القدس/المنـار/ خــاص/ في حديث مع (المنــار) وصفت دوائر دبلوماسية قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، بأنه المشهد الأول في (صفقة القرن) الذي يحاول الفريق الأمريكي إبقاء تفاصيلها طي الكتمان. وكشفت الدوائر أن فتح الستار على باقي مشاهد هذه الصفقة والانتقال الى المشاهد القادمة لصفقة ترامب لانهاء الصراع، مرتبط ارتباطا وثيقاً بما ستحمله الأيام القادمة من ردود فعل شعبية فلسطينية وعربية في الميادين، واذا ما كانت هذه الاحتجاجات على القرار الأمريكي ستتواصل وتحتد أم أنها ستتراجع حتى تخبو، بكلمات أخرى، تصاعد المواجهات على الارض هو ما سيحدد مصير المشاهد المقبلة والخطوات التالية للتحرك الأمريكي بشأن ما يتعلق بالصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني.
(صفقة القرن) الامريكية .. رزمة صفقات تستهدف ساحات عديدة
الدوائر نفسها تضيف أن اعلان الرئيس الأمريكي بشأن القدس، سبقه تنسيق وتواصل على أعلى المستويات مع دول اقليمية لها دور محوري في تمرير مشاهد صفقة القرن، معتبرين أن هذه الصفقة هي رزمة صفقات تتناول ساحات مختلفة في الاقليم، لكنها تصب في النهاية في الهدف النهائي وهو إنهاء الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني، دون مشاركة حقيقية للطرف الفلسطيني في رسم ملامح هذه الصفقة، أو حتى ابداء الرأي بشأن بنودها، وأن على الفلسطينيين الانصياع للاوامر الامريكية وتنفيذ ما يطلب منهم.
ضغوط لاحتواء الهبّة الشعبية
وحسب الدوائر فان هناك مساعٍ تبذل من جانب الدول الاقليمية صاحبة الأدوار الرئيسية في صفقة ترامب، من أجل ضمان احتواء هبّة الاحتجاجات الشعبية ومنع اتساعها أو تصاعدها، وأن عملية الاحتواء تتم بوسائل مختلفة، سواء على الساحة الداخلية لتلك الدول التي تحاول احتواء الاحتجاجات الشعبية فيها عبر اطلاق (احتجاجات مصطنعة) قائمة على دعوات رسمية يتم من خلالها تحديد أماكن التجمع وتوجيه الحشود حسب الرغبة لـ (التنفيس) عن الغضب دون أن يكون هناك حلقات استمرارية لها، بالاضافة الى المواكبة الاعلامية الخجولة لما يجري على الارض، التي تغيب عنها أية مشاهد يمكن أن (تثير النفوس). محاولات الاحتواء تتم أيضا عبر توجيه رسائل التهديد والترهيب للقيادة الفلسطينية، التي يرى فيها اللاعبون الاقليميون عقبة يجب التخلص منها وتجاوزها ما لم تتساوق وتتعاون مع المسعى المبذول لترجمة باقي مشاهد بنود صفقة القرن، وتقبل على نفسها المشاركة في دور ثانوي محدود يقوم على إجبارها على التوقيع على (إتفاق إطار) للحل، ينكب حاليا الفريق الامريكي برئاسة كوشنر على وضع اللمسات الاخيرة على بنوده، هذا الاتفاق يمنح اسرائيل الهدوء لسنوات طويلة قادمة، ويفتح الباب أمام المحور العربي المعتدل الذي ينتظر على أبواب اسرائيل للبدء في عملية التطبيع معها.
ردود عربية خجولة تفضح دور الانظمة
وتكشف الدوائر أن حجم التعاون الذي تبديه القيادتان المصرية والسعودية مع جهود ترامب لفرض حل خلاق في المنطقة، ينعكس بوضوح في لغة البيانات والردود المصرية والسعودية على خطوة ترامب الأخيرة بشأن القدس، وتضيف الدوائر أن رزمة الصفقات التي ستشكل صفقة القرن فيها الكثير من الجوانب الاقتصادية، ويمكن أن نشبهها بمشروع مارشال في الشرق الاوسط، حيث ستُمنح الدول المشاركة في تسهيل تنفيذ صفقة ترامب، رزماً اقتصادية سخية، كما هو الحال مع مصر، التي ترى في صفقة القرن الترامبية (فرصة) يجب عدم اضاعتها، وتعتقد القيادة المصرية أنه في حال واصل ترامب مشواره في البيت الابيض ولم تتضح التحقيقات الجارية هناك حدا له، فان القادم من الأيام سيحمل (ثمناً للفلسطينيين) تعويضا على ما قدمه ترامب للاسرائيليين من اعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، وأن هناك فرصة حقيقية للتوصل الى حل معقول للصراع.
محمد بن سلمان.. لهاث مستمر وراء التطبيع مع اسرائيل
أما بالنسبة للسعودية، فتقول الدوائر أن التعاون مع التحركات الامريكية على اعلى مستوى، والرغبة في التقرب من اسرائيل تتعزز يوما بعد يوم، وهناك استعداد لفتح الابواب أمام مشاركة اسرائيل في مشاريع اقتصادية ضخمة تخطط دول المحور المعتدل على تنفيذها كما هو الحال مع المشروع السعودي المسمى بـمدينة (نيوم) الذي ستمنح الشركات الاسرائيلية التسهيلات المطلوبة لتشارك في اقامته. وتقول الدوائر الاسرائيلية المطلعة أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، او كما يُعرف في الدوائر الامريكية والاسرائيلية بـ (MBS) يبدي تعاونا كبيرا في التعامل مع مخطط ترامب أو كما بات يعرف بـ (صفقة القرن)، وأن سبب هذا التعاون يعود الى سببين: الأول، رغبة بن سلمان في التأكيد على الولاء الكامل للولايات المتحدة لضمان مساندتها في استكمال مساعيه في تمكين حكمه استعدادا لتولي الحكم الفعلي ملكاً للسعودية يخلف والده الملك سلمان بن عبدالعزيز، وثانيا رغبته في الالتصاق أكثر وبصورة أوضح وبشكل علني بالحليف الاسرائيلي، الذي يفتح ذراعيه لهذه الرغبة السعودية، ويبعث بالكثير من الرسائل لتعزيزها وضمان تعاظمها واستمرار نموها، ويوجه رسائل الاسناد لها بشأن صراعها مع ايران والمعارك التي تخوضها في ساحات مختلفة ضد ما يوصف اسرائيليا وسعوديا بـ (المد والتأثير الايراني).
ملامح المرحلة القادمة
وحول ملامح المرحلة القادمة، خاصة بعد اعلان ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، تقول الدوائر أن ملامح هذه المرحلة بالنسبة للفلسطينيين ستحددها العديد من العوامل المتعلقة بهم، من بينها، مدى الأخطاء التي قد ترتكبها القيادة الفلسطينية في ادارتها للازمة الراهنة، واذا ما كانت قادرة على ابقاء شعلة الاحتجاجات مشتعلة، لكن دون أن تصل الى انتفاضة شعبية ثالثة تخرج عن السيطرة وتعود عليها بنتائج سلبية خطيرة، أو أن تنجر وراء دعوات الأطراف المنغمسة في (صفقة القرن) بضرورة وأد الهبّة الشعبية قبل أن تبدأ و(التهدئة) والتعامل بـ (عقلانية) مع اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لاسرائيل، أو الأخذ بـ (مشورة البعض) في (عمق الدار) من (الموعودين) بالحفاظ على موقع لهم في المشهد الفلسطيني القادم، بالعمل من أجل (تبريد الساحة) مقابل وعود سرابية لا أكثر. لكن في نفس الوقت ترى هذه الدوائر أن على الفلسطينيين عدم الصعود الى أعلى الشجرة، دون خارطة طريق تضمن لهم نزولا مريحا يحقق انتصارات ومكاسب سياسية في الطريق الى الأسفل، وتضيف المصادر: أن على القيادة الفلسطينية الابقاء على الحراك في الشارع الفلسطيني وفي نفس الوقت عدم التصعيد في اطلاق تصريحات لن تستطع الالتزام بها، فلا وسيط غير الوسيط الأمريكي ولا أوراق لدى الفلسطينيين الا تحركهم الشعبي السلمي على الارض من جهة، ومواصلة البحث عن تفاهمات مع الادارة الامريكية، فلا يمكن لأوروبا أن تلعب دور الوسيط، كما أن روسيا غير مقبولة من جانب اسرائيل كوسيط وراع لعملية تفاوض بين الجانبين، لكن هناك في نفس الوقت أهمية لتغيير النهج التفاوضي الذي تتبعه السلطة طوال أكثر من عشرين عاما. وحول المواقف الدولية الرافضة لقرار ترامب وكيفية استغلالها فلسطينيا، تؤكد الدوائر أن على القيادة الفلسطينينة الضغط على تلك الدول للاعتراف بالدولة الفلسطينية وبعاصمتها القدس الشرقية.
عقبات محتملة أمام الخطوات الامريكية المقبلة
ويعتمد مستقبل الخطوات الامريكية المقبلة على تطورات التحقيقات الجارية مع الرئيس الامريكي ترامب ومساعديه وكبار الموظفين في ادارته حول العلاقة مع روسيا وتأثيرات ذلك في نتائج الانتخابات الاخيرة في الولايات المتحدة، وهي تحقيقات قد تعصف بادارة ترامب وتتسبب في سقوطها.
هذه التحركات مرتبطة أيضا بمدى استقرار الوضع السياسي الداخلي في اسرائيل، ومستقبل حكم بنيامين نتنياهو خاصة في ظل التحقيقات الجنائية التي تجريها الشرطة معه، وامكانية الذهاب الى انتخابات مبكرة.
وفي حال تم تجاوز جميع هذه العوائق والمخاطر، فان إدارة الرئيس ترامب ستحقق لاسرائيل ما لم تكن تحلم به في يوم من الايام، وستقدم لها (نهاية الصراع) على طبق من فضة، ومعه أيضا تطبيع عربي علني مع اسرائيل، هذا بالاضافة الى اقامة (محور أمني اقليمي) تشارك فيه اسرائيل الى جانب المعسكر العربي المعتدل، وهذا المحور سيضمن لاسرائيل الكثير من العوائد المهمة سواء على المستوى الامني أو الاستخباري. كما ترى تلك الدوائر أن اسرائيل تحاول استغلال شباك الفرص الذي سيوفره فريق الرئيس ترامب (كوشنر وغرينبلات) من أجل ترسيم الحدود وضمان اغلبية يهودية والقيام بالخطوات التي تضمن ذلك في ظل ادارة امريكية صديقة لاسرائيل.