أثار قرار تبنّي الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا يرفض اعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن القدس ترحيبا دوليا عربيا وغربيا كبيرا خاصة ان اعلان ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل» قد أثار احتجاجات واسعة النطاق لاتزال شرارتها مشتعلة في ارجاء العالم بالإضافة الى احتجاجات الغضب الميدانية التي تعمّ الاراضي الفلسطينية المحتلّة منذ مايفوق الاسبوعين. بالتزامن مع هذا القرار الدولي الذي انصف القضية الفلسطينية التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس امس نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون في العاصمة الفرنسية باريس كخطوة في مسار الحراك الدبلوماسي الحثيث الذي تقوده القيادة السياسية الفلسطينية لإعادة الزخم الى القضية الفلسطينية والبحث عن مرجعية جديدة للتفاوض .
وخلال اللّقاء الّذي جمعه بالرّئيس الفلسطيني محمود عباس أكّد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أنه «لا بديل عن حل الدولتين ولا حل بدون اتفاق الطرفين’’الفلسطيني والإسرائيلي ‘’ بشأن القدس».وقال ماكرون عقب محادثاتهما في قصر الاليزيه «إن قرار الولايات المتحدة الاعتراف بالقدس عاصمة لـ«اسرائيل» يهمشها في هذه القضية، مضيفا أنه لا يريد أن يفعل الشيء نفسه. بالاعتراف من جانب واحد بدولة فلسطينية لان ذلك لن يكون فعّالا».
من جانبه ،جدّد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في المؤتمر الصّحفي ،التّأكيد على أن الولايات المتحدة لم تعد وسيطاً نزيها في عملية السلام بعد قرار الرئيس دونالد ترامب بأن القدس عاصمة لـ«إسرائيل» ونقل سفارة بلاده إليها.وأضاف عباس: «إننا لن نقبل أي خطة من الولايات المتحدة الأمريكية بسبب انحيازها وخرقها للقانون الدولي».
ويرى متابعون ان قرار ترامب الاخير وبمخالفته الاعراف والقوانين الدولية رفع عن واشنطن صفة عراب عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وهو ما اكدته القيادة الفلسطينية مرارا . وبهذا يرى متابعون ان المشهد الراهن يستوجب التوافق حول راع جديد لعمليّة التفاوض بين الجانبيين باعتبار ان قرار ترامب لم يجد تأييدا لا دوليا ولا عربيا .
«عودة الألق للقضية»
من جهته قال سومر صالح الكاتب والباحث في الدراسات السياسية لـجريدة «المغرب» انّ قرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان المعادي «إسرائيل» ، شكّل تطوّرا بالغ الخطورة في القضية الفلسطينية يمكن وصفه بالنكسة الثانية حتى الآن لان حجم وطبيعة ردود الافعال العربية والإسلامية لم ترتق الى مستوى الحدث .
وأضاف محدّثنا «اما التصويت في الجمعية العمومية للأمم المتّحدة ضدّ هذا القرار يحمل اهمية بالغة نظرا لعدم قدرة الولايات المتحدة على فرض الامر الواقع بالتهديد والوعيد». وأشار صالح الى «ان المشهد العربي كان يعيش امام حالة من الاستيطان والاحتلال والامر الواقع منذ 4 جوان 1967، فمنذ النكسة في العام 1967 والجميع يطالب بعودة تلك الاجزاء المغتصبة ولم تعد بعد، ما يمكن استنتاجه من تصويت الجمعية العمومية هو تجميد لمفاعيل القرار الامريكي على القضية الفلسطينية من ناحية التداعيات وليس الغاؤه وهو ما كان مطلوبا،رغم تأكيد الجميع على ان القرار الامريكي ليس له مفاعيل قانونية ولا اثر رجعي على مرجعيات عملية السلام ، الواقع لا يتغير برأيي الا بالمقاومة المسلّحة».
وتابع المحلل السياسي ان المؤسف في ما يحدث هو عدم وجود قوة دافعة شعبية ورسمية عربية لاندلاع الانتفاضة الثالثة وهو ما كان متوقعا ولم يجري على نطاق واسع، وأضاف «ونحن نرى ونسمع تصريحات رسمية عربية تصف قضية القدس «بالقضية الجانبية» في المنطقة بعد ان كانت بوصلة العرب، فالانتفاضة الثالثة(المدني والميداني) هي الوحيدة القادرة على اعادة الألق للقضية الفلسطينية ومركز الصدارة في اهتمامات المنطقة».
المنافسة الفرنسية الروسية
وحول زيارة محمود عباس الى فرنسا ، اجاب محدثنا انها تأتي بعد عام تقريبا من مبادرة باريس لإحياء التسوية الفلسطينية الاسرائيلية والتي لاقت مقاومة امريكية وفتورا بريطانيا وتجاهلا إقليميا ، مؤكدا ان «فرنسا التي تبحث عن موطئ قدم على السواحل الشرقية للبحر الابيض المتوسط ترى في القضية الفلسطينية بوابة حالية لذلك بعد القطيعة الامريكية مع اوسلو وانقلابها عليه ونسف مفهوم الرباعية للسلام، تحاول الدبلوماسية الفرنسية الولوج الى المنطقة من البوابة الفلسطينية وهو ما سيصطدم ببريطانيا الخارجة من الاتحاد الاوربي والتي تبحث عن ذات الدور، ولكن السؤال المطروح هنا هل ستنجح فرنسا في ذلك؟».
وتابع محدثنا «لا اعتقد ذلك لأن القوى الاقليمية الشرق اوسطية منقسمة على نفسها بين محور يرى في القضية الفلسطينية مسألة جانبية يمكن حلها مع الحليف الامريكي بالتفاوض والتسوية ضمن صفقة القرن وهي القوى الخليجية ومصر والأردن، وبين محور اخر يرى في القضية الفلسطينية مسألة مصيرية وتتزعمه ايران وسورية ولبنان، واي تقارب فرنسي مع ايران سيضر بالمصالح الفرنسية مباشرة في الشرق الاوسط لان الدول الخليجية ترى ايران العدو الاول لها وليس «إسرائيل»، ومن جهة اخرى فالعدو الصهيوني لم يبال بمبادرة باريس جانفي 2017 بل هاجمها نتينياهو آنذاك وقال عنها (« إنه مؤتمر مفبرك من قبل الفلسطينيين برعاية فرنسية بهدف تبني المزيد من المواقف المعادية لـ«إسرائيل»، وهذا يدفع عملية السلام إلى الوراء)...لذلك روسيا قد تلعب دور الراعي الجديد لعملية السلام لأنها طرف مقبول من الجميع رغم الخلافات في سورية ولكن مفاوضات صفقة (s400) الى السعودية وقبلها الى تركيا وربما لاحقا الى قطر، واتفاقيات روسيا مع مصر نوويا اضافة الى دورها في مكافحة الارهاب في سوريا قد يرشحها للعب هذا الدور اكثر من فرنسا التي تلعب فقط على التناقضات بطريقة برغماتية مرحلية».