2024-11-30 05:53 ص

«في الخفاء» هل تحتل الولايات المتحدة أفريقيا عسكريًا؟

2017-10-30
في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، لقي أربعة جنود أمريكان حتفهم بعد أن حوصرت دوريتهم من قبل مقاتلين تابعين لـ«تنظيم الدولة الإسلامية – داعش» في دولة النيجر في غرب القارة الأفريقية. ولكن ماذا يفعل جنود تابعون للجيش الأمريكي في  النيجر؟

في الواقع لا يمكن الإجابة على هذا السؤال بشكل مُنفرد؛ بل يجب البحث عن إجابة لتساؤلات عن العمليات العسكرية الأخرى التي تشنها القوات العسكرية الأمريكية في 20 دولة أفريقية من ضمنها جيبوتي وإثيوبيا والصومال وليبيريا ومالي وغينيا وأوغندا والكونغو الديمقراطية. وفي الحقيقة المعارك التي خاضتها مؤخرًا أو ما زالت  تخوضها الولايات المُتحدة في هذه الدول تتم تحت تعتيم إعلامي، ليس من جانب الأبواق الإعلامية الأمريكية والعالمية؛ بل من جانب البنتاجون أو وزارة الدفاع الأمريكية التي لا تعطي الكثير من المعلومات عن هذه الحرب التي تخوضها تحت اسم «الحرب ضد الإرهاب»، ولذلك عندما تسربت إلى وكالات الأنباء معلومات مؤخرًا عن التواجد العسكري الأمريكي في أفريقيا، أُطلق عليها اسم «حرب الظل».

ولكن دائمًا تُثار الشكوك عندما تسمي الولايات المتحدة تدخلها عسكريًا في مكان ما باسم «الحرب ضد الإرهاب»، لا سيما وأن هذه الدول بعضها أصبح اقتصادها ينمو مؤخرًا بشكل سريع، وهي تحتوي على مصادر وفيرة من مجموعة من المعادن الهامة صناعيًا وتجاريًا مثل الكولتان والنحاس والزنك والرصاص والحديد والذهب. ولكن هذه الأرض ليست فقط مشبعة بالمعادن النفيسة؛ بل بالنزاعات والحروب أيضًا، مما يجعلها أرضًا خصبة للتدخل العسكري الأمريكي تحت اسمه المعتاد «الحرب ضد الإرهاب».
بداية التواجد الأمريكي في أفريقيا كانت حقول بترول

في كتابهما «Oil and Terrorism In The New Gulf»، ذكر الكاتبان «جيمس فورست» و«ماثيو سوسا»؛ أن بداية التدخل الأمريكي في أفريقيا كانت عام 1960، وذلك عندما اكتُشِفت حقول بترول ضخمة في الخليج الغاني، والذي لُقِّب بالخليج الجديد. وقتها ظهرت الولايات المُتحدة الأمريكية لاعبًا جديدًا في أفريقيا بعد فرنسا وبريطانيا اللتين تركز تواجدهما في القارة الأفريقية على اهتمامهم بالمعادن المشهور تواجدها في الدولة الأفريقية الغربية والجنوبية في القارة.

في عام 1992، بدأ التدخل الفعلي للولايات المُتحدة عسكريًا في أفريقيا، وذلك عندما أرسلت 28 ألف جندي لمساعدة الصومال على إنهاء الحرب الأهلية التي كانت مشتعلة في ذلك الوقت – طبقًا للأسباب التي أعلنتها الحكومة الأمريكية -، ولكن انتهى التواجد الأمريكي بعد عامين في الصومال بمأساة، عندما تكررت حادثة أسر عدد من الجنود الأمريكان والتمثيل بجثثهم ونشر الصور في الصحف العالمية، مما دفع الحكومة الأمريكية إلى إنهاء التدخل العسكري بسبب حالة البلبلة والذعر التي أصابت الشارع الأمريكي في ذلك الوقت.

ولكن بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، تغيرت سياسات الولايات المُتحدة الأمريكية الدولية والعسكرية، ففي خلال عامين غزت كلًا من أفغانستان لمكافحة تنظيم القاعدة، والعراق لإنهاء عصر صدام حسين، والأهم أنها أسست أول قاعدة عسكرية أمريكية في أفريقيا في جيبوتي.

الغطاء العسكري الرسمي للولايات المتحدة الأمريكية «Africom»

بعد إنشاء القاعدة الأمريكية العسكرية الأولى في ليمونيه في جيبوتي عام 2002، انصرفت الولايات المتحدة إلى حرب العراق، وانصب اهتمامها العسكري الأول على غزو العراق، ولكن عام 2007 عادت الولايات المُتحدة  للتوغل في أفريقيا مرة أخرى؛ فأنشأت «Africom» أو القيادة الأمريكية في أفريقيا، وطبقًا لتقارير وزارة الدفاع الأمريكي؛ فإن التواجد الأمريكي في أفريقيا في ازدياد مستمر، فمن الملاحظ أن عدد القوات العسكرية الأمريكية في أفريقيا عام 2006 كان يشكل فقط 3% من تعداد القوات العسكرية الأمريكية التي تشارك في مهمات خارج حدود أمريكا، وبعد 10 سنوات فقط ازدادت نسبة القوات الأمريكية في أفريقيا ووصلت إلى 17%، وفي هذه اللحظة ربما هناك عملية عسكرية تنفذها كتيبة أمريكية من 1500 كتيبة متواجدة في القارة الأفريقية في الوقت الحالي، فالتقارير العسكرية الأمريكية تشير إلى أن قواتها العسكرية تنفذ عملية عسكرية كل يوم. وتضم اتفاقية «Africom» عددًا كبيرًا من الدول الأفريقية، 50 دولة منهم فقط وقعت على اتفاقية التعاون، من ضمنهم 18 دولة أنشأت قواعد عسكرية للقوات الأمريكية على أراضيها.

تحارب ضد جماعة الشباب في الصومال وجيبوتي منذ 24 عامًا

عادت القوات الخاصة الأمريكية مرة أخرى لساحة المعركة في الصومال عام 2007 بعد أن غادرت عام 1992، ومنذ عام 2007 وحتى الآن وصلت تكلفة هذه الحرب إلى 900 مليون دولار أمريكي، ويتركز دور الولايات المُتحدة في الصومال وجيبوتي على مجموعة من المحاور، أهمها تدريب وتسليح القوات المسلحة الصومالية، تنفيذ أبنية ومنشآت عسكرية تقع تحت إدارة القوات الأمريكية في المقام الأول، تدريب وتدعيم – وأحيانًا – صرف مرتبات للجنود الذين ينضمون للجيش الصومالي والجيبوتي، فضلًا عن تنفيذ وقيادة عمليات عسكرية جوًا وبرًا ضد مجموعة من الجماعات المسلحة التي تمارس التمرد، وأهمها جماعة الشباب التي تسيطر على مساحات كثيرة في الصومال، والتي تسبب نشاطها العسكري في مقتل ما يقرب من 21 ألف شخص ونزوح ما يقرب من نصف مليون منذ عام 2007 وحتى الآن.

تبحث عن جوزيف كوني في أوغندا وجنوب السودان والكونغو الديمقراطية

في عام 2012 أرسلت الممثلة والمخرجة الأمريكية الشهيرة «أنجيلينا جولي» رسالة إلى المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، تعرض فيها خدماتها للمساعدة في القبض على «جوزيف كوني» قائد جيش الرب المُتمرد، وكانت الفكرة أنها تسافر إلى وسط أفريقيا وتحاول أن تتواصل معه وتدعوه إلى العشاء وتسهل المهمة على القوات الخاصة الأمريكية للقبض عليه، وفي وقت سابق؛ وصفت المحكمة الجنائية الدولية جوزيف كوني بأنه مجرم حرب. وكوني هو رئيس جماعة «جيش الرب المتمرد» المسلحة، التي تعرف بنشاطها العنيف ودعوتها إلى النضال من أجل تحويل أوغندا إلى دولة مسيحية تقوم على الوصايا العشر التي ورد ذكرها بالأناجيل وعلى تقاليد وأعراف قبيلة أشولي التي ينتمي إليها جوزيف كوني.
تتجسس على تنظيمات مسلحة من بوركينا فاسو

تمتلك الولايات المتحدة قاعدة طائرات عسكرية بدون طيار في العاصمة البوركينية «واغادوغو»، ومن خلال هذه القاعدة يتم إرسال طائرات بدون طيار «Drones» وذلك لتنفيذ مهمات تجسسية أو عمليات عسكرية ضد تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي في موريتانيا ومالي والصحراء الغربية الأفريقية.
تحارب بوكو حرام بنفسها في نيجيريا

في عام 2014 بعد أن اندلعت أزمة تنظيم «بوكو حرام» الذي أعلن ولاءه في وقت سابق لتنظيم داعش، قررت الإدارة العسكرية للولايات المُتحدة التدخل في نيجيريا لوقف زحف بوكو حرام الذي يعني زحف داعش داخل القارة الأفريقية، ولكن الولايات المُتحدة تراجعت عن قرارها بتزويد القوات المسلحة التابعة للحكومة النيجيرية بالأسلحة ووسائل الحرب المتطورة، وذلك لعدة أسباب أهمها أن الحكومة النيجيرية «فاسدة» وأنها تخشى أن يكون هناك عناصر تابعون لتنظيم بوكو حرام يعملون في الحكومة النيجيرية، لذلك منذ عام 2014 تنفذ القوات العسكرية الأمريكية مداهمات عسكرية على الأرض لمواقع مُسيطر عليها من قبل تنظيم بوكو حرام، بالإضافة إلى غارات جوية تنفذها طائرات بدون طيار.
لكن هل تحمي الولايات المتحدة أفريقيا من الإرهاب فعلًا؟

في عام 2015، نشرت صحيفة فاينانشال تايمز تقريرًا بعنوان «الولايات المتحدة تتحول إلى غرب أفريقيا من أجل البترول»، ويبرز التقرير أن أعداد براميل البترول التي وصلت إلى الولايات المتحدة عبر شركات نفط أمريكية، تضاعف بشكل رهيب بعد عام 2014، وهذا العام تحديدًا قد شهد تدخلات عسكرية كبيرة للولايات المتحدة تزامنًا مع تصاعد عمليات العنف التي صاحبت ازدهار مجموعة من الحركات العنيفة في غرب أفريقيا مثل جيش الرب وبوكو حرام، مما يثير الشكوك حول التواجد العسكري الضخم الذي تنفذه الولايات المتحدة في الأعوام الماضية، ولنتذكر أن الإعلام الأمريكي عندما يصف التدخل العسكري الأمريكي في أفريقيا بـ«الحرب»، لأن التواجد لا يقتصر على مجموعة من الجنود الأمريكان الذين يحاربون بجانب جيوش أفريقيا، ولكن أمريكا لها قواعد عسكرية كثيرة يصل عددها إلى 18 قاعدة عسكرية، من ضمنها مجموعة من القواعد المخصصة للطائرات بدون طيار التي يمكنها أن تنفذ مهمات استطلاع تجسسية، ومهمات وغارات جوية.

"ساسة" بوست