قالت دراسة إسرائيلية إن المكانة الإقليمية للسعودية تضررت بشدة بعد إمساك ولي العهد الشاب محمد بن سلمان بمقاليد الأمور في المملكة، و"مغامراته" في الداخل والخارج.
وأشارت الدراسة التي أعدها "معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي"، التابع لجامعة تل أبيب إلى "خسارة" السعودية في اليمن، مقابل انتصار إيران وحليفها بشار الأسد، فضلا عن استمرار" خسائرها" في اليمن للدرجة التي أصبح فيها إطلاق الحوثيون الصواريخ من اليمن على الأراضي السعودية أمرا معتادا، ما جعل المملكة بحسب الدراسة "نمرا من ورق".
ولفتت الدراسة التي حملت عنوان "السياسة الخارجية السعودية.. مطلوب تغيير اتجاه" إلى "تضرر" صورة السعودية، على خلفية "عجزها" عن إخضاع دولة صغيرة و"مارقة" كقطر.
إلى نص الدراسة
المكانة الإقليمية للسعودية
في ساحة الحرب بسوريا، منيت القوات المدعومة من قبل السعودية بخسائر، في حين أن يد القوات الموالية لنظام الأسد وإيران وروسيا هي العليا.
كذلك في العراق، رغم محاولات جديدة من قبل الرياض لمغازلة عناصر ذات تأثير في الساحة السياسية، والدينية والقبلية في البلاد، فإن يد القوات الموالية لإيران هي العليا، خاصة في ضوء الإنجازات التي حققتها مليشيات شيعية تحظى بدعم الأخيرة على حساب تنظيم "الدولة الإسلامية".
علاوة على ذلك، منذ 5 يونيو تفرض عدد من الدول العربية- السعودية ومصر والإمارات والبحرين- مقاطعة دبلوماسية واقتصادية على قطر مع طرح سقف عالي للمطالب، بل يمكن القول مبالغ فيه (تولت الكويت هذه المرة أيضا دور الوسيط).
تتضمن هذه المطالب تقليص العلاقات مع إيران، وإغلاق شبكة الجزيرة، وإخراج القوات التركية من قطر والأهم- وقف دعم الإخوان المسلمين.
منذ ذلك الوقت، وبشكل غير رسمي، ألمحت "الرباعية العربية"، التي توقعت، على ما يبدو، عدم استجابة قطر للضغوط، أنها مستعدة للتراجع عن عدة مطالب، من منطلق إدراكها صعوبة تحقيق المطالب كاملة.
صحيح أن قطر تدفع ثمنا كبيرا، لاسيما اقتصاديا، بسبب المقاطعة. لكن، الثمن الذي تدفعه السعودية أيضا يفوق مع الوقت الإنجاز الذي أرادت تحقيقه.
تضررت صورة القوة السعودية على خلفية عجزها، حتى الآن، عن فرض سيطرتها على دولة صغيرة (ومارقة) كقطر، وتوترت علاقاتها مع حلفاء مسلمين رئيسيين، على رأسهم باكستان، بشكل كبير بسبب مواقفهم "الحيادية" تجاه الأزمة، وقطر من جانبها، خاصة منذ اندلاع الأزمة، حسنت علاقاتها مع إيران وتركيا- ربما في خطوة تحدي للسعودية والإمارات- في وقت تساعد الدولتان قطر للتغلب على الحصار.
منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمنصبه، بذلت واشنطن والرياض جهودا لإظهار أن التوترات التي ميزت فترة ولاية الرئيس أوباما قد انتهت.
لكن، وعلى خلفية الأزمة بين دول الخليج من غير الواضح إلى أي مدى تقف الرياض وواشنطن على "نفس الخط" في القضايا الإقليمية: الرئيس ترامب، في زيارته للخليج (بقصد أو بغير) ردد كلاما جرى تفسيره على ما يبدو كمنح "ضوء أخضر" للعمل ضد قطر.
لكن للإدارة الأمريكية مصلحة في إظهار جبهة سنية متبلورة في الصراع ضد داعش والتنظيمات الإرهابية الجهادية، وكذلك أمام إيران، هذه الجبهة تبدو الآن بعيدة عن التحقق، بسبب الأزمة الخليجية.
الإدارة الأمريكية، التي تحدثت في البداية بصوتين- ما حال دون خفض اللهب- تسعى الآن بشدة لإيجاد حل دبلوماسي للأزمة، وربما منح الرياض سلم للنزول عليه.
ستتصرف السعودية بشكل صحيح إذا ما سعت للتسوية مع قطر، كذلك لأن محاولة عزل قطر التي أدت تقريبا إلى تفكك "مجلس التعاون الخليجي" (GCC) – المؤسسة التي كانت السعودية القوة الرائدة فيها، والتي رغم اختلافات وجهات النظر بين أعضائها سجلت لنفسها إنجازات كبيرة منذ إنشائها في 1981، وكان باقي أعضائها بمثابة "جبهة إستراتيجية" عازلة بين المملكة وإيران.
وفي الخلفية تتواصل منذ وقت طويل، دون حسم، الحرب في اليمن. وصلت الحملة العسكرية فادحة التكاليف في اليمن، التي خطط لها محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي والحاكم الفعلي، ومحمد بن سلمان، وصلت هي الأخرى إلى نفق مسدود، وهي بعيدة عن تحقيق الحسم في الحرب أمام الحوثيين.
هذا، بالرغم من امتلاك السعودية أسلحة من الأكثر تطورا في العالم- ميزانية الدفاع السعودية هي ثالث أكبر ميزانية دفاعية في العالم، بعد الولايات المتحدة والصين.
من هنا، الانطباع أن المملكة، ورغم نفقاتها الهائلة في الدفاع، هي فعليا "نمر من ورق". تحولت الحملة العسكرية إلى عبء على الخزينة العاملة، فيما الحوثيون وحليفهم، الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح وأتباعه، يسيطرون على شمال اليمن والعاصمة صنعاء ويطلقون القذائف والصواريخ داخل أراضي السعودية بشكل معتاد.
علاوة على ذلك، تتفاقم الأوضاع الإنسانية في اليمن والأضرار الواسعة التي لحقت بمواطنيه، وكذلك الانتقادات الدولية ضد السعودية بسبب طريقة إدارة الحرب، وأيضا ارتفاع عدد القتلى بين الجنود السعوديين المشاركين فيها ليصل إلى المئات (ليس هناك رقم رسمي موثوق) وإسكات بوادر الانتقادات الداخلية.
الساحة الداخلية
الوصول الصاروخي لمحد بن سلمان إلى منصب ولي العهد وتركيز الصلاحيات في مجالات الدفاع والاقتصاد في يديه لم يزد معسكر المؤيدين له داخل العائلة الحاكمة.
أيضا خارج العائلة الحاكمة، قادت الانتقادات التي أطلقها البعض، بينهم رجال دين، وأكاديميون وصحفيون إلى موجة اعتقالات في منتصف سبتمبر.
الإطاحة بمحمد بن نايف، صاحب السجل المثير في مجال الأمن والمقبول لدى الكثيرين في المملكة وخارجها، من منصب ولي العهد ووزير الداخلية، وكذلك وضعه رهن الإقامة الجبرية، زادت من الانتقادات الموجهة لبن سلمان (رغم أن أغلبها من وراء الأبواب الموصدة) وأوجدت له معارضين من داخل أبناء العائلة الحاكمة. مع ذلك، تفيد التقارير أنه سيتم تنصيبه قريبا ملكا للبلاد، حتى قبل وفاة أبيه.
الخطوات التي اتخذت ضد قطر واليمن تحسب على بن سلمان. الإضرار بالمكانة الإقليمية للسعودية جاء وفي الخلفية خطوات مثيرة للجدل اتخذها ولي العهد لتحصين قوته على الساحة الداخلية استعدادا للاستيلاء على كرسي العرش من أبيه.
علاوة على ذلك يلقى على كاهله عبء إثبات دفع الإصلاحات المطلوبة لمواكبة اقتصاد المملكة مع الظروف الاقتصادية العالمية والإقليمية في الوقت الراهن وفي العقود المقبلة (رؤية 2030). وذلك في ضوء تقارير حول صعوبة تحقيق أهداف البرنامج خلال الجدول الزمني المحدد، وكذلك بسبب الخوف، الذي ليس له أساس من الصحة، من احتجاج جماهيري يمكن أن يندلع عقب الإثقال على المواطنين.
دلالات
مؤخرا تثور الشكوك حول ما إن كانت السياسة الحازمة للسعودية على الساحة الإقليمية قد حسنت فعلا موقعها ومكانتها، خاصة لدى المقارنة بالسنوات الماضية، التي أبدت فيها المملكة ضبط النفس في إدارة علاقاتها الخارجية.
رغم ثرائها، المملكة ليست قادرة وحدها على مواجهة التهديدات الكبيرة في محيطها الإستراتيجي، صحيح أن جيشها مزود بأسلحة متقدمة، لكنه صغير وليس ماهرا.
في ضوء ذلك، يبدو أن المملكة ستفعل الصواب إذا ما عادت وتبنت عددا من العناصر التي ميزت سياستها الخارجية في الماضي- كأن تتهرب من مواجهة مباشرة مع أعدائها، وتتجلى جيوبها العميقة (ثراءها)، وفي هذا السياق تحاول التوصل إلى تسويات دبلوماسية، حتى إن لم تكن مثالية بالنسبة لها، مع قطر وفي اليمن- لتقليص الخسائر وتحييد المخاطر.
بالنسبة لإسرائيل، لديها متخذو قرارات ومحللون يرون بعين الاستحسان النشاط السعودي الموجة تحديدا ضد المصالح الإيرانية بمنطقة الخليج والشرق الأوسط عموما.
لكن، يجب الأخذ في الاعتبار إمكانية حدوث تغيرات في السياسات الإقليمية للرياض، في ضوء الثمن الذي تدفعه مقابل فشلها في دفع أهدافها عبر التورط في ساحات مختلفة.
في هذا السياق يمكن رؤية محاولات الرياض للتقارب مع روسيا في محاولة للتأثير على الصورة السياسية المتبلورة بالمنطقة وبالأخص لمحاولة تقليص بعض خسائرها في سوريا (يتوقع أن يزور الملك سلمان روسيا في القريب).
بما في ذلك خسائر الرياض على الساحة الإقليمية ومشكلاتها الداخلية يمكن أن تضعف في إسرائيل حماستها لـ "التصور الإقليمي"، الذي في إطاره تعتبر السعودية محورا يعتمد عليه المعسكر السني، إلى جانب إسرائيل في مواجهة إيران، وربما أيضا عنصرا يساعد جوهريا في إحداث إنطلاقة في العملية السياسية مع الفلسطينيين.