2024-11-29 09:49 م

تعثُّر ومخاطر تواجه القضية الفلسطينية... ما زلنا نملك البدائل

2017-12-22
تلوح في الأفق بوادر فشل المصالحة الوطنية الفلسطينية. وتتبادل فتح وحماس الاتهامات بعرقلة خطواتها العملية، وخاصة بعد النتائج الباهتة لاجتماع القاهرة بين الفصائل برعاية مصرية، والعودة إلى التراشق بالتصريحات بين قيادتي الحركتين، ومحاولة الرتق المصرية للإبقاء على قوة دفع ولو كانت متواضعة.

يمكن لمن يشاء أن يعتبر كل ما حدث: الاتفاق وفشله، مجرد جولة أخرى في المسار الشائك. وبالمقابل يمكن اعتبار وقائع الاتفاق والفشل أموراً محفزة للخروج من المأزق الذي سببته كل من التسوية البائسة والانقسام الطويل معاً، للقضية الفلسطينية.
قبل أسابيع قليلة، بدا من أطلق موقفاً متشائماً من إتمام المصالحة الفلسطينية في نسختها الأخيرة، مثل من يريد أن يصادر من الناس فرحتهم. فالشعب الفلسطيني يريد إكمال مصالحة وطنية، لأن في هذا ما يعزز شعوراً بالقوة، ويفتح على إمكان إعادة بناء مرجعية وطنية شاملة طال أمد غيابها. وهذه مطالب محقة ومشروعة. لكن ما حمل «المتشائمين على المغامرة»، كان ناجماً عن نظرة إلى التجربة الطويلة بين المنقسمين من جانب، وعن حقيقة هيمنة المصالح الفصائلية، والتوجه نحو المحاصصة، والتجاوب مع الضغوط الخارجية، والافتقار إلى برنامج إجماع وطني، من جانب آخر.
ما بين الحاجة والواقع، يصير لزاماً على الوطنيين الفلسطينيين اجتراح حلول فعلية، ومغادرة موقع المتفرج على الوقائع، والشكوى من انعدام القدرة على التأثير، أو تغيير المسارات التي تراكم الخسائر، ليس للفصائل الفلسطينية وحسب، بل للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، والتي هي قضية العرب القومية في الآن عينه. إذ لا يمكن التغاضي عن حقيقة أن الإعلان عن المصالحة، كما شبه نعيها، تزامنا مع الحديث عن لقاءات عربية ــ إسرائيلية تنبعث منها روائح اتفاقيات عفنة تفتح الطريق أمام خطوات عملية نحو التطبيع. بعض النظام العربي لا شاغل له اليوم سوى فتح بوابات التفاوض على صفقة مفخخة جديدة، وتبرير تطبيع علاقاته القائمة مع إسرائيل، وبشكل علني. أما حقوق الفلسطينيين والأمة فلا ترد في أي حساب.
يمكن القول إن المشهد لم يكن ليكون على هذه الدرجة من السوء، لو كان أهل البيت على وفاق في الرؤية والبرنامج، ويضعون المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، لكننا أمام مختلفين على البديهيات التي انتقل فيها البعض في النظر إلى العدو باعتباره شريكاً يجب صون مصالحه والتفكير فيها قبل حقوق الشعب الفلسطيني. ما يحصل هو خلاف بين «أولياء الوطن» على وسائط التربية وتوزيع الأولويات، وتغليب للمصالح الفردية على المصلحة العليا، واستئثار الطرف الأقوى بالقرار إلى آخر المتوارثات النمطية. وهكذا نتلهى بخلافاتنا عن تحرير بلدنا. هو واقع أكثر بشاعة من الاحتلال، حين نتقاتل على سلطة مهترئة، وليس لها من مظاهر السلطة إلا الاسم، وأشياء أخرى «معيبة».

أوسلو والانقسام، نتائج موحَّدة:
أنهى اتفاق أوسلو «ثورة اللاجئين» كما كانت توصف الثورة الفلسطينية المعاصرة. وتسبب بانقسامات عميقة قوضت ما تبقى من مرجعية وطنية فلسطينية، قبل أن يستكمل ضرب المرجعية على نحو نهائي عبر «الانقسام في نسخته الجديدة العنيفة» والذي لا يزال مستمراً، ومستمرة تداعياته المدمرة في الداخل الفلسطيني، وفي الخارج أيضاً.
كثيرة هي الأضرار الفادحة التي ألحقها كل من اتفاق أوسلو والانقسام بالقضية الفلسطينية، لكن الضرر الأكبر هو الذي لحق باللاجئين الفلسطينيين. بداية من انهيار المرجعية التي شكلت «وطنهم المعنوي»، وصولاً إلى جعل قضيتهم وجهة نظر ومحل اجتهادات، وما بينهما من إهمال وتنكر، وانسحاب من المسؤولية.
يوجد ثابت في السلوك الإنساني يقول: كل تنازل يؤدي حتماً إلى تنازل أكبر. والتنازل الذي حدث في قضايا كثيرة، وبينها قضية اللاجئين، جعل من تآكل حقوقهم ومكانتهم أمراً شبه معتاد، وظهر كأن المطلوب هو نوع من التكيف معه. هذا ما تفيد به جميع الاتفاقيات التي وُقِّعت مع العدو وسارت على تخوم عمليات السلام. وهذا ما تفصح عنه النصوص المفخخة و«المبادرات» السرية والعلنية، ومذكرات التفاهم.
ويزيد المشهد قتامة أن أصبحت فلسطين على هامش الاهتمامات في الإقليم المشتعل من أقصاه إلى أقصاه وتعدد الأجندات، وتفصيل الأعداء، إلا من زاوية استخدام المفاوضات مدخلاً للتطبيع. واليوم: إن اتضح فشل المصالحة أكثر، سيعود المتخاصمون إلى المربع الصفر، ويأخذون معهم الشارع الفلسطيني، وتعود أزمة الداخل لتسيطر على كل ما عداها. فيما يستأنف الشعب الممزق في بلاد الشتات أمله بالعودة على قرع طبول التوطين. ومن هجرة إلى هجرة، تصبح صفة لاجئ ملازمة لشخص الفلسطيني، ولبعض الوقت قبل أن يتواصل العمل على تبديدها أيضاً. وسيتحرك اللاهثون نحو التطبيع إلى ترتيب صفقة ما، ومستغلين ما يعتبرونه غفلة وانشغالاً للفلسطينيين وقواهم بالأزمات الداخلية.
... ولكننا لا نعدم البديل:
ليست تصفية قضية اللاجئين باعتبارها مدخلاً لتصفية القضية الفلسطينية بالأمر الجديد، بل هي ملازمة لنكبة فلسطين ونشوء قضية اللاجئين. في الآن عينه، يوجد خطر في التعامل مع قضية اللاجئين بوصفها معزولة عن القضية الفلسطينية ككل. ولكن الحقيقة أن التعويل على اللاجئين لإحياء القضية الفلسطينية وإعادة الاعتبار لها، أمر مفهوم وواقعي. وهذا ليس جديداً أيضاً، فمنذ توقيع اتفاق أوسلو، ظهر العديد من المبادرات لتنظيم تحرك فلسطيني في الخارج. المبادرة أضحت الآن في مرتبة الضرورة، وخاصة أن التعويل على منظمة التحرير بفصائلها المتناحرة، وعلى الفصائل المتخاصمة، أصبح مثل الرهان على حصان بلا قدمين. والحاجة ماسة لأن يقوم الوطنيون الفلسطينيون على اختلاف توجهاتهم ومشاربهم بالاستعداد لمواجهة القادم من التطورات، سواء نجحت المصالحة أو فشلت. فهناك غالبية من الفلسطينيين خارج حساباتها. وهؤلاء هم من يعوّل عليهم لتصويب البوصلة نحو فلسطين، والشروع في التحرك للبقاء على قيد الأمل، من خيم الصقيع تحت سماء أوروبا أو في ضباب منطقتنا العربية، سيكون علينا التحرك جدياً وبكل الوسائل المتاحة، وبدعم كل مؤمن بحقنا في الحياة والعودة والوطن وكرامة العيش. تحرك يفتح مسارات المقاومة على كل المستويات في الفكر والثقافة والفنون ومناهضة التطبيع والتمسك الذي لا يحيد بحق العودة والذي سيكون له سياقه العالمي وقواه الحية وأدواته الفعالة.
* مدير مؤسسة جفرا للإغاثة والتنمية الشبابية
(الاخبار اللبنانية)