2024-11-30 06:23 م

هجوم القصر الملكي.. رسائل دموية لابن سلمان

2017-10-13
علي مراد

بحسب بيان صادر عن الداخلية السعودية في السابع من الشهر الجاري، تعرّضت نقطة تابعة للحرس الملكي السعودي عند أحد مداخل قصر السلام في جدة لهجوم نفّذه سعودي بسلاح كلاشنيكوف، أدى إلى مصرعه بعد قتله اثنين من الحراس وجرح ثلاثة آخرين. المعلومات الإضافية حول الحادث كانت شحيحة بعض الشيء هذه المرّة، ما يثير تساؤلات عديدة حول الحادث لجهة المكان الذي استهدفه والتوقيت الذي يأتي بعد سلسلة من الأحداث والقرارات التي اتُخذت في الآونة الأخيرة من قبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

درجت العادة في بيانات وزارة الداخلية السعودية بعد الأحداث الأمنية التي تستهدف مقرات ومنشآت حكومية ويُقتل فيها عناصر أمنية، أن يوجّه الاتهام الى تنظيم إرهابي (داعش) لما يتمتّع به التنظيم من إمكانات ووجود في مجتمع أنتج فكره وأيديولوجيته برعاية رسمية بالحد ّالأدنى. لكن هذه المرة كان لافتًا أن الهجوم نفّذه شخص واحد (منصور العامري)، واستهدف القصر الذي كان من المفترض أن يكون ابن سلمان موجودًا داخله، في ظلّ زيارة الملك الى روسيا.

قصر السلام يعدّ ثاني أهمّ القصور الملكية السعودية بعد قصر اليمامة في العاصمة الرياض، وفيه عُقدت تقريبًا أغلب جلسات مجلس الوزراء السعودي خلال الصيف الفائت. لذا انطلاقًا من رمزية المكان المستهدَف، يمكن اعتبار الهجوم رسالة لوليّ العهد بالدرجة الأولى، وإلّا لكان المنفّذ أو من يقف وراءه قد اختار منشأة أخرى كهدف للعملية. يقول مصدر لأحد الصحف السعودية إن العامري "لا سوابق أمنية له، وكان يعمل في القطاع الخاص ويسكن مع والده ولم تظهر عليه أيّة علامات تطرّف من أيّ نوع".

بعد يومين على الحادث تداول مغرّدون على موقع تويتر تسجيلًا صوتيًا لمكالمة هاتفية أجراها ولي العهد السعودي مع والد أحد ضحايا الهجوم، يقول فيها ابن سلمان له "دم ولدك عندي"، وهو ما يمكن فهمه على أنه اعتراف بأنه هو المقصود بالهجوم والأمر ليس مجرد هجوم عشوائي على نقطة أمنية.
 
هل استغلّ داعش الفرصة؟

قد يتساءل كثيرون عن الأسباب التي قد تدفع شابًا في الثامنة والعشرين من عمره الى إلقاء نفسه الى التهلكة عبر تنفيذ هجوم على قصر ملكي محصّن بالحراسات والعناصر الأمنية. سواء كان الدافع شخصيًا أو يقف وراءه تنظيم أيديولوجي كتنظيم "داعش"، لا بدّ من التوقف قليلًا عند معطيات قد تساعد على فهم الوجه الآخر الأرجح لتفسير الهجوم وإمكان تكرّر وقوعه في المستقبل.

أثناء زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرياض في العشرين من مايو/أيار الماضي، نشرت صحيفة الـ"واشنطن بوست" تقريرًا خاصًا كشفت فيه عن إجهاض السعودية أوائل أيار/مايو مشروع قانون في مجلس الأمن الدولي لتصنيف جناحي "داعش" في السعودية (ولايتي نجد والحجاز) على قائمة التنظيمات الإرهابية للأمم المتحدة.
يذكر التقرير نقلًا عن مصدر أمريكي مسؤول أن الرياض ضغطت على عضوين غير دائمين في المجلس هما مصر والسنغال، لرفض طرح المشروع للتداول، استنادًا الى حجّة أن المملكة تقوم بما هو مطلوب لمكافحة الإرهاب مع الإشارة إلى أن الأمر شأن داخلي تستطيع السعودية أن تعالجه دون طرحه على طاولة مجلس الأمن. المفاجأة كانت أن الأمريكيين هم الذين طرحوا المشروع ولا يمكن تفسير الخطوة إلّا على أنها وسيلة ابتزاز أخرى الى جانب وسائل عديدة وعلى رأسها قانون "جاستا" قبيل "غزوة الـ 480 مليار دولار" بأسبوعين.

مرّ التقرير في وسائل الإعلام مرور الكلام وهذا مفهوم، كون أخبار زيارة ترامب للسعودية وقممه تصدّرت عناوين الصحف والفضائيات، لكن حتى بعد مرور أشهر على الواقعة، لا بدّ من التوقف عند حقيقة تسعى الرياض الى حجبها والتستّر عليها. تنظيم "داعش" الوهابي، الذي ضرب العالم العربي ودول العالم، ضرب أيضًا السعودية في الأعوام الماضية، وأخطرها كان استهداف محيط المسجد النبوي الشريف العام الماضي ومساجد أبناء الطائفة الشيعية في المنطقة الشرقية والإسماعيليين في نجران قبل عامين.

يبدو للمراقبين بعد رصد طريقة تعامل الرياض مع "داعش" داخل السعودية أنها لا تريد للعالم أن يتدخّل في صراعها معه (على قاعدة أن الأمّ أولى بتأديب ابنها)، بالإضافة الى نقطة مهمّة مفادها أن الرياض تستفيد من عمليات التنظيم في الداخل (على أساس أن الإرهاب يستهدفها هي أيضًا) في الوقت نفسه الذي تسعى فيه للترويج لمعزوفة انفتاحها ونبذها للتطرف والإرهاب بأوامر من محمد بن سلمان في الآونة الأخيرة.

قطعًا لا يمكن استبعاد فرضية استغلال "داعش" لردّات الفعل في المجتمع السعودي بعد سلسلة القرارات الملكية والأوامر التي أصدرها ابن سلمان، من السماح للمرأة بقيادة السيارة، الى السماح بالاختلاط والرقص في شوارع الرياض عشية الاحتفال بالعيد الوطني، الى الإعلان عن تدشين منتجع سياحي في البحر الأحمر سيُسمح فيه بارتداء لباس البحر للنساء وشرب الكحول، الى قمع مشايخ وأئمة مساجد على خلفية محاضرات تنال من المرأة، وغيرها الكثير من الإجراءات الجديدة على المجتمع الملتزم بتعاليم الوهابية منذ 270 عامًا. لن يكون مفاجأً أن يستغل "داعش" حالة الغضب على هذه القرارات لدى شريحة واسعة من السعوديين لتجنيد عناصر لا سوابق أمنية لها لتنفذ عملياته ضد النظام ورأسه (المنقلب على الموروث والمعادي للدين وفق ما تعتقده).

رسالة داخلية!

قبل حوالي 14 عامًا، نفّذ تنظيم القاعدة في جزيرة العرب هجمات داخل السعودية استهدفت في أغلبها نقاطًا أمنية ووزارات ومنشآت حكومية ونفطية، لكن اللافت اليوم أن الهجوم الأخير استهدف مقرّ إقامة الملك القادم الذي هو عمليًا الحاكم الفعلي الحالي للمملكة.

تخرج أخبار كثيرة مؤخّرًا عن عمليات انتقامية من ابن سلمان نفّذها أمراء على خلفية إزاحة محمد بن نايف من منصبه، وفي ظل عدم توفّر الحريات ووسائل الإعلام الشفافة داخل السعودية، لا يمكن تأكيد هذه الأخبار ولا يجب التعامل معها على أنها حقيقية.

تاريخ أسرة آل سعود شاهد على تهديد الملك سعود بالتصفية الجسدية أوائل الستينات إذا لم يتنحَّ، وكذلك على اغتيال الملك فيصل بعده على يد ابن أخيه مساعد. حتمًا كان هناك تيار داخل العائلة المالكة يفضّل وصول محمد بن نايف الى العرش، كونه (كما يعتقد كثير من الأمراء) رجل الدولة القادر على الإمساك بالأمن وحماية النظام بالقبضة الحديدية الأمنية التي تتمتّع بعلاقات عميقة مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية.

بعد تنحية محمد بن نايف بمدة قصيرة أصدر ابن سلمان قرارًا ملكيًا يقضي بترقية رئيس المباحث العامة عبد العزيز الهويريني (يد محمد بن نايف اليمنى) وترؤسه جهازًا أمنيًا جديدًا هو "رئاسة أمن الدولة"، مع إبقائه في منصبه كرئيس للمباحث.

نظر كثيرون للخطوة على أساس أن الهويريني خان سيّده ابن نايف على حساب سيّد آخر وجد مصلحته معه، مع تركيز الذراع الإعلامية للنظام السعودي على ترويج أخبار عن علاقة مميّزة ووطيدة تربط الهويريني بالـ CIA والـ FBI للإيحاء بأن ملفّ الأمن واقعًا لم يكن بيد محمد بن نايف بل بيد مساعده الهويريني، وهو اليوم ينقل هذا الملف بتشعّباته مع خبراته ليضعها تحت تصرّف ابن سلمان. قد يكون رئيس "أمن الدولة" نافذ العلاقات، لكن لن يصل إلى مستوى سيّده السابق الذي يُقال إنه ورث عن أبيه نايف بن عبد العزيز خبايا وأسرار إدارة وتحريك تنظيمات السلفية الجهادية، وبإمكان هذه التنظيمات أو أجنحة معيّنة داخلها أن تنفّذ المطلوب من تمرير رسائل دموية لإبن سلمان (ربما هي مجرد البداية)، كردّة فعل على انقلابه على ابن عمه الأقوى منه أمنيًا وعلاقاتيًا.