2024-11-30 02:58 ص

آخر معاقل داعش.. كيف تتصارع القوى العظمى على «البوكمال» السورية؟

2017-11-08
ميرفــت عــوف
«أم المعارك» هو المصطلح الذي يمكن إطلاقه على معركة تضعها كل القوى المتعددة في الساحة السورية نصب أعينها، هي معركة مدينة «البوكمال»، فتلك الدول أيقنت أهمية السيطرة على المدينة في تحقيق مكاسب جمة عند فرض حل  نهائي للقضية السورية.

فقد تحول الصراع على «البوكمال» الصغيرة المهمشة إلى صراع نفوذ دولي، على أرض يتمركز فيها الآن «تنظيم الدولة الإسلامية – داعش» كمعقل أخير، حيث يركض نحو المدينة النظام السوري وإيران وروسيا من جهة ومن جهة ثانية الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ومن جهة ثالثة القوات العراقية والحشد الشعبي.
داعش بين فكي عمليتين عسكريتين في «البوكمال»

تمكن النظام السوري خلال الأيام القليلة الماضية من السيطرة الكاملة على محافظة «دير الزور» بعد دحر داعش المسيطر عليها منذ يونيو (حزيران) 2014، لينقل النظام بذلك معركته نحو الشرق السوري، وتحديدًا تجاه مدينة البوكمال، معلنًا عن عملية عسكرية على طول نهر الفرات من ناحية الشمال الغربي باسم (فجر3).
بعد سقوط دير الزور، تحولت المدينة الحدودية «البوكمال» التي تقابلها مدينة القائم العراقية إلى أكبر معقل وتجمع لعناصر داعش، ومركز الثقل الحيوي العسكري لقواته بين سوريا والعراق، بينما بات النظام السوري وحلفاؤه على بُعد 30 كلم فقط من المدينة.

 حسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان» فإن: «القتال يترافق مع استمرار الاشتباكات بين قوات النظام المدعمة بالمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وعربية وآسيوية من جهة، وعناصر تنظيم داعش في بادية «البوكمال» الجنوبية الغربية، حيث تحاول قوات النظام تحقيق مزيد من التقدم في محور المحطة الثانية تي – تو، وتقليص المسافة بينها وبين مدينة البوكمال، بعد أن وصلت لمسافة أقل من 30 كلم عن المدينة، التي تعد المعقل الأكبر المتبقي للتنظيم في سوريا».
حدث ما سبق بالتزامن مع عملية عسكرية عراقية أسفرت عن استعادة مدينة القائم من سيطرة التنظيم، حيث تمكنت القوات العراقية من السيطرة على منفذ القائم الحدودي الرئيس الذي يصل العراق بسوريا، وقد شاركت القوات العراقية ميليشيات «الحشد الشعبي» في عملياتها في هذه المنطقة ذات الطبيعة الصحراوية، وكما يقول أستاذ العلاقات الدولية اللبناني، خالد العزي، إن الحشد الشعبي الموجود في البادية السورية تم تحريكه بإرادة إيرانية لدعم معركة السيطرة على «البوكمال»، إلى جانب ضمان فتح الطريق البري الذي يصل إيران بلبنان والبحر المتوسط، مرورًا بسوريا والعراق.
ويضيف العزي لـ«ساسة بوست»: «إيران ومليشياتها معنية بالنصر في آخر معقل لداعش، لأن نصرهم يعني فتح الحدود بين العراق وطهران وسوريا وصولًا إلى مياه البحر المتوسط في بيروت لتشكيل كيان شيعي فارسي بقيادة إيران في وسط الكتلة السنية، كما أن الأكراد يسعون بدورهم للسيطرة على هذه الحدود لتدعيم كانتونهم المجزأ بعيدًا عن التهديد التركي وبمنع الحشد من ربط الحدود التي تربطهم بأكراد العراق»، وبذلك يتحضر داعش في مدينة البوكمال، لعمليتين عسكريتين، واحدة من قبل القوات العراقية، وأخرى من قبل قوات النظام وحلفائه.
صراع النفوذ الدولي على «البوكمال»

«قامت قاذفات بعيدة المدى من طراز تو-22 إم3، بعد إقلاعها من الأراضي الروسية وتحليقها عبر المجال الجوي للعراق وإيران، يوم الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2017، بتوجيه ضربة جوية جماعية إلى مواقع للإرهابيين في منطقة مدينة البوكمال بمحافظة دير الزور»، هذا ما جاء في بيان وزارة الدفاع الروسية قبل أيام.
موسكو التي تكثف غطاءها الجوي والصاروخي ضد داعش في وادي الفرات، تمتلك رغبة قوية في حسم عسكري سريع يمكنها من التفرغ أكثر لملف «التسوية السياسية» التي تسير فيها تحت محادثات تفاوضية بأكثر من مسمى، أستاذ العلاقات الدولية، خالد العزي، يؤكد لنا أن روسيا تحاول إعادة السيطرة السريعة على دير الزُّور والبوكمال لأنها تريد إعادة تلميع النظام السوري بهذا النصر، والسيطرة على آبار النفط وقطع الطريق أمام الولايات المتحدة وحلفائها، ويوضح: «الصراع الدولي بين الروس والأمريكان على «البوكمال» كونها ورقة قوية ستمنح روسيا في حالة السيطرة عليها فرصة التفاوض وفرض النفس في المستقبل السوري بل والعالمي».
روسيا ليست وحيدة في وضع مدينة «البوكمال» نصب الأعين، حيث تتركز أنظار قوى إقليمية ودولية عدة على منطقة وادي الفرات كما سبق وذكرنا، فالمدينة الواقعة ضمن منطقة النفوذ الروسي (جنوب نهر الفرات)، هي في قلب المشروع الإيراني الذي يريده أيضًا النظام السوري، والرامي إلى تأمين طريق بري يصل بين طهران وبيروت عبر بغداد ودمشق، وإيران تدرك خطورة قيام الولايات المتحدة الأمريكية بدفع حليفتها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) إلى «البوكمال»، ضمن مساعيها إلى تحجيم الدور الإيراني في سوريا.

لذلك لا تكتفي إيران بزج قوات النظام السوري ودعمهم لوجستيًا وماديًا في هذه المعركة، بل دفعت بعد السيطرة على بلدة القائم العراقية الحدودية القريبة من «البوكمال» ميلشيات الحشد الشعبي لتحقيق التواصل مع الجانب السوري، كما قال الناطق العسكري باسم كتائب حزب الله العراق «جعفر الحسيني» مضيفًا خلال حديثه لقناة «الميادين»: «البوكمال تحت مرمى صواريخ القوات العراقية في مدينة القائم ووجود قواتنا على حدود البوكمال سيكون محورًا جديدًا في مواجهة داعش»، وذلك بغية «إفشال مشروع التقسيم الأمريكي»، حسب الحسيني.
يضًا، وبعد رفض فصائل المعارضة السورية الاستجابة لواشنطن بالانخراط مع قسد في معركة البوكمال، لم يستبعد المراقبون البتة دفع الولايات المتحدة لقسد نحو البوكمال التي تبعد عنها فقط 20 كلم، والتي يفصلها نهر الفرات عن قوات النظام، وقد صرح القيادي الكردي، صالح مسلم بأنه: «إذا كان النظام قادرًا على تحرير البوكمال فليتفضل، ولكن لا توجد لديه إمكانيات، لا أعرف ما إذا كان حلفاؤه الإيرانيون سيساعدونه أم لا، وكل ما أعرفه هو أن قواتنا إن وصلت إليها فستحررها، وستحرر غيرها من المناطق»، إذ تمتلك واشنطن إصرارًا كبيرًا في قطع الطريق على النظام وحلفائه وخاصة الإيرانيين الذين يحلمون باكتمال مشروع (فجر3).

وبينما تأمل روسيا وأمريكا بتحقيق توافق على تقاسم المصالح والنفوذ في سوريا عمومًا وفي دير الزور على وجه الخصوص، تنذر التطورات الأخيرة بجر الطرفين إلى مفاوضات جديدة حول المدينة التي سحبت في وقت سابق كلًا من موسكو وواشنطن إلى طاولة التفاوض، عُرفت حينها بمفاوضات «كعكة الفرات» والتي تقاسمت بموجبها واشنطن وموسكو ضفاف نهر الفرات، ونجم عن هذه الاتفاقيات هيمنة حلفاء أمريكا على ضفة الفرات الشرقية، وحلفاء روسيا على ضفة الفرات الغربية.

السباق يحتدم على الخزان النفطي

تتبع «البوكمال» إداريًا محافظة دير الزور، وهي أهم مدن الشرق السوري لموقعها الاستراتيجي الذي يعود لكونها تربط سوريا بالعراق، فهي تقع إلى الشرق من مدينة دير الزور بنحو 110 كيلومترات، حيث يمر نهر الفرات إلى الشمال منها، ولا تبعد عن الحدود السورية العراقية سوى ثمانية كيلومترات.
وتعرف المنطقة الحدودية بين العراق وسوريا بأنها أنبوب النفط العراقي السوري لوجود سلسلة من أنابيب النفط فيها، إذ قدرت الخطة الخمسية الثالثة (1970-1975) احتياطي النفط في حوض الفرات بـ480 مليون متر مكعب من النفط القابل للإنتاج،حسب تقرير موقع «أورينت» السوري، وتحتوي بوابة الحدود السورية والعراقية «البوكمال» على أحد أهم الحقول النفطية، هو حقل «التنك»، فهي منطقة غنية بآبار النفط والغاز وتلعب دورًا أساسيًا في تنمية الاقتصاد السوري.
ويذكر  تقرير «أورينت» أنه: «تطمح السلطات العراقية والسورية وحلفاؤهما بالسيطرة على المدينة لتأمين إعادة ضخ النفط العراقي وتصديره عبر الموانئ السورية»، وبينما تريد الولايات المتحدة السيطرة على منابع النفط كورقة ضغط تفاوضية تستخدمها خلال تسوية القضية السورية، ولتحجيم النفوذ الإيراني، تسعى روسيا إلى إعادة بسط سيطرة النظام على حقول النفط والغاز الموجودة في دير الزور، بما يضمن مصالحها الاقتصادية في سوريا.
"ساسة بوست"