حالة الفوضى التي دخلت فيها ليبيا والصراع المحموم بين الفرقاء الليبيين،كان بمثابة البوابة التى سهلت دخول التنظيمات الإرهابية إلى الأراضي الليبية وعلى رأسها تنظيم "داعش" الذى سعى إلى إستغلال الإنقسامات والفوضى لتأسيس موطئ قدم له فى المنطقة.
ومع أن نجاح معركة تحرير سرت والإعلان عن نهاية التنظيم فيها كان مدعاة للتفاؤل والإستبشار،إلا أنه لم يكن كافيا لتلمس حالة من الاطمئنان حول زوال خطر التنظيم،خاصة في ظل مؤشرات بقائه في عدة مناطق في البلاد،وتصاعدالتحذيرات من أن تهديده يتعدى الحدود الليبية،ليمثل خطرا اقليميا ودوليا واسعا.
داعش يتحدى
رغم الحديث عن نهايته بعد خسائره الكبيرة فى سرت وبنغازى وعدة مناطق ليبية أخرى،فإن التنظيم مازال مصرا على التحدى وتأكيد إصراره على البقاء في المشهد الليبي.ففى إصدار مرئي جديد نشرته وكالة أعماق الإخبارية الذراع الإعلامي للتنظيم الارهابي مؤخرا،لوح فيه باستمرار عناصره في القتال في ليبيا واظهر فيه مشاهد لبعض المعسكرات التدريبية في الصحاري الليبية.
وأظهر الإصدار الذى جاء بعنوان "فما وهنوا لما أصابهم"،مشاهد من العملية الإرهابية التي نفذها عناصر داعش ضد افراد الجيش في بوابة الفقهاء جنوبي مدينة الجفرة في الـ23 من أغسطس الماضي والذى ادت إلى مقتل 9 عساكر ومدنيين إثنين فيما إحتوى الإصدار أيضاً على مشاهد لكلمة تحدث خلالها المكنى بأبي فرج الأنصاري منفذ العملية الانتحارية الإرهابية التي استهدفت تمركزاً لقوات الجيش في مدخل بلدة النوفلية في الـ31 من أغسطس الماضي.
وليست هذه المرة الأولى التي ينشر فيها التنظيم إصدارا مرئيا منذ سقوطه في سرت على يد قوات البنيان المرصوص التابعة لحكومة الوفاق الليبية.ففى أغسطس الماضي،أظهر مقطع فيديو بثّه تنظيم الدولة عملية انتشار ودوريات لعدد من عناصره في منطقة أبو قرين (شمال غرب)، ومحافظة الجفرة وسط ليبيا، بحسب التسجيل المصوّر.
وجاء مقطع الفيديو هذا يأتي بعد 5 أيام من إعلان التنظيم مسؤوليته عن الهجوم المسلّح على حاجز أمني في بلدة الفقهاء (جنوب سرت) وأدى إلى مقتل 14 عسكرياً من قوات الجيش الليبي.وبيّن التسجيل، الذي نشرته وكالة أعماق الذراع الإعلامية للتنظيم،عناصر ملثّمة تستوقف السيارات وتقيم حواجز ليلية ودوريات صحراوية.
وجود مستمر
يعتقد الكثيرون أن المئات من المتشددين تمكنوا من الهرب من سرت قبل أو خلال حملة عسكرية دامت سبعة أشهر لطرد التنظيم المتشدد من المدينة الساحلية التي سيطر عليها في 2015.وتؤيد هذه النظرية إقامة عناصر التنظيم مؤخرا نقاط تفتيش على الطرق إلى الجنوب وإلى الشرق من سرت علاوة على شن هجومين دمويين على قوات الجيش.
وتشير أغلب التوقعات إلى فرار عناصر داعش إلى الصحراء الليبية التى تمثل بيئة مناسبة له فى ظل إتساعها وصعوبة ملاحقة عناصره فيها.وتشكل إعادة إنتاج التنظيم الإرهابي فى الصحراء الليبية خطرا خطراً كبيرا ليس على ليبيا وحدها، بل سيكون تهديداً إقليماً ودولياً.خاصة في ظل وجود حدود طويلة تتشارك فيها ليبيا مع 6 دول أفريقية أغلبها تعاني من مشاكل أمنية.
هذه التخوفات ترجمها مؤخرا رئيس التحقيقات في مكتب المدعي العام،الصديق الصور، في مؤتمر صحفي في طرابلس،حيث أكد أن المحققين علموا أن تنظيم داعش أسس جيشا في الصحراء بقيادة المتشدد الليبي المهدي سالم دنقو الملقب بأبو بركات. ويضم ذلك الجيش ثلاثة كتائب تحت قيادة دنقو ولكل منها قائد. وقال "هذا الجيش تم تأسيسه بعد تحرير مدينة سرت. والآن هم متواجدون في الصحراء الليبية".
وسبق أن أكدت قوات الوفاق في مناسبات عدة،عن وجود عناصر لتنظيم الدولة في الجنوب الليبي،ففي تصريحات لجريدة "ديلي تلغراف" البريطانية، الخميس 2 مارس/اذار2017،أشار وزير الدفاع المفوض بحكومة الوفاق الوطني، مهدي البرغثي،الى أن تنظيم "داعش" يعمل على إعادة تجميع صفوفه وتمركزاته في جنوب ليبيا.وفي تصريحات تلفزيونية ،الجمعة 07 أبريل 2017،أكد العميد محمد الغصري، المتحدث الرسمي باسم غرفة عمليات "البنيان المرصوص"، التابعة لحكومة الوفاق أنه "تم رصد تحركات في مناطق الجنوب لعدد من عناصر تنظيم الدولة الفارين من سرت، وأن قواتهم ستتصدى لوقف هذه التحركات".
وبحسب المراقبين فإن الجنوب الليبي يمثل ملاذا آمنا جديدا للتنظيم حيث يمكنه إعادة تنظيم نفسه بعد خسائره، وهو ما أشارت إليه مجلة "إيكونوميست" البريطانية،في تقرير لها،من إن التنظيم الإرهابى تراجع إلى الصحراء "ليبيا" ليجعل منها أكبر تهديد خارج الشام والعراق، وتمكنّوا رغم الخسائر التى لحقت بهم فى "سرت" من إعادة حشد أنفسهم فى صحراء طرابلس الشاسعة وتلالها.
غارات أمريكية وتحركات ليبية
أعلنت القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) في بيان لها ،الخميس 28 سبتمبر 2017،مقتل العديد من متشددي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في ضربتين جويتين لها في ليبيا هذا الأسبوع في ثاني هجوم من نوعه في البلاد خلال الأيام القليلة الماضية.ونفذت القوات الأميركية ضربتين جويتين دقيقتين ضد المسلحين الثلاثاء في منطقة تبعد حوالي 160 كيلومترا جنوب شرقي مدينة سرت الساحلية، المعقل السابق لتنظيم داعش في ليبيا.والجمعة، أسفرت غارة جوية أميركية عن مقتل 17 مسلحا من تنظيم الدولة الاسلامية ودمرت ثلاث سيارات في معسكر صحراوي بنفس المنطقة.
لفت بيان أفريكوم الى ان "تنظيمي الدولة الاسلامية والقاعدة استغلا أماكن غير خاضعة لسلطة في ليبيا لإقامة ملاذات للتآمر والاعداد لهجمات ارهابية وتجنيد وتسهيل حركة المقاتلين الإرهابيين الأجانب، وجمع الأموال وتحويلها لدعم عملياتهما".واضاف ان "الولايات المتحدة تقف إلى جانب نظرائنا الليبيين وتدعم جهودهم لمكافحة التهديدات الإرهابية وهزيمة تنظيم الدولة الاسلامية في ليبيا. نحن ملتزمون مواصلة الضغط على شبكة الإرهاب ومنعها من إقامة ملاذ آمن".وشدد البيان على ان "الولايات المتحدة لن تتراجع في مهمتها المتمثلة بالحد من قدرات المنظمات الإرهابية وتعطيلها وتدميرها، وتحقيق الاستقرار في المنطقة".
وهذه هي المرة الثانية التي تعلن فيها واشنطن شن غارات جوية في ليبيا منذ تولى دونالد ترمب الرئاسة في 20 كانون الثاني/يناير.فيما كانت ضربات أميركية استهدفت ليبيا قبل بضعة أيام من انتهاء ولاية باراك اوباما واستهدفت منطقة سرت وأسفرت عن مقتل "أكثر من 80 متطرفا"، بحسب البنتاغون.
وبالتوازي مع الضربات الأمريكية لعناصر داعش،تتحرك الأوساط الليبية لمحاصرة التنظيم،حيث أعلن النائب العام الليبي أنه أصدر، الخميس، 830 مذكرة توقيف بحق اشخاص يشتبه بانتمائهم الى تنظيم "داعش" وذلك إثر أشهر طويلة من التحقيقات.وقال الصديق الصور في مؤتمر صحافي إنه طلب من منظمة الإنتربول ملاحقة خمسين شخصا آخرين من المتواجدين خارج ليبيا، ومتهمين أيضا بالتورط مع "داعش.
وأوضح الصور أن التحقيقات مع المعتقلين من تنظيم "داعش" من مدن مختلف مدن ليبيا اتاحت الكشف عن معلومات ثمينة حول عمل هذا التنظيم.واضاف ان هناك العديد من قادة التنظيم لا يزالون في جنوب ليبيا بعد ان اندحر التنظيم من مدينة سرت في ديسمبر 2016 اثر اشهر عدة من المعارك.وأعلن الصور من جهة ثانية أن التحقيق الذي يقوم به مكتبه حول التنظيم أتاح كشف هويات قادته في ليبيا، وتبين أن غالبيتهم قتلوا في معارك سرت.وأضاف المسؤول الليبي أن أجهزته تعمل لكشف أصحاب 780 جثة من مقاتلي التنظيم قضوا خصوصا في سرت، ولا تزال في مشارح في طرابلس ومصراتة.
مازال تنظيم داعش يمثل الهاجس الأكبر في الأوساط الليبية نظرا للفضائع الكبيرة التي ارتكبها في البلاد خاصة خلال فترة سيطرته على مدينة سرت،لاوة على أنه يمثل هاجسا أيضا لدول الجوار التى عانت من عمليات ارهابية طالتها على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها لمنع عناصر "داعش" من التسلل إلى أراضيها عبر الحدود الليبية.
"بوابة افريقيا الاخبارية"