2024-11-30 04:45 ص

12 وفدا عربيا في اسرائيل: استدراج "المطبّعين" عبر "فايسبوك"

2017-10-22
"في الأعوام الماضية استطعنا دعوة 12 وفداً من دول عربية؛ بينها العراق وتونس وكردستان والمغرب ومصر".. حقاً، لم تفاجئنا هذه الجملة التي حاول الناطق باللغة العربية باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، حسن كعبية، أن يُفاخر من خلالها بعضلات إسرائيل الفايسبوكية والتي بفضلها تلمع صورتها في المحيط العربي، كما يدعي في سياق حديثه لموقع "مكور ريشون" الإسرائيلي أخيراً.


 والواقع أن اسرائيل استقدمت فعلاً العديد من زيارات "التطبيع العربية" لوفود وشخصيات في السنوات الخمسة الأخيرة سواء كانت معلنة أو سرية، رسمية أو فردية. لكن اللافت أن الإعلام الإسرائيلي كان يهتم بإيعاز من السلطة السياسية والأمنية بالإعلان عنها كما لو انها بمثابة خبر يستحق النشر والإذاعة.

وتنوعّت طبيعة الشخصيات العربية التي دعتها اسرائيل لزيارتها، سواء عبر بوابة الخارجية الإسرائيلية أو غيرها من الجهات الرسمية والأكاديمية والبحثية في تل ابيب والقدس، فنجد أن اكاديمياً عربياً جاء ليلقي محاضرة في مركز ثقافي داخل اسرائيل، وآخر جاء مهرولاً تحت عنوان التعاون في "أبحاث علمية مشتركة"، مروراً بفئات تم استقدامها من قبل مركز "بيريز للسلام" حيثُ تم تسويقها كصاحبة فكر متنور من شأنه أن يعزز السلام بالمنطقة.

واستضافت اسرائيل أيضاً فنانين من المغرب، على سبيل المثال لا الحصر، ليحيوا حفلاً موسيقياً وغنائياً في "بيت الكرمل" بمدينة حيفا.

كما وكان للمعارضَيْن السوريَيْن عصام زيتون والكُردي سيروان كاجو، فرصة في هذا السياق عندما قدما إلى اسرائيل في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، بدعوة من "معهد ترومان" التابع لـ "الجامعة العبرية" في القدس، في زيارة أثارت غضب الطلبة الفلسطينيين الذين اعتبروا ان الوفد لا يمثّل المعارضة السورية وان في الزيارة "نوعاً من الاعتراف بإسرائيل". فرد أحد الزائرين بالقول للفلسطينيين الغاضبين: "وضعكم أحسن من وضعنا في سوريا وباقي الدول العربية، انتم بأفضل حال هنا. ماذا ينقصكم؟".

ولعل في هذه العبارة تجد تل ابيب فيها ضالَّتها، فهي مربط الفرس بالنسبة لها من وراء تنظيم "زيارات العرب التطبيعية"، وخاصة عندما تجعلهم يرون بعيون اسرائيلية حصراً؛ ذلك أنهم يطلعون على ما تعرضه هي فقط، فتغسل أدمغتهم وتغير مواقفهم بشكل معاكس تماماً، علّهم يؤثرون على الأقربين ومحيطهم وما بعدهم عندما يعودون إلى بلادهم فينضمون إلى دعاية إسرائيل المزعومة والقائلة "إن إسرائيل مليئة بالخير والإحسان وتُحسن إلى الفلسطينيين والعرب، وهي ليست كما يُقال عنها"، على حد الإدعاء.

مراقبون مهتمون بالشأن الإسرائيلي يؤكدون أنه من الخطأ الإستهتار بقدرات اسرائيل في اقناع بعض الأطياف العربية للقدوم إليها انطلاقاً من منصات التواصل الإجتماعي، عبر اللعب على وتر أنهم مهمشون في بلادهم بفعل أنظمتهم وحكامهم، وأن اسرائيل تهتم لهم وتساعدهم.  

وتحاول الصفحة الرسمية الخاصة بالخارجية الإسرائيلية في فايسبوك أن تؤدي دوراً بارزاً في هذا السياق المرتبط بتبييض صورة اسرائيل في المنطقة، إذ تتحدث لهذه الفئة بلغة مهذبة وجذابة (وإن كانت مصطنعة ومسرحية) بهدف إقناعها وايقاعها في شباك التطبيع الإفتراضي أولاً، ثم الواقعي إذا ما سنحت الفرصة ذات يوم.

ويقول الصحافي المقيم داخل الخط الأخضر، سهيل كيوان، لـ"المدن" إنه يلمس باستمرار من بعض العرب الذين يلتقيهم ويتواصل معهم مقولة :"انتم تعيشون بشكل جيد في اسرائيل، فماذا ينقصكم؟"، ثم يلجأون إلى مقارنات غير منطقية بهذا الشأن. ويبررون مَيلهم للتطبيع، بأن السلطة الفلسطينية نفسها تطبع مع اسرائيل وتقيم علاقات معها بعد اتفاق اوسلو عام 1994، ثم يطرحون تساؤلاً: "لماذا ممنوع علينا أن نلبي دعوة الزيارة لإسرائيل التي لن تضر بشيء؟!".

المختص بالشأن الإسرائيلي عادل شديد يرى أن عدد الوفود والشخصيات التي تأتي إلى اسرائيل في السنوات الأخيرة اكثر مما هو معلن، ذلك ان العديد منها يتخذ الطابع السري، ولكن لاسرائيل مصلحة بالإعلان عن هذه الزيارات رغم ان جزءاً من الوفود لم يكن معنياً بكشف مجيئه إلى هنا. 

ويضيف شديد في حديث لـ"المدن" على أن اهتمام اسرائيل بإنشاء مواقع رسمية في فايسبوك وتويتر، والنشر والتغريد باللغة العربية، يهدف إلى تعميق التواصل مع العرب و"تبييض صورة اسرائيل أمامهم"، من أجل تحقيق مصالح عدة؛ اولها، أن هناك مصلحة تندرج في إطار منافسة اليمين للوسط واليسار في اسرائيل، عبر ايصال رسالة مفادها: "الحكومة التي تتهمونها بالتطرف والإضرار بإسرائيل، ها هي اكثر اختراقا للمنظومة العربية والاسلامية مقارنة بسابقاتها من الحكومات".

فيما تتجلى المصلحة الثانية في رسالة للفلسطينيين عبر ضرب معنوياتهم وإرادتهم الوطنية، عبر القول "إن هذه الامة العربية والإسلامية التي تُعولون عليها، تهرول باتجاه تطبيع العلاقة مع اسرائيل، ولم تعد تعنيها القضية الفلسطينية".

 كما وتحقق اسرائيل المصلحة الثالثة من زيارات التطبيع وإن كان قسمٌ منها على مستوى فردي، عبر توجيه رسالة للخصوم الاقليميين وخاصة ايران ومحورها، فهي تريد ان تُروّج للعلاقة المتنامية مع الدول العربية، بل وتتعزز يوماً بعد يوم، رغماً عما تصفه بالمحور المُعادي.

الغريب أن الجانب الرسمي الفلسطيني يلتزم الصمت إزاء زيارات "التطبيع" التي تجرى إلى إسرائيل، كما ولا تُوظف السلطة صفحاتها الرسمية في فايسبوك وتويتر وبشكل يومي ولحظي، بالمستوى المطلوب لقطع الطريق على ما تقوم به الصفحات الرسمية الإسرائيلية من تواصل يومي مع العرب وبلغتهم ولهجاتهم.

وتُظهر المعطيات الرقمية للصفحات الرسمية الإسرائيلية على مواقع التواصل الإجتماعي حجم المخاطر التي تنطوي عليها هذه الصفحات المُوجهة للرأي العام العربي، إذ أن صفحة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي باللغة العربية، افيخاي ادرعي، في فايسبوك يوجد فيها أكثر من مليون ومئتي الف متابع، فيما تضم صفحته في "تويتر"  170 ألف متابع، وفي "انستغرام" حوالي 10 آلاف متابع.

اما صفحة "المنسق" والتي تدار من قبل طاقم منسق الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية الجنرال يوآف مردخاي، فتجاوز عدد متابعيها حاجز "مئتين وثلاثين ألف" خلال نصف عام، ويبلغ متوسط المرور على كل منشور على صفحته نحو 56,124 مستخدم، ويدخل نحو مليون وتسعمئة الف شخص إلى صفحته أسبوعياً، بحسب تقارير اسرائيلية.