2024-11-28 01:33 ص

عن فلسطين: قضية حق لا يموت.. من واشنطن إلى أسطنبول إلى الميدان

2017-12-22
طلال سليمان
وبعد مائة عام من وعد بلفور «الذى أعطى من لا يملك لمن لا يستحق»، بينها عشرات السنين من المواجهات بين شعب فلسطين فى وطنه والمستوطنين اليهود الذين صدرتهم المنظمات الصهيونية إلى «أرض الميعاد».
وبعد حرب بائسة خاضها العرب بلا استعداد، وبلا قدرات فعلية، فلا قيادة موحدة، ولا جيوش مستعدة، وبأسلحة فاسدة تقتل حاملها، انتصر المشروع الصهيونى وأقيمت دولة إسرائيل فوق أرض فلسطين العربية، وتم تشريد شعبها فى الجهات الأربع، وتم إخضاع من تبقى من الفلسطينيين داخل بلادهم لحكم عنصرى متوحش، ينتزع مع مطلع كل شمس مزيدا من أرض أهلها ليزرع فيها المزيد من المستعمرات المسلحة.
أما بعد ثلاث حروب أخرى، من ضمنها العدوان الثلاثى على مصر ((1956 ثم حرب 5 يونية 1967، وبعدها حرب 6 أكتوبر 1973، فقد استقر الأمر للكيان الصهيونى على كامل الأراضى الفلسطينية، وتسابق العرب إلى الصلح بشروط إسرائيل وعلى حساب حقوق الأمة فى أرضها بعنوان الشعب الفلسطينى.
كان لا بد من مسلسل من المساومات مع «المنتصر» لاستنقاذ الحد الأدنى من حقوق شعب فلسطين فى أرضه، داخل الكيان الصهيونى، الآن، وفى وضع «الأسير» تحت عنوان «السلطة الوطنية» التى ليس لها أية سلطة ولا وطن، فى انتظار المقادير.. بينما واصل العدو الإسرائيلى بناء مستوطناته على الأرض التى يفترض أن تكون للفلسطينيين متحديا «السلطة» العاجزة، ومعها الأمة العربية بدولها الأشد عجزا والمشغولة بهموم ثقيلة، غالبا فى داخلها، عن «القضية المقدسة».
وكان بديهيا أن يقدم رئيس المصادفة فى الولايات المتحدة الأمريكية على المغامرة المحسوبة: الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل.

***

لم ينتبه «العرب» بدولهم الكثيرة، التى بعضها أغنى من قارون، وبعضها الآخر أفقر من أن يجد الطعام والدواء والعلم فى دولته الفقيرة، إلا عبر مهرجان خطابى فى جامعتهم العتيقة برز فيه الموقف الأصلى والشجاع على لسان وزير خارجية لبنان بينما كان سائر الوزراء يتثاءبون.
على أن «الدول الإسلامية» المنضوية فى منظمة المؤتمر الإسلامى تنبهت فتصدى رئيس حكومة تركيا (المنحدر من أصول إخوانية) للدعوة إلى «لقاء عاجل» احتشدت فيه عشرات الدول، التى معظمها جائع، بينما بعضها متخم، والتى للعديد منها علاقات علنية – أو سرية – مع دولة الكيان الصهيونى.
غاب، بالطبع عن هذه القمة ملوك، ورؤساء وأمراء ومشايخ كثيرون.. وبعد ساعات قليلة كانت كافية لالتقاط الصور التذكارية لقبلات التلاقى بعد افتراق، والتفاهم بعد خصام، تمخض الجبل فولد بيانا هزيلا ينذر ويتوعد ويرفع القبضات فى الهواء، ثم انفض المؤتمر وسط عاصفة من التصفيق لعرض الأزياء الرجالية الأنيقة التى تميز بها صاحب الدعوة أردوغان و«ضيف الشرف» محمود عباس.
كان «القرار التاريخى» الجديد – القديم: الاعتراف بدولة فلسطين (المعلقة فى فراغ الإرادة الدولية والعزيمة العربية) وعاصمتها القدس الشرقية، حيث كنيسة القيامة والمسجد الأقصى ومسجد الصخرة وغيرها من الأماكن المقدسة.. إلى جانب «دولة يهود العالم – إسرائيل».
أدى الملوك والرؤساء والأمراء والوزراء، قسطهم للعلى، وعادوا إلى عواصمهم، سواء تلك التى فيها سفارات لدولة العدو الإسرائيلى (كما تركيا وغيرها...) أو التى تستعد لاستقبال سفارات لهذه الدولة!

****

وماذا بعد ؟؟
لنفرض، جدلا أن ترامب قد تراجع عن قراره الهمايونى بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس أو أرجأ تنفيذه لشهور أو سنة، فهل انتهى الأمر، وانتصر «العرب» و«المسلمون» ومُنيت إسرائيل بهزيمة نكراء؟!
هل نشكل وفود الشكر والتحية لقمة إسطنبول التى حققت ما لم يستطعه الأوائل؟
هذا من غير أن ننسى أن لتركيا سفارة فى إسرائيل كما لإسرائيل سفارة فى أنقرة، وكذا العديد من الدول العربية والإسلامية.
إن إسرائيل لم ولن تتوقف عن بناء المزيد من المستوطنات والتهام المزيد من الأراضى الفلسطينية التى يفترض أن تكون من نصيب «السلطة التى لا سلطة لها».
والدول العربية فى شغل يشغلها عن فلسطين..
بين حكامها من يشغله أمر العرش، بعد تطويع الأعمام وأبناء الأعمام والخئولة، واستعادة ما يعتبره «ثروات وطنية مسروقة»، فضلا عن حرب الإبادة ضد اليمن.
وبينهم من تشغله هموم توطيد العلاقة مع الكيان الصهيونى، ولا يهتم لنقل عاصمته إلى القدس، بل يتبرع بأن يوفد وفدا شعبيا – باسم البحرين – ليجول فى المدينة المقدسة، مؤكدا تمتع رعاياه جميعا من غير اليهود، أى المسلمين والمسيحيين بحرية العبادة وسائر حقوق الإنسان..
وبينهم من تشغله هموم المصير، وهل تبقى الدولة، التى كانت ذات يوم قوية، وغدت ضعيفة ومفككة وبحاجة إلى عملية إعادة بناء مكلفة وتحتاج زمنا، كما العراق وسوريا..
كما أن من بينهم من يحاول إعادة بعث دولته وتجديد كيانها، كما حالة ليبيا ما بعد معمر القذافى..
وبينهم من يحاول التثبت من أن اليمن، والذى تهدر دماء شعبه، بمختلف أطيافه، أبناء العرب، فلا تحرك دولة من دولهم ساكنا لبذل وساطة أو شفاعة تنتهى بوقف هذه الحرب الهمجية التى تدك العمران وتشرد ملايين اليمنيين الفقراء والمحتاجين أنواع المساعدات الطبية والغذائية..
أما الدول الإسلامية ففى شغل شاغل يبعدها عن فلسطين.

***

هل فكرت واحدة من هذه الدول، عربية أو إسلامية، باستدعاء سفيرها من واشنطن، ولا نقول إنذارا بقطع العلاقات، لا سمح الله، أو تجميدها، حتى يتراجع الرئيس الأمريكى عن قراره.
هل فكرت دولة عربية سبق أن أقامت علاقات مع دولة العدو الإسرائيلى بالتهديد بتجميد – ولا نقول «بقطع» – هذه العلاقات معه حتى يتراجع ترامب عن قراره، توكيدا لحق شعب فلسطين فى مدينته المقدسة، القدس، ولو مجزأة ومقسمة بينه وبين عدوه؟
قديما قيل: من يهن يسهل الهوان عليه 
وما لجرح بميت إيلام
أما اليوم فيمكن أن نردد مع محمود درويش: يا لوحدك.. 
لكن فلسطين لن تسقط، ولسوف تنتصر بدمها، كما فى الانتفاضات الشعبية العظيمة السابقة، والتى تكررت فى العشرينيات والثلاثينيات حتى بلغت الذروة فى ثورة 1936 والتى شارك فيها المتطوعون العرب، وقادها بعض ثوارهم الآتين من ديار مختلفة، كما الشيخ عز الدين القسام، الآتى من سوريا، ومتطوعون من العراق وبعض أقطار الجزيرة واليمن، والمغرب فضلا عن تركيا وإيران وصولا إلى أبعد بلاد المسلمين عن فلسطين..
ولسوف يوجد بين العرب من ينجدها... ذات يوم، بعد أن يجد العرب أنفسهم.