جهاد حيدر
قبل عشر سنوات، أقرّ رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو من موقعه كرئيس للمعارضة، بأن حرب العام 2006، أعادت سؤال الوجود الى التلويح من جديد فوق رأس "إسرائيل"، بعدما أزالته حرب حزيران عام 1967. ورأى نتنياهو في حينه أنّ التساؤل عن إمكانية بقاء "إسرائيل" لم يعد يقتصر على أعدائها، وإنما شمل أصدقاءها، أيضا. بعد ذلك، ابتعد هذا الشبح بفعل الحروب التي دخلتها شعوب المنطقة وأنظمتها عامة، وفي سوريا والعراق خاصة، في مواجهة الجماعات التكفيرية والإرهابية التي أدت إلى استنزاف دولها وتقويض قدراتها.
الآن في العام 2017، يعود نتنياهو من جديد ليكشف عن قلقه الوجودي، مؤكداً خلال لقاء "ديني"، أن وجود "إسرائيل" "ليس بديهياً" بل يسعى إلى ضمان بقائها 20 سنة اضافية. لكنه تحدث هذه المرة من موقعه كرئيس للوزراء. بعبارة أخرى، من تحدث هو رأس الهرم السياسي، المطلع على التقديرات السرية لأجهزة الاستخبارات المعنية بتقديم صورة عن الواقع القائم واستشراف مسارات المستقبل، والقدرات التي تتنامى لدى الجهات المعادية لإسرائيل. وهو الذي بالضرورة يعرف ما هي قدرات "إسرائيل" النووية وغير النووية.
وعلى مستوى المضمون، كان لافتاً جداً مقارنة "إسرائيل" بمملكة الحشمونائيم، وهي مملكة يهودية أسقطتها الامبراطورية الرومانية قبل نحو قرنين من الميلاد. واعتبر نتنياهو في هذه المقارنة أنه "على مدى 80 عاماً نجح الحشمونائيم في الخروج من وضع صعب جداً... علينا أن نتعهد بأن تحتفل "إسرائيل" بمئويتها" وفق قوله، ما يعزز من جدية وخطورة ما ورد من مواقف، أن نتنياهو أدلى به بعيداً عن الاعلام، وخلال لقاء ديني خاص. لكن الذي حصل أن أحد الحضور سرب مضمونه لصحيفة "هآرتس". ثم أتى رد ديوان رئيس الوزراء ليؤكد صحة ما ورد في الصحيفة، من خلال عدم نفيه، مكتفيا بالقول "إن نتنياهو يكرس معظم وقته للتفرغ للمسائل الأمنية، بهدف ضمان أمن "إسرائيل" ووجودها... المعضلات الأمنية لم تنتهِ بعد".
لا يقل دلالة توقيت الموقف الذي أدلى به نتنياهو، ولو سراً. فهو قد أتى بعد أيام من تهديد الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، في حال تورطت حكومة العدو بحماقة شن حرب ضد حزب الله، داعياً جمهور الكيان إلى "المغادرة والعودة إلى البلدان التي جاؤوا منها... لأن نتنياهو إذا شنّ حرباً في هذه المنطقة قد لا يكون لدى هؤلاء وقت حتى لمغادرة فلسطين، ولن يكون لهم أي مكان آمن في فلسطين المحتلة".
مع ذلك، لدى البحث عن منطلقات مخاوف نتنياهو الكامنة، ينبغي التوجه إلى البيئة الاقليمية، حيث مكمن التهديد الوجودي المفترض للكيان "الإسرائيلي". قبل ذلك، ينبغي التذكير بحقيقة أن من تحدث عن إمكانية زوال "إسرائيل"، هو الشخصية التي تتولى رئاسة الوزراء "الإسرائيلي"، وليس أحد قادة محور المقاومة.
وما تقدم ليس تحليلاً لمحلل متحمس يؤكد فيه أنّ احتمالات زوال "إسرائيل" هو في متناول الأيدي... ولا حتى على لسان أحد القادة "الدينيين" اليهود الذي يستشرفون المستقبل في ضوء ما هو وارد من روايات ونصوص "دينية" عن مستقبل ما يُسمونها دولة "إسرائيل".
الاشكالية التي ترد في مقابل هذا القلق الوجودي حقيقة أن" "إسرائيل" تتمتع بمحيط اقليمي بات "خاليا" من تهديد الجيوش النظامية، كلٌ لأسبابه. من الجنوب والشرق، تطمئن "إسرائيل" على وجودها بفعل اتفاقيات "السلام" مع مصر والاردن. ومن الشمال، والشمال الشرقي، ما زالت سوريا مشغولة بمواجهة الجماعات التكفيرية. وبعد نحو سبع سنوات من الحرب، من المنطقي الافتراض أنّ" الجيش والدولة في سوريا قد تم استنزافهما... وأما العراق فقد دمر الاحتلال الاميركي فيه مقومات الدولة وأكملت المهمة "داعش"...
وما يفترض أنه يساهم في تعزيز المكانة الاستراتيجية لـ"إسرائيل"، الهرولة الخليجية والسعودية للتطبيع معها". فأين يكمن اذن التهديد الوجودي الذي تخوف منه نتنياهو؟
ينبغي القول أن" نتنياهو لم يتحدث عن تهديد وجودي مباشر وفوري... وانما تحدث بلغة أن أي سيناريو ليس مضموناً، وأن بقاء "إسرائيل" ليس مسلماً. من هنا، فهو يتحدث عن مسار قائم يتخوف من استمرار تصاعده، مع ما يمكن أن يترتب على ذلك من مفاعيل تتصل بوجود الكيان وأمنه القومي.
من الواضح أن تبدل التقدير الاستراتيجي لـ"إسرائيل" يعود إلى التحولات المتسارعة التي شهدتها الساحة السورية. ونتيجة الانتصارات التي حققها محور المقاومة في سوريا والعراق ولبنان وايران. (ولكل هذه الساحات مساراتها وتقديراتها وموقعها ودورها)، وتتخوف تل أبيب وقادتها ويدركون أن مآل المسار التصاعدي لمحور المقاومة سيهدّد وجود الكيان.. وتفادياً للغوص في التحليلات الاستدلالية، يمكن الاكتفاء بعينات من تقدير المؤسستين الاستخباراتية والعسكرية، للتهديدات التي استجدت في مواجهة "إسرائيل". الموساد لدى قوله "المنطقة تتغير في غير مصلحتنا..."، إذ أسهب في الحديث عن تعاظم الخطر الايراني في سوريا. والجيش (رئيس الاركان غادي ايزنكوت) لدى حديثه عن أن "التطورات السورية خطيرة جدا". إضافة الى تصريحات وزير الحرب الصهيوني أفيغدور ليبرمان بأننا "نواجه شرق أوسط أسوأ بكثير من الشرق الاوسط القديم". ومن الضروري أن يبقى حاضراً، أنه للمرة الاولى يتواصل جغرافيا أطراف محور المقاومة في كل من لبنان وسوريا والعراق مع الجمهورية الاسلامية في إيران.