وإحلال الأمن ومقاومة الإرهاب.

 

وعلى جانب آخر، فمنذ الرابع من يونيو الماضي، تفرض الإمارات إلى جانب السعودية والبحرين ومصر حصارًا على دولة قطر بداعي دعمها للإرهاب، وهو ما نفته الدوحة وتحدثت عن تدخل من قبل الدول الأربع في سياساتها الداخلية.

 

تركزت الأنظار على ردود الأفعال لا سيّما من الدول العربية، إزاء أي معسكر تختاره كل دولة، وبالحديث عن تونس، فقد اختارت الوقوف على مسافة واحدة من طرفي الأزمة، ودعت كذلك إلى الحوار بينهما وتفادي التصعيد.

 

وكان حزب نداء تونس الحاكم، قد ترك تقدير الموقف للرئيس باعتباره المسؤول عن ملف العلاقات الخارجية بحكم الدستور، داعيًّا بدوره إلى الحوار بين الأشقاء في الخليج، وهو نفس موقف حركة النهضة، الشريك الأول للنداء في الحكم. 

 

ودعا رئيس مجلس شورى النهضة عبد الكريم الهاروني، الرئيس السبسي، لإطلاق مبادرة تهدف لحل الأزمة في الخليج بحكم خبرته الدبلوماسية الطويلة، وبصفته رئيس دولة تتمتع باحترام كبير في العالم. 

وقال الهاروني في حوار مع إذاعة "شمس" الخاصة: "قطع العلاقات مع قطر أمر مؤلم، لأنّ أكبر مستفيد من حالة الانقسام العربي هو الكيان الصهيوني والإرهاب"، مشيرًا إلى تزامن هذا الحدث الأليم مع ذكرى حرب 1967.

ويمكن القول إنّ الموقف التونسي من الأزمة يقوم على تقاليد دبلوماسية قديمة، أساسها عدم التدخل في الشأن الخارجي عمومًا، لكنّه يستند أيضًا إلى قراءة تاريخية لسلسلة الأزمات، تعرف تونس أنّها تنتهي دائمًا بالتوافق، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم حلّها خارج دائرة الحوار. 

كما أنّ تونس لها علاقات جيدة مع كل أطراف الخلاف، على الرغم من تميز مستوى العلاقة مع قطر بالذات في السنوات الأخيرة، وبخاصةً منذ أن ألقت قطر بكل ثقلها لدعم التجربة التونسية والعمل على إنقاذ الاقتصاد التونسي المتراجع، وهو ما تجلى بوضوح في المؤتمر الاستثماري الدولي الذي رعته قطر وكانت أكبر مانحيه، وأول منفذي وعوده.
(مصر العربية)